قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ... ؟
الألباني دخل التاريخ من أوسع أبوابه!!
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن من المستحيل أن يتمكن الإنسان الضعيف أن يحجب بكفه ضوء الشمس في رابعة النهار وقد انتشر ضوؤها وأشرقت الأرض بضيائها. وهكذا الأمر إذا حاول بعض الحاقدين على العقيدة السلفية أن ينالوا من علماء الأمة أو يقللوا من شأنهم بعد أن انتشر بحمد الله نفعهم وعمَّ بفضل الله على الناس علمهم، فأنّى للأقزام أن يناطحوا الجبال!!
من ظلمات المخطوطات إلى نور المطبوعات
في منتصف القرن الماضي قيض الله تعالى للأمة عالما جهبذا شاء الله تعالى له أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه، بل تاريخ العلم الشرعي بصورة عامة وعلم الحديث بصورة خاصة، إنه الشيخ العلامة الإمام المحدث السلفي الأثري محمد ناصر الدين الألباني، رحمه الله تعالى وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا. فلقد سخر الشيخ الألباني رحمه الله تعالى جهده ووقته وعمره في خدمة السنة حتى استحق بحق أن يذكر اسمه مع أسماء كبار المحدثين من علماء الأمة السابقين المتقدمين فيسمع ويشاهد المسلمون في وسائل الإعلام أن الحديث الفلاني رواه فلان وقال الألباني صحيح رواه فلان وحسنه الألباني رواه فلان وقال الألباني ضعيف، وهكذا منذ قرون لم يقترن اسم احد مع العلماء السابقين كاقتران اسم الألباني رحمه الله تعالى. فالفضل أولا وآخرا بيد الله تعالى يؤتيه من يشاء من عباده قال تعالى: (( قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)) [آل عمران: 73-74].
أخي القارئ الكريم لقد حاول أحدهم أن يقلل من شأن الشيخ الألباني فقال: ...... ولكن الطامة الكبرى في اعتماد كثير من الدعاة على تصحيح الألباني وتضعيفه لبعض أحاديث الصحيحين وباقي كتب السنة، حتى صرنا نقرأ في هوامش كتيباتهم قال أبو داود صحيح وضعفه الألباني قال الترمذي ضعيف وصححه الألباني قال الذهبي متروك ووافقه الألباني ولا أعلم أين يغيب عقل من يعتقد ذلك ويطيب له أن يساوي بين العصفور والشواهين أو بين الممرض والجراحين انتهى الكلام الأثيم!!
فأقول: الله أكبر بالدفاع سأبتدى . . . وهو المعين على نجاح المقصد إن الشيخ الألباني رحمه الله تعالى غاص في أعماق المخطوطات وفتش في غاباتها وتسلق جبالها فاستخرج كنوزاً ووقف على سنن وآثار وتراجم وطرق وشواهد فاستطاع أن يصحح ويضعف فيا ليت شعري لم يكن عنده كمبيوتر بمجرد أن يضغط على «زر» تظهر له آلاف الأحاديث بل وقف عليها بنفسه وما برامج الكمبيوتر إلا عالة على الشيخ الألباني وأمثاله من العلماء الذين جهزوا المادة الخام وجاء من بعدهم فبرمجها في الكمبيوتر، فاعرف لأهل الفضل فضلهم إن كنت جاهلاً أو طهر قلبك إن كنت حاقداً .
وهذا بيان برهان ما أقول:
قوله عن الجهد العظيم الذي قدمه الشيخ الألباني للأمة أنه الطامة الكبرى!!
اعترف بأن كثيراً من الدعاة اعتمدوا تصحيح وتضعيف الألباني فحسبه بهذا فخراً، فكيف والحقيقة أنك لا تكاد تجد عالماً ولا طالب علم ولا مثقفاً ولا غيرهم إلا ويستفيد من كتب الشيخ الألباني. بل حتى خصومه ومخالفوه يستفيدون من كتبه، وكثيرا ما تجد بعضهم إذا ظفر بملاحظة على الشيخ الألباني سارع ونشرها وفرح باستدراكه عليه مما يدل على أنهم يقرؤون ويتابعون كتبه ومؤلفاته رحمه الله تعالى.
ومن جهله أن قال: "حتى صرنا نقرأ في هوامش كتيباتهم..."، لقد حاول التقليل من شأن الشيخ الألباني وكأن تصحيحاته وتضعيفاته لا توجد إلا في هوامش الكتيبات وهذا خلاف الحقيقة، فحسبك أن ترى اسم الألباني في الفضائيات القنوات التي تسرد أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، بينما والذي لا إله إلا هو ما رأينا ولا سمعنا قط أن أحدا قال صححه "هيتو" أو ضعفه "البوطي"!!؟
حاول أن يوهم الناس أن الشيخ الألباني يضعف أحاديث الصحيحين، وهذا افتراء بل الشيخ الألباني من أكثر الناس تعظيما وإجلالا للصحيحين وقد قام بخدمة هذين الكتابين، وجهوده معلومة ومشهورة، وغاية ما ذكره الشيخ الألباني ومتابعا لغيره من العلماء بعض الملاحظات أخذت على قليل جدا جدا من حروف يسيرة في بعض أحاديث الصحيحين، لذا قال بعض اهل العلم أبى الله أن يتم إلا كتابه. وليس صنيع الشيخ الألباني هذا من جنس الطعن أو الجرأة أو الانتقاص للصحيحين كما قد يصوره هذا الحاقد .
أما قوله "قال أبو داود صحيح وضعفه الألباني" فمن أين لك هذا؟ لعل هذا من بنات أفكارك .
أنه جاهل!! ومثل هذا يسمى الجهل المركب فأي شيء في تضعيف الترمذي للحديث ومن ثم تصحيح الألباني له؟! أما علمت أن الحديث الضعيف ممكن أن يتقوى بالشواهد والمتابعات؟! بل أكاد أجزم أنك لا تعرف ما معنى الشواهد والمتابعات او على الأقل انك لاتعرف الفرق بين الشواهد والمتابعات.
وأما قوله قال "الذهبي" متروك ووافقه الألباني!! فهذا من العجائب فماذا يؤخذ على الألباني في موافقته للعلماء؟! فالألباني رحمه الله إذا خالف حملتم عليه وإذا وافق حملتم عليه "قل موتوا بغيظكم".
ثم أقول: مشايخك الذي علموك الأشعرية وخدعوك بها هم الذين يضعفون حديث «الجارية» في صحيح مسلم فأنت وإياهم كما قيل (( رمتني بدائها وانسلت ))!!
وأما قولك: «ولا أعلم أين يغيب عقل من يعتقد ذلك ويطيب له أن يساوي بين العصفور والشواهين أو بين الممرض والجراحين" فأقول: الألباني العلامة المحدث عندك عصفور ياخفاش ؟ لماذا تعتقد الأشعرية وتخفي اعتقادك؟ ولا تظهرها إلا على استحياء؟ لماذا لا تعلنها أنك انتقلت إلى التصوف؟ يا مسكين إذا ذكرت الألباني في مقالك قلت "رحمه الله" ثم تنتقصه بأشد العبارات فهل تخادع الله عز وجل أو تخادع الذين آمنوا؟ اتق الله واعرف للعلماء قدرهم.
أخي القارئ ثم يتابع ذلك فيقول: "قبل عشرين سنة تقريبا كنت أناقش أحد كبار الدعاة ممن يتحمس للشيخ الألباني رحمه الله كيف يصح أن تساووا بين الألباني والبخاري ومسلم؟!" انتهى كلامه.
فأقول: والله هذا افتراء واضح!! وإليك بيان ذلك:
هذا الرجل معروف لا يواجه بالنقاش ولا قدرة له على المناظرة بل يتكلم من بعيد وهنا يقول قبل عشرين سنة تقريبا كنت اناقش....
إذا كان صادقا فليذكر لنا اسم ذلك الرجل الذي ناقشه والذي على حد تعبيره هو "أحد كبار الدعاة".
فليذكر لنا واحدا من السلفيين نص على ان الألباني يتساوى مع البخاري ومسلم وأنّى له هذا!!
وهل يلزم إذا تدارك أو استدرك أحدٌ على أحدٍ شيئا "ما" أن يكون مساوياً له؟!
لقد استدرك بعض صغار الصحابة على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولم يقل أحد لقد ساويت بين أبي سعيد الخدري وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، (فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ).
مناسبة هذا الهجوم السافر
أغاظه جدا أن أحد أفراد لجنة التحكيم في برنامج شاعر المليون وهو يتابعه استدرك على أحد الشعراء لما قال:
قريت مرة في شرح الصحيحين حديث عقبة ما تعكر مزاجي
قال النبي لا يغلب العسر يسرين يعني لهمك لو يطول انفراجي
يقول على حسب ما ينقل بنفسه أن أحد المحكمين واسمه سلطان العميمي حديث «لن يغلب عسر يسرين» ضعيف، فرد عليه الأخ الشاعر هذا حديث جيد الإسناد في الصحيحين فرد المحكم الحديث ضعفه الألباني.
ثم عقب قائلا: (( إن ما ذكره الأخ الفاضل يوحي للمشاهد بالجرأة على الصحيحين ويجعل الألباني رحمه الله على قدم واحدة مع البخاري ومسلم وأرباب الصنعة... إلخ الاثيم )).
فأقول : سبحان الله ظاهر جدا أن الكاتب متحامل على الشيخ الألباني رحمه الله تعالى!! فالشاعر يقول قريت مرة في شروح الصحيحين ولم يقل في الصحيحين فلما قال له المعلق الحديث ضعيف زعم أن الحديث جيد الإسناد في الصحيحين فرد عليه المعلق أن الحديث ليس كما قلت بل ضعفه الألباني.
أقول هنا: ثارت ثائرته فحمل على الشيخ الألباني الذي لا علاقة له بما جرى بين الشاعر والمعلق.
لكن لعل غاظه أكثر ما غاظه كون المعلق وإن لم يكن مختصا بالحديث إلا أنه يعرف مكانة الألباني عند الأمة فاستدل بتضعيفه للحديث!! والحديث ضعيف فقد أخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وأخرجه ابن جرير في تفسيره كذلك، ونقله عنه ابن كثير في تفسيره، وقال: قال سعيد عن قتادة: ذُكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم .... الحديث، لكن المحكم لما علق على الشاعر اكتفى عن ذلك بقوله ضعفه الألباني وهو كذلك فقد أورده في ضعيف الجامع برقم (4787)، ولا أقول إلا: (موتوا بغيظكم) لقد دخل الشيخ الألباني رحمه الله تعالى التاريخ من أوسع أبوابه.
وأخيرا أقول: حَسْبُك يا متعالم طعنا ولمزاً بأهل السنة وعلمائها وإني أدعوك إلى التوبة النصوح كما دعوتك من قبل لما رأيتك وجها لوجه فالرجوع عن الباطل خير لك من التمادي فيه. والله اسأل أن يوفقني وجميع المسلمين إلى التوبة النصوح والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.