الحق أحق أن يُتبع
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين، اما بعد:
فقد أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون واوجب على عباده اتباع الحق متى ما ظهر لهم، قال تعالى {إنما كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (51) [النور]، وبهذا رفع الله قدر الصحابة رضي الله عنهم اجمعين.
ولا يمنعن أحد اتباع الحق من أي مصدر كان، سواء من قريب أو بعيد أو عدو أو حبيب لأن المقصود اتباع الحق لذاته لا لقائله او مصدره.
(صدقك وهو كذوب)
أخي القارئ ارشدك الله لهداه لا يخفى على مسلم عداوة الشيطان له لكن لو صدر منه الحق وجب اتباعه ولا يمنعنا اتباع الحق لكون الذي قاله شيطان أو عدو واليك هذه القصة العجيبة النافعة المفيدة.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام فأخذته، وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاج، وعلي عيال ولي حاجة شديدة، قال: فخليت عنه، فأصبحت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك البارحة))، قال: قلت: يا رسول الله، شكا حاجة شديدة، وعيالا، فرحمته، فخليت سبيله، قال: ((أما إنه قد كذبك، وسيعود))، فعرفت أنه سيعود، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه سيعود، فرصدته، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال، لا أعود، فرحمته، فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك))، قلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة، وعيالا، فرحمته، فخليت سبيله، قال: ((أما إنه قد كذبك وسيعود))، فرصدته الثالثة، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله، وهذا آخر ثلاث مرات، أنك تزعم لا تعود، ثم تعود قال: دعني أعلمك كلماتٍ ينفعك الله بها، قلت: ما هو؟ قال: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي (الله لا إله إلا هو الحي القيوم)، حتى تختم الآية، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما فعل أسيرك البارحة))، قلت: يا رسول الله، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها، فخليت سبيله، قال: ((ما هي))، قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: الله لا إله إلا هو الحي القيوم، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة)) ؟ ، قال: لا، قال: ((ذاك شيطان))[رواه البخاري (2311)].
(قولوا ما شاء الله وحده)
أخي القارئ الكريم ما أجمل المثل الذي ضربه النبي لأمته حين قبل الحق الذي قاله اليهود والنصارى وما منعه ان يقبله منهم مع أنهم كفار فعن الطفيل أخي عائشة لأمها قال: رأيت كأني أتيت على نفر من اليهود قلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: عزير ابن الله قالوا: وأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد ثم مررت بنفر من النصارى فقلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله قالوا: وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته قال: (هل أخبرت بها أحداً؟) قلت: نعم قال: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد فإن طفيل رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منكم وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها فلا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا ما شاء الله وحده) [رواه ابن ماجه (2118) والبيهقي في الاسماء والصفات (292)].
الله اكبر قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) [الأحزاب]}، لقد استجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم للحق ولم يمنعه كونه صدر من اليهود والنصارى.
(الصوارف عن اتباع الحق)
أعلم أخي القارئ وفقك الله لهداه ان الصوارف عن الحق كثيرة منها الكبر الذي هو بطر الحق أي رده ومنها اتباع الهوى ومنها الجهل ومنها التأويل الباطل ومنها التعصب وما أدراك ما التعصب سواء تعصب مذهبي أو حزبي أو فئوي أو قبلي ومنها اتباع الآباء والأسلاف وغير ذلك من الصوارف والموانع لقبول الحق واتباعه.
لذا ينبغي للمسلم أن يلاحظ نفسه إن كان عنده شيء من هذه الصوارف حتى يحذرها إذ الحق أحق أن يتبع وليحذر المبالغة في احسان الظن بالنفس فقد تحسبها خالية ومتجردة من تلك الصوارف وإلا هي غارقة فيها أو تكاد لذا يجزم العاقل فضلا عن المنصف بأن هذه الصوارف في نفوس الناس جميعها أو بعضها بل لا تكاد تخلو منها نفس لكن بنسب متفاوتة بين مقل ومكثر لذا أوصي نفسي المقصرة أولا ثم أوصي غيري ثانيا أن نتقي الله ونتبع الحق إذا ظهر لنا ولو صدر من كائن من كان.
اسأل الله أن يوفقني وكل مسلم إلى العلم النافع والعمل الصالح والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.