موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

و أصبح القصَّاص مُنظِّراً

15 محرم 1430 |

الحمد لله وحده، وصلى الله على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:


ففي هذه الأيام (1) التي يتجدد فيها اعتداء اليهود الصهاينة على المسلمين بسفك دمائهم وتشريدهم من أرضهم الواجب أن نُرجع الأمر إلى أولي الأمر الذين ولاَّهم الله أمر رعيتهم وهم مسؤولون عن رعيتهم أمام الله تعالى يوم القيامة، فهذا أمر جلل وخطب عظيم ومصيبة ألمت بالأمة لا يجوز أن يقرر فيها عامة الناس وأفرادهم الذين ليس لهم من الأمر شيء، قال تعالى (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلا) [النساء: 83[
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: ((هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة ما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم ان يتثبتوا ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة الذين يعرفون المصالح وضدها فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطاً للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزاً من أعدائهم فعلوا ذلك وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته لم يذيعوه ولهذا قال: (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولى من هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله ولا يتقدم بين أيديهم فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه هل هو مصلحة فيُقْدِم عليه الإنسان أم لا، فيحجم عنه« أ. هـ


أقول: يا ليت يقرأ القصاصون هذه الآية وتفسيرها ويستفيدوا من كلام أهل العلم ويستقيموا كما أمرهم الله ورسوله. نعم أقول هذا لذلك القصّاص نبيل العوضي هداه الله تعالي لرشده الذي اشتهر بذكر القصة تلو القصة وإلا به يتحول إلى منظرٍ كبيرٍ - كما يرى نفسه - فلقد كتب مقالاً دعا فيه الأمة إلى الجهاد ضد الحكومات والحكام تشنّج فيه كثيراً وتعدى فيه أكثر، فأخذ يدعو الناس إلى محاسبة الحكومات وقطع العلاقات وفتح باب الجهاد وحكم بالخيانة والعمالة على من لا يوافق رأيه، فتراه يستعمل كثيراً كلمة ((الواجب)) فيقول: (تجب محاسبة حكوماتنا)، (يجب على شعبها أن يلزم حكومته)، (يجب الوقوف مع الشعب الفلسطيني بقيادة الرئيس الفلسطيني الشرعي هنية)، (يجب على الشعوب إلزام حكوماتها)، (يجب شرعاً فتح حدود رفح)، (يجب إسكاتهم وبيان خطرهم وإنزال الحكم الشرعي فيهم وفضح مؤمراتهم)، إلى أن قال (يجب على علماء المسلمين.. إلى قوله: وأن يكونوا واضحين غير مداهنين) (2) إلى غير ذلك مما حمله مقاله من التهييج والتشنج والتحريض على المصادمات والخروج والفوضى والجرأة على العلماء وغير ذلك مما لا يزيد المسلمين إلا إرهاقاً وضعفاً وفساداً فإذا كان المسلمون اليوم تُسفك دماؤهم في غزة على أيدي اليهود المعتدين فهذا القصّاص يدعو إلى زيادة سفك الدماء واتساع رقعة المأساة بدعوته الآثمة، إذ من المستحيل سيبقى الحكام مكتوفي الأيدي فيما لو حاول أحد أن يحاسبهم أو يصفهم بالعمالة والخيانة أو يجبرهم ويوجب عليهم سياسة خاصة، ومن ثمَّ سيحصل الالتحام والتصادم بين الحكومات والشعوب وهذا ما يريده أعداء الإسلام ليتمكنوا من السيطرة التامة على المسلمين، فمتى يعرف هذا القصّاص قدره ومنزلته فيتقي الله ولا يلقي كلامه هكذا جزافاً، فهو يُفسد من حيث يشعر أو لا يشعر، وليعط السيف باريها ويدع الأمر لأولي الأمر من الولاة والعلماء ليتصرفوا بما هو مناسب وبقدر إمكاناتهم فهم أعلم بأحوالهم وقدراتهم وقدرة عدوهم.

(وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا)



بينما أكتب وأقرر وأحاضر وأبين الحكم الشرعي في مثل هذه الفتن وكيف للمسلمين أن يتعاملوا مع عدوهم فكتبت في المقال السابق بعنوان: (الصبر، الهجرة، القتال، الهدنة، الجزية) أقول: لم يعجب بعض الناس ما كتبته فأخذ ينشر عني كلاماً علم الله تعالى أنني لم أتكلم به فأرسل رسالة هاتفية وتناقلها كثير من الناس وجاءني منها عدة رسائل من عدة أشخاص يقول فيها صاحبها: ((آخر فلتات أعداء الإسلام (اسأل الله أن يرينا هزيمة حماس في هذه المعركة) سالم الطويل بمحاضرة أمس بمنطقة بهدية، ألم نقل أنهم مشروع هدم للإسلام!)) انتهى كلامه الأثيم (3). فأقول: الله المستعان على ما تصفون وهل أنا يهودي حتى ادعو بهذا الدعاء؟! ألا تتقون الله جل وعلا؟ ثم كيف تصفني وأنا مسلم أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بأني عدو للإسلام، وأحمل مشروعاً لهدم الإسلام؟! (4) 
سبحان الله قليل من التقوى تمنعك من التلفظ بهذه الافتراءات.
 لا أقول إلا: إنا لله وانا اليه راجعون صبر جميل والله المستعان على ما تصفون، أسأل الله ان يهدي ضال المسلمين وأن يحقن دماء الأبرياء المستضعفين ويرد كيد اليهود المعتدين اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وحملة عرشك وسائر عبادك أنني بريء من هذا القول الذي افتراه عليّ أولئك المفترون وأسألك يا رب أن تهديهم وتغفر لي ولوالدي ولهم ولوالديهم وللمسلمين.


والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1) كتبت هذا في الشهر الاول من عام 2009 لما اعتدى اليهود الصهاينة علي غزة.
(2) مقال لنبيل العوضي بعنوان عام الجهاد في سبيل الله بتاريخ 30/12/2008 نشر في جريدة الوطن الكويتيه.
(3) ثم عرفت القائل ويدعى (عبدالله) وهو من طلاب الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق وبعد المواجهة العلنية اعتذر لي عن ماوصفني به. غفر الله له ولوالديه.
(4) بل وصفني آخرون بأنى قدياني نسبة إلى الطائفة الكافرة الضالة القديانية!! وهذا تكفير صريح ثم يقولون لسنا تكفيريين. على كل حال الموعد عند الله تعالى نلتقي وإياهم.

المقالات