إسلامي و غير إسلامي!!
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن من البدع التي استحدثها بعض الناس تصنيف الناس إلى إسلامي وغير إسلامي، ولست أدري كما أجزم بأن أكثر الناس أيضا لا يدرون من ابتدع هذا التصنيف والتقسيم الذي ما أنزل الله به من سلطان!! وعند تأملنا لهذا التقسيم المبتدع نجد فيه مفاسد كثيرة منها:
أولا: العدول عمَّا سمانا الله تعالى به إلى مالم يسمنا به، قال تعالى: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [سورةالحج 78] قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله «هو سماكم المسلمين من قبل» قال «الله عزوجل» وكذا قال مجاهد وعطاء والضحاك والسدى ومقاتل بن حيان وقتادة. ذكره ابن كثير في تفسيره، قلت: وفي هذا فائدتان:
الأولى: أن الله تعالى سمانا مسلمين ولم يسمنا إسلاميين.
والثانية: سمانا جميعا مسلمين، ولم يصنفنا صنفين؛ إسلاميين وغير إسلاميين، فتأمل هذا جيدا فإنه نافع.
ثانيا: قد يتبادر إلى ذهن كثير من الناس أن من قيل عنه غير إسلامي بأنه ليس مسلما، وهذا محظور كبير، لذا لما كانت كلمة «راعنا» يطلقها اليهود على النبي صلى الله عليه وسلم، ويقصدون بها قصدا باطلا نهى الله تعالى المسلمين عنها وأمرهم أن يستبدلوها بكلمة أخرى لا تحمل هذا الباطل، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [سورة البقرة 104].
ثالثا: أن كثيرا ممن يقال عنهم غير إسلاميين لا يرضون بهذا الإطلاق الجائر عليهم لأنه يفهم منه أنهم كفار.
رابعاً: أن هذا من التنابز بالألقاب والذي نهى الله تعالى عنه بقوله (ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون) [سورة الحجرات 11].
خامسا: قد يصدر من بعض من يلقب بلقب إسلامي بعض الأفعال أو يصدر عنه بعض الأقوال، فيظن الناس أن ما فعله أوقاله هو من الإسلام، والحقيقة خلاف ذلك.
سادساً: لقب إسلامي وغير إسلامي جعل بعض مسائل الشرع إلى فئة من المسلمين خاصة دون غيرهم وكأن الأحكام على المسلمين تتفاوت، والحق أن الواجب واجب على الجميع، كلٌّ حسب استطاعته، والحرام حرام على كل المكلفين، وهكذا أحكام الله تعالى لا تختص بقوم دون قوم إلا باعتبار شرعي؛ كأن تختص بعض الأحكام بالرجال دون النساء وبالعكس أو بالعلماء دون العامة أو بالأمراء دون الرعية وهكذا.
سابعاً : قابل تقسيمُ إسلامي وغير إسلامي تقاسيمَ أخرى باطلة أيضا بسبب هذا التقسيم؛ كقولهم فلان إصلاحي!! وهل معناه أن غيره مفسد؟ وفلان وطني!! فهل معناه أنه غير خائن؟
ثامنا: كما أن لقب إسلامي قد يستغل لأغراض خاصة، فبعض أصحاب النفوس الضعيفة إذا أراد أن يصل إلى منصب معين أو يبلغ نفوذا ما؛ لقب نفسه ب«إسلامي» ورفع شعار الدين ليكسب بعاطفة المسلمين مكاسب دنيوية زائلة فانية.
تاسعاً: لقب «غير إسلامي» أعطى أهل الباطل فرصة ليتلقبوا بألقاب مثل «علماني» ونحوها ليكون مقبولا عند الناس، فلو اقتصرنا على الألقاب الشرعية (مسلم، مؤمن، محسن، كافر، فاسق، منافق، فاجر، جاهلي) ونحوها لظهر لنا حكم كل فرد من أفراد المجتمع ولما استطاع أحد أن يتستر بالباطل.
عاشرا: هذه الألقاب المحدثة انتجت ألقابا يصعب لدى الكثير من الناس تحديد هوية بعض الناس مثل لقب «ليبرالي» فتجده يصلي ويحج ويعتمر ويقال عنه ليبراليا ليس إسلامياً.
الحادي عشر: ومن أكبر مفاسد هذه التقاسيم المبتدعة أنها سبب للفرقة والتحزب والاختلاف والضعف والفشل، وهذا مذموم شرعا كما هو معلوم ومقرر.
الثاني عشر: أن التقاسيم والانقسام لم يقف ولن يتوقف إلى هذا الحد «إسلامي وغير إسلامي» بل انقسم كل منها الى أقسام وفرق أخرى حتى صارت فتنة لكثير من الناس فلا يدري أكثرهم من المحق ومن المبطل؟
الثالث عشر: تابعوا بانقسامهم هذا إلى «إسلامي وغير إسلامي» أهل الكتاب الذين يقسمون الناس إلى رجل دين ورجل دنيا أو أعمال، وحسبنا هذه المفسدة.
والخلاصة: أن الواجب علينا بصفتنا مسلمين ولا أقول «إننا كمسلمين» لأننا مسلمون ولسنا «كمسلمين» الواجب علينا أن نتمسك بالكتاب والسنة تمسكا صحيحا قويا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا ونتجنب كل ما هو محدث مبتدع كتقسيم «إسلامي وغير إسلامي». والله أسأل أن يؤلف على الإسلام قلوبنا وأن يوفق جميع المسلمين حكاما ومحكومين إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم. والحمد لله أولاً وآخراً ، وظاهراً وباطناً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.