موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (٣)

21 جمادى الأولى 1429 |

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فما زلنا أيها القارئ الكريم مع شبهات المفتونين بمشروعية العمليات "الانتحارية" التي أطلقوا عليها زوراً وبهتاناً عمليات "استشهادية"، وقد ذكرت لك في المقال السابق شبهتين من شبههم ورددت عليهما ونكمل في هذا المقال فأقول وبالله أستعين وعليه أتوكل وإليه أنيب:

الشبهة الثالثة

ان في هذه العمليات تنكيل بالعدو مما يجبره في نهاية الأمر إلى الخروج من بلاد المسلمين كما حدث في بعض البلاد هنا وهناك.

والجواب: أن هذه العمليات الانتحارية قد نهانا الله عنها ورسوله كما ذكرت لك سابقاً بعض الأدلة في تحريم قتل الإنسان نفسه فلا يجوز أن نفعل ما نهى الله عنه ورسوله بحجة التجربة لعل العدو يخرج لو فعلنا ذلك. لاسيما يمكننا أن نخرج العدو بغير هذه الطريقة المحرمة وذلك بالرجوع إلى الله تعالى وإعداد العدة المتاحة ثم بالتوكل على الله تعالى وجهاد الكفار بقتالهم لا بقتل أنفسنا. وأما القول إن من خلال التجربة والواقع أن العدو يخرج من البلاد بالعمليات الانتحارية فأقول وأيضا بالتجربة والواقع العدو يخرج من البلاد بالجهاد المشروع والصبر والرجوع إلى الله تعالى، فلماذا نستبدل المحرم المحدث بالذي هو خير من المشروع المحبوب إلى الله تعالى؟!

الشبهة الرابعة

قالوا: إن المتسبب له حكم المباشر، وما ورد أن بعض المسلمين كان يخترق صفوف الكفار فيتسبب في قتل الكفار له فكأنه قتل نفسه.

فأقول: هذه شبهة عليلة بل ميتة لأن قاعدة المتسبب له حكم المباشر ذكرها الفقهاء في باب الجنايات أي لو أن شخصا ما تسبب بقتل رجل كأنْ حفر له حفرة متعمدا في طريقه أو دفع عليه شخصا آخر فقتله فإنه يقتل به، فالمتسبب بالقتل له حكم المباشر للقتل ولم يقل أحد قط إن من قتل نفسه حكمه حكم من جاهد في سبيل الله تعالى. لذلك قلنا تكرارا ومرارا إن مصدر التلقي عند أهل السنة والجماعة هو الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة، فإذا نظرنا في عمل سلف الأمة لم ولن نجد أنهم فهموا من نصوص الكتاب والسنة في الجهاد أن يقتل الإنسان نفسه، فتنبه لهذا.

الشبهة الخامسة

أن الشباب الذين قتلوا أنفسهم قد رأى الناس فيهم رؤى صالحة تدل على حسن خاتمتهم.

فأقول: سبحان الله هكذا يفعل من أفلس من الأدلة الشرعية والاستدلال الصحيح!! فمنذ متى صارت الرؤى مصدراً للتشريع وقد أكمل الله دينه وأتمم نعمته كما قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدةـ 3]، ولهؤلاء أذكر لهم قول شيخنا محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح رياض الصالحين (6/194) عند حديث "من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة" قال: "وهؤلاء يطلقون على أنفسهم الفدائيين، ولكنهم قتلوا أنفسهم فيعذبون في نار جهنم بما قتلوا به أنفسهم وليسوا بشهداء، لأنهم فعلوا فعلا محرما، والشهيد هو الذي يتقرب إلى الله بفعل ما أمره الله به، لا بفعل ما نهاه الله عنه والله عز وجل يقول (ولا تقتلوا أنفسكم....) ويقول (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، لكننا نقول هؤلاء الذين نسمع عنهم يفعلون ذلك، نرجو ألا يعذبون لأنهم جاهلون متأولون لكنهم ليس لهم أجر وليسوا بشهداء، لأنهم فعلوا ما لم يأذن به الله، بل ما نهى الله عنه".

الشبهة السادسة

قالوا: عندنا فتوى لبعض العلماء ذكروا فيها جواز قتل الإنسان نفسه في الجهاد في سبيل الله تعالى.

والجواب: أن ما ذكرتموه من الفتاوى على قسمين:

  • القسم الأول: فتاوى ذكرها بعض الدعاة الصحويين الذين يقال عنهم دعاة الصحوة أو الجماعات والأحزاب وهؤلاء لا يعتد بهم ولا بفتواهم بل أن الخلاف الحقيقي مع هؤلاء الذين ضيعوا الأمة وشبابها.
  • وأما القسم الثاني فقد توجد بعض الفتاوى لبعض العلماء إما غير صريحة أو قالوا شيئا من ذلك في بعض الأحوال ولهم أقوال أخرى أصرح وأكثر وضوحا يوافقون فيها السواد الأعظم من العلماء الذين قالوا بتحريم العمليات الانتحارية.

"بعض فتاوى العلماء في حكم العمليات الانتحارية"

فتاوى اللجنة الدائمة (22/253)

السؤال: إذا ظنت المرأة المسلمة أن الأعداء الكفار سيعتدون على عرضها، فهل يبيح الإسلام أن تقتل نفسها بأي طريقة صيانة لعرضها وإخفاء لأسرار المجاهدين؟

الجواب: لا يجوز لها أن تقتل نفسها ولو خافت أن يقع بها ما ذكر قهرا، وهي معذورة إن حصل ما خافت دون رضاها. وسئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله تعالى ـ: ما حكم من يلغم نفسه ليقتل مجموعة من اليهود؟ الجواب: الذي أرى قد نبهنا غير مرة أن هذا لا يصلح لأنه قاتل نفسه والله يقول (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساءـ 29] والنبي صلى الله عليه وسلم يقول "من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة" [رواه البخاري 6074]، يسعى في هدايتهم وإذا شرع الجهاد جاهد مع المسلمين، وإن قتل فالحمد لله، أما أنه يقتل نفسه يحط اللغم في نفسه حتى يقتل معهم هذا غلط لا يجوز، أو يطعن نفسه معهم لا يجوز، ولكن يجاهد حيث شرع الجهاد مع المسلمين، أما عمل أبناء فلسطين هذا غلط ما يصلح، إنما الواجب عليهم الدعوة إلى الله والتعليم والإرشاد والنصيحة من دون هذا العمل. تذكير العباد بفتاوى أهل العلم في الجهاد جمع وإعداد محمد الحصين ص 88.

هذا والله أسأل أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يهدي شباب المسلمين. والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات