إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فإن الله تعالى قد بعث رسوله صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل في زمن كان الناس فيه في ضلال مبين، يشركون بالله، ويجعلون له أنداداً، ويسفكون الدماء، ويئدون البنات، ويفعلون الفواحش، ويشربون الخمر، ويأكلون الربا، ويقطعون الأرحام، قد أطبق عليهم الجهل وهم أذلة، تَحُدُّهم قوتان- فارس والروم - وبينما هم في هذا الضلال المبين منَّ الله عز وجل عليهم، فبعث فيهم رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، فكان من أول ما أنزله الله عليه من القرآن وأمر به أن قال (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2)) [المدثر].
أخي القارئ الكريم، تأمل وتدبر هذا الأمر العظيم والمهمة الكبرى، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم مدثر في فراشه فزعاً لمّا سمع الوحي بغار حراء، فيأمره الله عز وجل فيقول (قم فأنذر) وماذا عساه أن يفعل صلى الله عليه وسلم أمام هذه الجبال من الظلمات؟! كما لو قيل لرجل ادفع هذا الجبل الكبير برأسك أو دُفِعَتْ إليه شمعة صغيرة فقيل له املأ هذه الصحراء المظلمة بنور هذه الشمعة! لقد استعان النبي صلى الله عليه وسلم بالله تبارك وتعالى فجاهد في سبيل الله حق جهاده صابرا محتسبا، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، فلم يعرف اليأس ولم يركن إلى الراحة حتى أظهره الله تعالى، لقد كان وحيدا كما وصفه الله عز وجل بقوله (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)) [الضحى].
أخي القارئ الكريم، أليس لنا في رسول الله أسوة حسنة ؟ كما قال الله تعالى ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)) [الأحزاب]. فنصبر كما صبر، ونبلغ كما بلغ، ونجاهد كما جاهد، مستعينين بالله، متوكلين عليه، لا نيأس ولا نقنط ولا يثنينا سوء حال المسلمين وضعفهم اليوم من أن نستمر بالدعوة إلى الله بخطوات ثابتة متمسكين بالكتاب والسنة، متفقهين في الدين لا يضرنا من عادانا ولا يخذلنا من خالفنا.
أخي القارئ العزيز، إن كثيرا من الدعاة اليوم ضل السبيل وانحرف عن الجادة، فظن أن المسلمين لا خير فيهم وأن قوى الشر قد أحاطت بهم وأنهم في ضلال ما بعده ضلال، فتراه يقول الكفار يرفعون ويخفضون، والمسلمون قلة أذلة، الشيطان عبث بالمسلمين وسيطر عليهم، وأهل الفساد قد نشروا فسادهم من المخدرات والمسكرات، واللصوص قد امتلأت بهم الشوارع، والزناة في كل بيت، ثم يبحث عن مخرج لهذه الأمة، فمنهم من يبادر فيكفر المسلمين، ومنهم من يسفك دماءهم، ومنهم من يستسلم للكفار، ومنهم من يطيع الشيطان، ومنهم من يخوض مع الخائضين.
والحق أخي القارئ الكريم أن حال المسلمين ليس أسوأ حالا من الجاهلية الأولى، فما زال في المسلمين من يعبد الله ولا يشرك به شيئا، وما زال المصلون يملؤون المساجد، وشعائر الإسلام ظاهرة، والإسلام باق، والأنصار كثيرون، بل كلما نظر المسلم إلى ما في المسلمين من خير قويت نفسه واشتد عزمه وعلت همته؛ لأن ينصر الإسلام والمسلمين. وإني لأدعو نفسي أولا ثم أدعو كل مسلم لنقوم بما أوجب الله علينا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا نصرة للدين وإعلاء للحق وإزهاقا للباطل، ولنتذكر قول الله تعالى (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)) [محمد].
والحمد لله أولا وأخرا، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.