أنتم شهداء الله في الأرض
من كان على استقامة وهدى فقد ظفر بثناء الناس والدعاء له
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد روى البخاري (1367) ومسلم (949) في صحيحيهما عن أنس رضي الله عنه قال: مروا بجنازة فاثنوا عليها خيرا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"وجبت"، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا، فقال: "وجبت"، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟، قال: "هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض". أقول: ما أعظم هذا الحديث وكيف لا يكون عظيما وقد نطق به من لا ينطق عن الهوى ـ إن هو إلا وحي يوحى ـ (النجم: 4) فمن كان على استقامة وهدى فقد ظفر بثناء الناس والدعاء له ويرجى له الجنة ومن كان على انحراف وضلال وإجرام ونفاق فهذا الذي لا يثنى عليه بالشهادة والجنة إلا من كان على شاكلته أو كان شريكا له في جرائمه.
هلاك الكفار المعتدين شفاء لصدور المؤمنين
قال تعالى في سورة التوبة: ـ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (4) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ـ (التوبة: 15)، قال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله تعالى في تفسيره: "قاتلوهم يعذبهم الله بايديكم ـ بالقتل، (ويخزهم) إذا نصركم الله عليهم وهم الأعداء الذين يطلب خزيهم ويحرص عليه (وينصركم عليهم) هذا وعد من الله وبشارة قد انجزها (ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم) فإن في قلوبهم من الحنق والغيظ عليهم ما يكون قتالهم وقتلهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم إذ يرون هؤلاء الأعداء المحاربين لله ولرسوله ساعين في إطفاء نور الله وزوالا للغيظ الذي في قلوبهم وهذا يدل على محبة الله لعباده المؤمنين واعتنائه باحوالهم حتى إنه جعل من جملة المقاصد الشرعية شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم... إلخ".
"قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر"
أخي القارئ الكريم حفظني الله وإياك من الفتن وأهلها اعلم أن الله تعالى أنزل سورة في كتابه أطلق عليها بعض العلماء سورة الفاضحة التي فضح الله فيها المنافقين وكشف سترهم وأظهر سرائرهم ألا وهي سورة التوبة واقرأ ايضا قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا (آل عمران: 120ـ118) قال ابن سعدي في تفسيره: ينهى الله عباده المؤمنين أن يتخذوا بطانة من المنافقين من أهل الكتاب وغيرهم يظهرونهم على سرائرهم أو يولونهم بعض الأعمال الإسلامية وذلك هم الأعداء الذين امتلأت قلوبهم من العداوة والبغضاء فظهرت على أفواههم (وما تخفي صدورهم أكبر) مما يسمع منهم فلهذا (لا يألونكم خبالا) أي لا يقصرون في حصول الضرر عليكم والمشقة وعمل الأسباب التي فيها ضرركم ومساعدة الأعداء عليكم. أ هـ
"هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ "
الواجب على المسلمين الحذر كل الحذر من المنافقين الذين يظهرون الخير ويبطنون الشر ولا بد من التفريق بين الصديق والعدو لا سيما البطانة ينبغي ألا يطلع على أسرارك لا سيما إذا كنت وليا للأمر ـ إلا من كان ذا استقامة في دينه وعقيدته صادقا بالقول محبا للمسلمين ومواليا لهم وبريئا من الشرك وأهله لذا حذر الله نبيه صلى الله عليه وسلم من المنافقين فقال: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (المنافقون: 4).
"ولتعرفنهم في لحن القول"
لقد جعل الله الألسن مغارف القلوب يظهر منها ما فيها، فمهما حاول أعداء المسلمين من إخفاء حقدهم وكيدهم للمسلمين إلا أن فلتان لسانهم يفضحهم، قال تعالى: ـ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ـ (محمد: 30ـ29)، وبهذا نعلم أن الله تعالى يظهر حقائق المنافقين بين الحين والآخر فمنهم من ظهر أمره ومنه من ستظهر حقيقته ولو بعد حين، فلا تثق بهم أبدا لا سيما من كانت التقية أهم مهمات الدين عنده!!
"جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم"
لقد أمر الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يجاهد الكفار والمنافقين وبغلظة شديدة وأمره أن يشرد بهم من خلفهم، قال تعالى: ـ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ـ (التحريم: 9)، وجهاد الكفار معلوم وأما جهاد المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويخدعون عامة المسلمين فجهادهم يكون بفضحهم وتفنيد شبههم والتحذير منهم وبيان مكائدهم وأعمالهم السيئة.
ضبط النفس وعدم الافتئات على ولي الأمر
إخواني المسلمين الواجب عند وقوع الفتن وظهور المنافقين أن نضبط أنفسنا ولا نبادر بإشعال نار الفتنة كما يفعل أعداء المسلمين قال تعالى: ـ (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ) (المائدة: 64) ولنعلم أن الحق في تأديب المعتدي إنما هو لولي الأمر الذي جعل الله تعالى أمر عقوبة المعتدي إليه والله سائله عن أمن العباد والبلاد وليس الأمر إلى أفراد الناس.
لا بد مع العفو إصلاح
لقد أمر الله تعالى بالعفو واشترط للعفو إصلاحا فمن لا يصلحه العفو فعدم العفو أولى قال تعالى: ـ (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) (الشورى: 40).
رُبَّ ضَارة نافعة
لله في خلقه شؤون وله الحكمة البالغة فقد تحدث بعض الفتن فيظن الناس أنها شر محض والحق أن الفتن تظهر كثيرا من الحقائق التي ما كانت لتظهر إلا بالفتن قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ" (النور: 11). فلعل الله تعالى يجعل ما تمر به الأمة من فتن خيرا للمسلمين فكم من مفتون بأهل الأهواء يظن بهم خيرا وهم شر من وطئ الحصى.
هذا وأسأل الله تعالى أن يجعل كيد أعداء المسلمين في نحورهم ويكفينا شرورهم. والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.