مهلاً يا صاحب الضلالة { فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ } ؟
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فلقد شاء الله تعالى أن يتصارع الحق والباطل، وأهل الحق وأهل الباطل ويستمر النزاع والخلاف فيبتلي الله بعضهم ببعض كما قال تعالى { لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ } [محمد: 4]، وهكذا مازال الله تعالى يبتلي أهل السنة بأهل البدعة، ويبتلي أهل البدعة بأهل السنة، ومنذ أرسل الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم واجتمع الصحابة عليه لقبوا بلقب “أهل السنة والجماعة”، فهم أهل السنة لمتابعتهم وتمسكهم بالسنة ولقبوا بالجماعة لاجتماعهم على السنة والتمسك بها وخالفهم أهل البدعة والفرقة وسموا بأهل الأهواء الذين خالفوا السنة وتفرقوا شيعاً وأحزاباً وفرقاً.
من علامات أهل السنة
يعتقد أهل السنة الاعتقاد الصحيح الذي دلّ عليه الكتاب والسنة ولا مجال للريب والشك في عقيدتهم ويعتقدون أنهم على الحق وأن أهل البدعة على باطل، ولا يداهنون أحداً في معتقدهم، فلا تجد سنياً ولن تجد أبداً عالماً من علماء أهل السنة يقول لا فرق بين السني والبدعي، لأن لازم هذا القول ألا يكون هناك فرق بين الحق والباطل والله تعالى يقول: { فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ } [يونس: 32]، فإذا كان أهل السنة والجماعة هم على الحق- وهذا المتعين- فأهل البدعة على ضلال ولا شك.
ولو لم تكن هذه هي الحقيقة لما اختلفوا في معتقدهم لذا أقول ان السني دائماً وأبداً يقول: نحن على الحق متمسكون بعقيدة الكتاب والسنة وغيرنا حتماً على باطل واستمع إلى قوله تعالى: { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } [سبأ: 24]، فكما أن المسلم يعتقد عقيدة جازمة أن الإسلام هو الدين الحق وما خالفه فهو باطل وضلال ولا يشك في ذلك ولا يجوز له بحال ان يشك بدينه واعتقاده لقوله تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا } [الحجرات: 15]، ولقوله تعالى: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [آل عمران: 85]، فلا يمكن لمسلم بحال أن يقول نحن المسلمين على حق، وغيرنا يحتمل أنهم على حق!! بل يقول نحن على الحق وحدنا وغيرنا على باطل. ولما كان مذهب أهل السنة والجماعة هو مذهب القرآن والحديث وما كان عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين جاز بل وجب على كل سني أن يقول مذهب أهل السنة هو الحق وما سواه باطل وضلال.
صاحب الضلالة لا يدري!!
أحد دعاة الضلالة يظهر على وسائل الإعلام بين الحين والآخر يحاول ترويج مذهبه البدعي بأسلوب ماكر لكن أنّى له هذا وأهل السنة له بالمرصاد، يستخرجون ضلالاته بالمنقاش ويقطعون عليه السبيل حتى لا يبث سمومه بين أهل السنة. فلقد كتب مقالاً وأجُرِيْت له مقابلة في إحدى القنوات فجاء بالعجائب من الضلالات ما الله به عليم. يقول: “أهم أسباب تفرقها- يقصد الأمة- هو خلاف الفرقاء نتيجة اختلافهم على ما لا يعتبر الاختلاف عليه أو خلاف معتبر يتشبث كلٌ فيه برأيه ولا يريد النظر إلى ما تقتضيه المصلحة أو ما يتحقق من نتيجة مفسدة ولا يبرأ من ذلك فريق دون فريق، فالكل يرى نفسه مصيباً ويرى صاحبه مخطئاً والكل يرى أن نزوله عن رأيه إلى رأي الآخر استسلام وتخاذل ونزول من الحق إلى الباطل” انتهى كلامه.
فتأمل أخي القارئ الكريم هذه الأسطر وما اشتملت عليه من التدليس والايهام، فهو يتظاهر بأنه يتألم لحال الأمة بسبب تفرقها والحال أنه وأمثاله هم أكبر أسباب الفرقة فلو اعتقدوا اعتقاد أهل السنة وصار الجميع على عقيدة واحدة لانتهى الخلاف، وتجنبنا الاختلاف، لكن إذا كلٌ قال بهواه واعتقد ما يشاء فحتماً سيستمر الضعف والتفرق. ثم تجده يقول: “يتشبث كل فيه برأيه ولا يريد النظر إلى ما تقتضيه المصلحة أو ما يتحقق من نتيجة مفسدة”
فأقول: لماذا أنت تتشبث بعقيدتك البدعية ولا ترجع إلى عقيدة أهل السنة والجماعة طلباً للمصلحة وتجنباً للمفسدة؟!
ثم يقول: “فالكل يرى نفسه مصيباً ويرى صاحبه مخطئاً”،
وأقول: اللهم نعم، فالسني يرى نفسه مصيباً بل يعتقد اعتقاداً لا ريب فيه أنه على حق ويرى من خالفه في معتقده على باطل وضلال وليس كما يقول يرى صاحبه مخطئاً فحسب.
ثم يقول: “والكل يرى أن نزوله عن رأيه إلى رأي الآخر استسلام وتخاذل ونزول من الحق إلى الباطل”.
وأقول: هذا اعتقاد دلّ عليه الكتاب والسنة وليس رأي رأيناه كما توهم الناس بكلامك، نعم عقيدتنا حق ولن نستسلم لأهل البدع ولن نتخاذل عن الدفاع عن عقيدتنا نعتقد أننا لو فعلنا غير ذلك، قد نزلنا من الحق إلى الباطل.
ويقول في مقاله الذي أشرت إليه: “لا أدري لماذا لا يحتفظ فرقاؤنا كل برأيه ويحترم رأي الآخر أو يتنازل عن رأيه للآخر؟”.
وأقول: لا يدري هذا المسكين لماذا؟ سأقول له ولمن اغتر بكلامه لماذا؟ لأن الأمر أمر اعتقاد وليس رأياً رأيناه فلا مجال للمجاملة والمداهنة فإما حق أو باطل، ولا مجال لاحترام عقيدة أهل الأهواء التي تخالف عقيدة الكتاب والسنة ولا مجال للتنازل عن عقيدتنا لعقيدة كلامية فلسفية كعقيدة المعتزلة والأشاعرة وغيرهما
وأقول له أيضاً: إذا كنت في شك من عقيدتك الهشة والمرتاب فيها فانصحك أن تتنازل عنها وتعتقد عقيدة أهل السنة والجماعة التي مبناها على الكتاب والسنة فهذا خير لك وأقوم.
المثال الذي ضربه
يقول ذلك الأشعري في مقاله “النزول إلى الحق”: “ما المحظور وما المفسدة المترتبة على القول إن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا “نزولا” يليق بجلاله وبالمقابل كذلك ما المحظور وما المفسدة المترتبة على القول إن رحمته هي التي تنزل، ما دام النص يحتمل التأويل الصحيح وكلا القولين قال به أئمة كبار؟؟!!، وما المفسدة بوجوب إبطال أحد القولين؟؟” انتهى كلامه.
أخي القارئ الكريم قبل الرد والتعليق على كلامه أريد أن اذكر لك بعض ألفاظ حديث النزول الذي أشار إليه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: من يدعوني فاستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له” [رواه البخاري (7494) ومسلم (758)]. وروى مسلم (758) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول: أنا الملك أنا الملك، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر” وللحديث ألفاظ وروايات أخرى.
أقول: قول ذلك الأشعري “ما المحظور وما المفسدة المترتبة على القول إن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا “نزولا” يليق بجلاله” فالجواب: لا محظور ولا مفسدة بل هذا هو الحق تصديقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. وإلى ذلك ندعوك يا أشعري أن تعتقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول بكل صراحة ووضوح الله ينزل إلى السماء الدنيا.
وأما قوله “وما المفسدة المترتبة على القول إن رحمته هي التي تنزل ما دام النص يحتمل التأويل الصحيح وكلا القولين قال به أئمة كبار؟؟!! وما المفسدة المترتبة لاعتبار القولين أو المصلحة المتحققة بوجوب إبطال أحد القولين؟؟”.
فأقول وبالله استعين ولا حول ولا قوة إلا بالله: أيها المفتون بعقيدة الأشاعرة: إن كنت تدري فتلك مصيبة . . . . . وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم
فالقول بأن رحمة الله هي التي تنزل فيه مفاسد وليس مفسدة واحدة أو مفسدتان وإليك بعضها:
يلزم من قولك إبطال قول النبي صلى الله عليه وسلم “ينزل الله” وقوله “ينزل ربنا”.
ويلزم من قولك أن سلف الأمة من الصحابة والتابعين كانوا على خطأ لما اعتقدوا أن الله هو الذي ينزل.
يلزم من قولك تنزل رحمته أن رحمة الله تعالى التي لا يستغني عنها أحد من خلقه طرفة عين لا تنزل إلا في ثلث الليل الآخر.
وهل يصح أن تنزل رحمة الله وتقول: “أنا الملك، أنا الملك”؟.
وكيف تقول رحمة الله: من يسألني فأعطيه من يستغفرني فاغفر له هل من تائب فأتوب عليه.
“إن الذين حرفوا ذلك- أي حديث النزول- وقالوا “ينزل أمره” حرموا- والعياذ بالله- من طعم معنى هذا الحديث وشعور الإنسان بقرب الرب عز وجل منه” قاله شيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى في شرح بلوغ المرام (4/202).
أن هذا تحريف للحديث وليس تأويلا صحيحاً كما زعم.
النص لا يحتمل التأويل “أبداً” بل السياق دال على أن الله الرب تبارك وتعالى هو الذي ينزل ويقول أنا الملك من يسألني من يدعوني، من يستغفرني، هل من تائب؟
في هذا التحريف طعن برسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يبين للأمة أن الذي ينزل رحمة الله وليس الله تعالى بذاته.
زور وبهتان
زعم الأشعري أن كلا القولين قال به أئمة كبار فأقول: أين الأئمة الكبار الذين قالوا بالقول الثاني؟ اتحداك ولك سنة من الآن أن تثبت بالنقل الصحيح الصريح عن إمام كبير من القرون الثلاثة الأولى من عمر هذه الأمة حرَّف هذا الحديث، وقال “تنزل رحمته”، أو “ينزل أمره”، أو “ينزل ملك من ملائكته”، وأنّى لك هذا، فدونك الكتب والمكتبات والكمبيوتر والفهارس أقسم بالله العظيم لن تجد حرفاً واحداً من سلف الأمة في هذا التحريف، نعم قد تجد من قال بهذا القول في المتأخرين من القرون ما بين الرابع إلى الرابع عشر، أما عن سلف الأمة فلا يمكن أن تجد هذه التحريفات للأسماء والصفات.
الخلفاء الراشدون الأربعة
أخي القارئ وفقني الله تعالى وإياك لقد جمعني الله تعالى بذلك الأشعري ذات يوم في المسجد الحرام بجوار الكعبة وليس بيننا وبين الكعبة إلا أمتاراً ودار بيني وبينه نقاش حول مسألة علو الله تعالى وكونه جل وعلا في السماء فلما عرضت عليه الأدلة قال: العلماء قالوا بخلاف هذا فهل أنت أعلم منهم؟ فقلت: وماذا قال الله تعالى وماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وماذا قال الصحابة والتابعون؟
فقال: أنت أعلم من ابن حجر؟
فقلت له: أبو بكر
فقال: ابن عساكر
قلت له: عمر
قال: البيهقي
قلت له: عثمان
قال: النووي
قلت له: علي
فانقطع بحمد الله تعالى.
أخي القارئ لم انته من الرد على ذلك الأشعري فهو ينكر أن لله يدين اثنتين مبسوطتين فإن كان في العمر بقية فسأوافيك بالرد عليه بإذن الله تعالى ولا حول ولا قوة إلا بالله والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.