موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

"حفظ القرآن كاملاً في ستة أيام" هل هذه حقيقة أو خديعة؟!

18 رجب 1429 |

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

فلقد زارني أحد الأخوة الأفاضل يُكنى بأبي فايز، واشتكى من إحدى اللجان الخيرية التي تجمع أموال المتبرعين لإقامة وقفية لحفظ القرآن الكريم (وفهمِهِ) وبالتعاون مع إحدى الأكاديميات كما يحلو لهم تسميتها. زعموا أنهم قادرون على تحفيظ "القرآن كاملاً" للمشتركين خلال (15) يوماً !! والأخ ابوفايز من حبه للخير وحرصه على القرآن ذهب إليهم وصحب معه ابنه فايز، وكان مما دفعه للذهاب تلك الدعاية العريضة الملونة والمزخرفة ويبدو فيها صور أشخاص سبق لهم المشاركة وقد حفظوا القرآن كاملاً بعضهم حفظه في (6) أيام وبعضهم في (8) أيام وبعضهم في (10) أيام وبعضهم في (11) يوما وبعضهم في (12) يوماً وبعضهم في (13) يوماً والباقي في (15) يوماً، وأخونا أبو فايز اقنعه أحد المشاركين السابقين وأكد له من خلال تجربته الشخصية أن هذه "حقيقة" وأنه بالفعل حفظ القرآن كاملاً خلال أيام معدودات لا تتجاوز(15) يوماً!!

"رسوم الاشتراك (200) دينار عن الشخص الواحد"

لما وصل أخونا أبو فايز وجد الإدارة المحترمة في استقباله فرحبوا به أحسن ترحيب وبشروه بهذه الخطوة المباركة وإذا بهم يطلبون منه رسوما (200) دينار عنه ومثلها عن ابنه "فايز"!! مع أن المعلن عنه أن الوقفية تدعمهم. أخونا أبو فايز دفع الرسوم (400) دينار واستمر معهم أياماً وهنا اكتشف الحقيقة بنفسه أن الأمر دبر بليل وما هي إلا لعبة أكل لأموال الناس بالباطل، ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل.

"من المسؤول عن هذه الفوضى؟"

أليس فينا ومنا رجل رشيد يتصدى لهؤلاء العابثين بعقول الناس والذين يأكلون أموال الناس بالباطل؟ ثم هؤلاء الذين يجمعون التبرعات من أموال المحسنين ألا يتقون الله عز وجل؟ أهكذا تعبثون بأوقاف المسلمين؟ حسبكم عبثا الأمر لم يعد يحتمل، إنكم بتصرفاتكم هذه قد شككتم الناس في مصير أموالهم فإلى متى هذه الفوضى؟! أين أنتم من قوله تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [محمد ـ 24]. وأين انتم من قوله تعالى (كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ ) [ص ـ 29]. أين أنتم من قوله تعالى (الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به) [البقرةـ 12]. اما سمعتم بقوله صلى الله عليه وسلم "..... والقرآن حجة لك أو عليك" [رواه مسلم ـ 223 من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه]؟!

"قرأت القرآن ليقال عنك قارئ"

قراءة القرآن وتعلمه وتعليمه عبادة كسائر العبادات، الواجب فيها إخلاص النية لله تعالى، فاحذر أخي المسلم كل الحذر أن تقرأ القرآن ليقال عنك قارئ، أو ما أجمل قراءته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول"إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه ، رجل استشهد . فأتى به فعرفه نعمه فعرفها . قال : فما عملت فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت . قال : كذبت . ولكنك قاتلت لأن يقال جريء . فقد قيل . ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار . ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن . فأتي به . فعرفه نعمه فعرفها . قال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن . قال : كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم . وقرأت القرآن ليقال هو قارئ . فقد قيل . ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار . ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله . فأتى به فعرفه نعمه فعرفها . قال : فما عملت فيها ؟ قال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك . قال : كذبت . ولكنك فعلت ليقال هو جواد . فقد قيل . ثم أمر به فسحب على وجهه . ثم ألقي في النار" [رواه مسلم ـ 1905[.

فوالله الذي لا إله إلا هو إن هذا الحديث ليدعو كل مسلم أن يراجع نيته قبل أن يتعلم العلم أو يقرأ القرآن. وليعلم هؤلاء الأخوة الذين نشروا صورهم أن هؤلاء يصطادون الناس بصوركم فبادروا بسحب صوركم واخلصوا لله في قراءتكم للقرآن وحفظه.

"كيف كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقرأون القرآن ويحفظونه؟"

نقل شيخ الإسلام رحمه الله تعالى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جُلَّ في أعيننا". وأقام ابن عمر على حفظ البقرة عدة سنين وقيل ثماني سنين. قال أبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله تعالى: "حدثنا الذين كانوا يقرؤننا القرآن عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود أنهم قالوا: كنا إذا تعلمنا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم نجاوزها حتى نتعلم ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا". [مجموع الفتاوى (4/70) (13/331(.

والله أسأل أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل وأن يردنا إلى صوابنا ورشدنا، والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات