و جاء خطر التبديع (٤)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وأزواجه وصحبه أما بعد:
فلقد كتبت في المقالات الثلاث السابقة عن بعض الإخوة الذين تحزبوا بحزب جديد لا يختلف كثيرا في حزبيته عن الأحزاب القائمة وقد يفوقها بالسوء من وجه ويفوقها بالحسن من وجه آخر! ولقد استقبلت رسائل واتصالات كثيرة من داخل البلاد ومن خارجها كلها تؤكد أهمية الاستمرار في الرد على هؤلاء الذين يحذرون الناس من دروس التوحيد والعقيدة والتفسير والحديث والفقه بحجج واهية وتأصيلات فاسدة، ذكرت لكم اخواني القراء بعض أخطائهم وفي مقالي هذا سأذكر بعضا منها بحسب ما يسع المقام ولن استوفيها كلها فهي عندي في المسودة قد تجاوزت الخمسين نقطة!
فأقول من أصولهم الفاسدة: (تأثرهم بمنهج سيد قطب)
اخي القارئ الكريم هذه حقيقة صدق أو لا تصدق بأن المتسرعين بالتبديع قد تأثروا بسيد قطب المتسرع بالتكفير من حيث يشعرون أو لا يشعرون، ومن حيث يعلمون أو لا يعلمون، فوالله الذي لا إله إلا هو ما قرأت ولا سمعت قط من عالم من علمائنا لا المتقدمين ولا المتأخرين ولا المعاصرين يستعمل اصطلاح (التمييع والمميع) وإنما يستعملون الألفاظ الشرعية والمتداولة في كتب أهل العلم، مثل: مؤمن، مسلم، كافر، مشرك، منافق، مبتدع، ظالم، فاسق، عاص، أما اصطلاح (التمييع والمميع) فهذا ما يقوله سيد قطب وهؤلاء الإخوة المتسرعون في التبديع!!
قال سيد قطب في كتابه الظلال: وهذا ما ينبغي أن يعيه الواعون اليوم وغدا فلا ينساقوا وراء حركات التمييع الخادعة أو المخدوعة. (الظلال تفسير سورة المائدة الآية 86)، وقال أيضا : وليست هي القيم والأخلاق التي تنمي فيه الجوانب المشتركة بينه وبين الحيوان وحين توضع المسألة هذا الوضع يبرز فيها خط فاصل وحاسم وثابت لا يقبل عملية التمييع المستمرة التي يحاول التطوريون. (الظلال تفسير سورة الأعراف الآية 2)، وقال أيضا: إن طبيعة هذا الدين واضحة لا تحتمل التلبيس صلبة لا تقبل التمييع والذين يلحدون في هذا الدين يجدون مشقة في تحويله عن طبيعته هذه الواضحة الصلبة وهم من أجل ذلك يوجهون إليه جهودا لا تكل وحملات لا تنقطع ويستخدمون في تحريفه عن وجهته وفي تمييع طبيعته كل الوسائل وكل الأجهزة وكل التجارب. (الظلال تفسيره سورة الأعراف 172) انتهى كلامه.
اخي القارئ وفقك الله لهداه أرأيت الروح التي يكتب ويقرر فيها سيد قطب والتي يدعي فيها أن الناس إما مسلمون أو كفار هكذا يتكلم بعض المتسرعين في التبديع إذ جعلوا الناس إما سني أو بدعي، وإليك قول بعضهم في رسالة خاصة أرسلها لي يقول: إن السنة لا شك في كونها حقا والبدعة لا ريب في كونها باطلا فهل هناك قسم ثالث بين الحق والباطل بين لي بارك الله فيك؟ وقد قال الإمام ابن حزم : فقد قطع الله تعالى أنه ليس إلا حق أو باطل وليس إلا علم أو جهل (الفصل في الملل والنحل 5/ 33). وقال أيضا : إنما هو حق أو باطل ولا سبيل إلى ثالث (المحلى 9/ 456) ثم إن الرجل إما أن يكون سنيا من أهل السنة سواء كان عالما أو طالب علم أو عاميا وإما أن يكون بدعيا من أهل البدع سواء كان رافضيا أو جهميا أو إخوانيا أو تبليغيا فهل من قسم ثالث؟ والعبادة إما تكون سنة سواء كانت واجبة أو مستحبة وإما أن تكون بدعة سواء كانت مكفرة أو مفسقة فهل عندك من قسم ثالث) انتهى كلامه بحروفه. قلت : وابن حزم الذي لقبته بالإمام واستدللت بكلامه وهو المعطل لصفات الله تعالى هل هو سني أو بدعي؟ فإن قلت هو سني إذن يمكن أن يكون الرجل سنياً ولو كان عنده بدعة أو بعض البدع وإن قلت بل هو مبتدع فسأقول لك إذن كيف تقول عنه امام وتستدل بقوله دون أن تبين حاله مع أن عندنا من العلماء ما نستغني بهم عنه. وأنت ومن علمك أو وافقك طالما قلت لا تسمع لأشرطة فلان حتى انكر أحدهم على من قال بجواز الاستماع إلى اشرطة الشيخ عبدالله بن جبرين رحمه الله تعالى ! اقول أرأيت يا أخي الى أي درجة هذا الطرح ضعيف غير متأصل حتى إن أحدهم لا يكاد يواجه الرجال وجها لوجه وإنما يقذفون الناس من بعيد ويحسبون أنفسهم خلاصة الناس واهداهم على السنة. أقول اخي القارئ وفقك الله إلى كل خير قارن بين كلام سيد قطب وبين كلام صاحب الرسالة لتدرك وجه الشبه بينهما !
منها فررنا لا نقبل بقيادة العوام ولو كانوا تجاراً
قبل عشرين عاماً أي في عام 1410 ونحن الآن في 1430 كنت في مكة فرأيت رجلاً هيئته هيئة رجل علم وظاهره الاستقامة عرفته بزيه ومشيته ويحمل بيده حقيبة فوقفت له بسيارتي وعرضت عليه الركوب معي فتفضل علي واكرمني بتوصيله وجرى بيني وبينه حوار اذكر لك بعضا منه:
الشيخ : بارك الله فيك بارك الله فيك من أي بلد أنت؟ قلت : من الكويت، وأنت؟ الشيخ: أنا من الهند من النيبال، ما اسمك؟ قلت : سالم بن سعد الطويل وأنت يا شيخ ما عرفت اسمك؟ الشيخ: أنا اسمي عبدالحميد الرحماني رئيس مركز ابو الكلام في الهند، قلت : ما شاء الله أين درست؟ الشيخ : أنا تخرجت من الجامعة الإسلامية منذ سنوات طويلة وأنا الدفعات الأولى واعرف المشايخ فلان وفلان وفلان. ثم سألني أنت في الكويت من جمعية (....) أو جمعية (....)؟! قلت : أنا مسلم اشهد أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله لا انتسب إلى أي جمعية اعمل مدرساً وقد تخرجت من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالقصيم ودرست على شيخنا محمد الصالح العثيمين. الشيخ : هذا جيد. انظر يا أخي كل الدعوات والجمعيات والمراكز في العالم يديرها العلماء وطلبة العلم إلا عندكم في الكويت الدعوة يديرها التجار من أسرة (....) ! وقد قلت لفلان رئيس احدى الجمعيتين : هذه الأموال التي بأيديكم هي صدقات المسلمين لفقراء المسلمين ليس لكم الحق في التحكم بالدعوة.
انتهى الشاهد من الحوار اقول : هذه الجمعيات والتي دخل فيها اقوام وخرج منها آخرون بل قد دخل فيها كثيرون وخرج منها الأكثر وجربها من جربها وتفرع منها من تفرع وتغلغوا بالسياسة وتحزبوا احزابا لما كثرت اعدادهم وكبرت انشطتهم زادت اخطاؤهم وكثر نقادهم فتارة ينتصحون وتارة على اخطائهم يصرون واحوالهم معروفة واخطاؤهم مشهورة لكن في المقابل افرزت هذه الأحوال بعض الإخوة ممن تصدى لهم وانتقدهم وكان من أولئك بعض الناس الذين يتنافسون معهم ويشابهونهم من ثلاثة وجوه :الأول : قلة العلم، الثاني: التجارة، الثالث: الانتخابات، فكان أحدهم ينتقد الجمعيتين بشدة ويركز على مسألة الأموال وما أدراك ما الأموال وكان يخمن ويضرب الأخماس بالأسداس فيقول هؤلاء عندهم اموال كذا وكذا وبأيديهم صدقات المسلمين ويجمعون بالاستقطاعات والحصالات أموالا كثيرة ووالله ما سمعته قط يقول إنهم مبتدعة وإنما كان ينتقدهم على الحزبية تارة وينافسهم بالانتخابات تارة اخرى فهو ضدهم بالانتخابات تماما فيقف مع بعض اقربائه. حتى ذات يوم (والله يشهد على ما اقول وكفى بالله شهيدا) هذا الأخ دعاني أنا وبعض الإخوة الى جلسة واشار علينا ان ندخل مع الجمعية الفلانية وننافسهم على انتخابات مجلس إدارتها حتى نتمكن منها. تذكر معي اخي القارئ ما اقوله لك بأن هذا المتسرع بالتبديع ما كان يبدع الجمعية الفلانية ولكن يخطؤها وينتقدها فقط !وبطبيعة الحال ولقناعتنا الشخصية رفضنا فكرته رفضا تاما واخبرناه بأننا لسنا بحاجة أن ننافسهم على جمعيتهم ولا نستطيع أصلا أن نفعل ذلك وانتهينا على رفضنا لطلبه وفكرته. ثم تطورت الأمور بعد ذلك واصبح يجمع الأخطاء وفتح لها ارشيفا كبيرا جمع فيه قصاصات جرائد وصور وبوسترات واعلانات ولم يكتف بتبديع الجمعيات بل اخذ يقيم الناس بحسب موقفهم من الجمعية فالقريب منه من بعد عن الجمعية وبدعهم أو طعن فيهم وفي جمعيتهم والبعيد منه من قرب من الجمعية أو زارهم أو حاضر عندهم، بل بلغ الأمر فيه أن يشكك في منهج من لا يبدع الجمعية ويحذر منها!! اقول : اخي المتسرع اتق الله وارجع إلى رشدك ودع عنك هذا الأسلوب المحدث والمنهج الفاسد ولا تخلط التجارة والتنافس على الانتخابات في الدين فأمرك بات مكشوفاً والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، انصحك أن تحرق الأرشيف الذي جمعته وتتوجه إلى كتب العلم النافعة في التفسير والعقيدة والحديث والفقه والسيرة والأصول والنحو وغيرها فإن لم يفتح الله عليك ولم يحبب إليك طلب العلم فاجلس مستمعاً وكف لسانك عن طلبة العلم ولا تصد الناس المحتاجين إلى العلم اكثر من حاجتهم إلى الطعام والشراب ودع عنك الكلام في الجمعيات والأحزاب فقد عرف القاصي والداني اخطاءها وانحرافاتها واهدافها، يبقى لهم حق الإسلام والنصيحة والصبر على أذاهم فلا تشتغل بهم فالعمر قصير فأنت أولى فيه من أن تضيعه في القيل والقال والغيبة والنميمة واذكرك بقوله تعالى : {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)} [الأحقاف]. وأيضاً اتوجه بالنصيحة إلى اخي صاحب الرسالة الذي لم يترك لي اسمه ولا اعرف من هو فأقول اتصل علي أو احضر عندي في درسي أو تفضل عندي ضيفا عزيزا مكرما لأبين لك خطأك في الرسالة ويا ليتك تسأل لتستفيد لا تسأل لتناقش.اخواني والله إني ناصح لكم وارجو أني قد وفقت بالنصيحة لكم واسأل الله تعالى أن يوفقكم إلى قبولها، واعتذر عن قسوتي عليكم احيانا لأنني قد اضطر لرفع صوتي حتى اوقظكم من سباتكم واعتذر أيضا للإخوة القراء الذين انقطعت عنهم للمرة الرابعة بسبب انشغالي في كتابة مقالات (وجاء خطر التبديع).
اللهم إن كنت صادقا بما اقول فانفعني بكلامي وانفع اخواني وإن كنت غير ذلك فاغفر لي جهلي واسرافي في أمري، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.