تنبيه الإخوان إلى ما وقع فيه الأخ عدنان (١)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد
ففي يوم الأربعاء ١٣/١/٢٠١٠ طرح الأخ عدنان عبدالقادر مسائل غريبة وآراء ضعيفة في برنامج اليوم السابع على قناة الوطن فأحببت أن أنبه الإخوان إلى ما وقع فيه الأخ عدنان ولعل الله أن ينفع الأخ عدنان أيضا بما سأقول فليس ذلك على الله بعزيز فأقول وبالله أستعين وإليه أنيب:
التنبيه الأول
انتقد الأخ عدنان حديثا مشهورا جدا في صحيح مسلم فضعفه من غير بيان سبب ضعفه مكتفيا بالإشارة إلى أن له بحثا مطولا سبق له نشره الأمر الذي أظهر فيه بأن صحيح مسلم قابل للقبول أو الرد.
أقول: مع أن الأمة قد تلقته بالقبول وأن كل ما فيه صحيح إلا حروفا يسيرة ليس الحديث الذي ضعفه الأخ عدنان منها. وليعلم الأخ عدنان أن الطرح بهذه الصورة العلنية عبر وسائل الإعلام ويشاهده عامة الناس يهز صورة صحيح مسلم في اعين الناس ويقلل من شأنه ويفتح باب شر لكل من تسول له نفسه أن يطعن بهذا الكتاب الصحيح.
التنبيه الثاني
أن الحديث الذي ضعفه الأخ عدنان هو في أصل صحيح مسلم فقد ساقه بسنده وليس في الشواهد والمتابعات وهذا أمر يعرفه طلبة العلم وإليك اخي القارئ نص الحديث بسنده
قال الإمام مسلم بن الحجاج ( 204 ) [ 1164 ] حدثنا يحيى بن ايوب وقتيبة بن سعيد وعلي بن حجر جميعا عن اسماعيل. قال ابن ايوب حدثنا اسماعيل بن جعفر اخبرني سعد بن سعيد بن قيس عن عمر بن ثابت بن الحارث الخزرجي عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان واتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر" وحدثنا ابن نمير حدثنا أبي حدثنا سعد بن سعيد أخو يحيى بن سعيد اخبرنا عمر بن ثابت اخبرنا ابو ايوب الأنصاري رضي الله عنه يقول بمثله وحدثنا عبدالله بن المبارك عن سعد بن سعيد قال سمعت عمر بن ثابت قال: سمعت أبا ايوب رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله.
أقول: وهذا الحديث عامة أئمة الإسلام من المحدثين والفقهاء من المتقدمين والمتأخرين على القول بصحته والعمل به. حتى من المعاصرين لم يخالف فيه أحد بل قال فيه الشيخ العلامة المفتي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز والشيخ العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني وشيخنا العلامة الفقيه محمد بن صالح العثيمين رحمهم الله تعالى جميعا.
أخي القارئ إذا عرفت هذا تبين لك أن حديث أبي أيوب في صيام الست من شوال لم يرده إلا القلة القليلة ولو قلنا أنه قول شاذ ما ابعدنا في الحكم عن الصواب.
التنبيه الثالث
زعم الأخ عدنان بأن الإمام مالك قال أن صيام الست من شوال بدعة!
أخي القارئ إليك نص كلام الإمام مالك في الموطأ ( 1 / 311 ) باب جامع الصيام:
(وإن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته وأن يلحق برمضان ما ليس منه؛ أهل الجهالة والجفاء لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم ورأوهم يعملون ذلك) انتهى كلامه. وأنت إذا تأملت وجدت أن الإمام مالك لم ينص على القول [ أنه بدعة ] كما ذكر الأخ عدنان في مقابلته أمام عامة الناس وكان من الأمانة العلمية في النقل أن يقول [ ويخافون بدعته ] ولم يجزم من نقل عن مالك القول [ بأنه بدعة ] لكن قال أهل العلم يخافون بدعته ولم يثبت فيما أعلم عن مالك أنه قال بدعة. ثم على فرض أنه قال بدعة وله عذره فهل يلزم أن نقول ببدعية ذلك؟!
التنبيه الرابع
توهم الأخ عدنان أنه قد يحسد من بعض من خالفه وأن بعض الناس قد يقول لماذا سبقني فلان بهذا البحث ولماذا لم أظهر به قبله؟!!
فأقول: لا يحسد الأخ عدنان على قوله بهذا القول الضعيف إلا شاذ والشاذ لا حكم له. وأنا شخصيا سمعت أحد الدكاترة يقول: لقد اشتهر عدنان عبدالقادر بعد قوله ببدعية صيام ست من شوال. يقول ذلك على سبيل التعجب وهو يتمنى لو أنه ظفر بتلك الشهرة! نسأل الله العفو والعافية.
لقد ذكرني الأخ عدنان بأحد المرشحين في الإنتخابات قيل له لماذا ترشح نفسك وأنت بعيد عن الفوز؟ فقال حتى يعرفني الناس فإذا ذكروني وقالوا من فلان؟ فسيقولون ذاك الذي رشح نفسه وسقط. أخي عدنان الإنسان يغبط على توفيقه للحق والعمل به لا على جرأته على صحيح مسلم و صده للناس عن الخير.
التنبيه الخامس
زعم الأخ عدنان أنه كان يدرس صحيح مسلم في منطقة الفيحاء ويبحث في سند كل حديث فوقف على ضعف حديث صيام ست من شوال فلما سئل أجاب ثم قامت الدنيا وما قعدت.
ولي على هذا الكلام ملاحظتان:
في طرحك هذا دعوة إلى الجرأة على صحيح مسلم وتوجيه لصغار الطلبة بأن كل حديث ولو في الصحيحين أو أحدهما قابل للقبول والرد وهذا باب شر يجب سده. و على الأقل حتى لا تذهب هيبة الصحيح.
لا اظن الأخ عدنان صرح ببدعية صوم ست من شوال أو على الأقل بضعف الحديث الثابت في صحيح مسلم لما سئل بل قد صرح ابتداء من غير سؤال أمام ملإ كبير من الناس وذلك في مصلى العيد، الأمر الذي أثار العامة والخاصة ووسائل الإعلام فكيف يوهم الناس اليوم بأنه سئل فأجاب؟!
التنبيه السادس
بينما الأخ عدنان يضعف حديث أبي أيوب الأنصاري في صيام الست من شوال الذي في صحيح مسلم بل يبحث في صحة أحاديث مسلم ليتأكد من صحتها ويجرأ الناس على ذلك نجده يتكلم على المقامات وما أدراك ما المقامات استدل - أي الأخ عدنان - بقول للثعالبي في تفسيره بأن نبي الله داود عليه السلام كان يقرأ الزبور على سبعين لحنا أو سبعين مقاما. انتهى كلامه وقد كرر ذلك اكثر من مرة.
فأقول : غفر الله لك يا أخ عدنان تحقق في أسانيد صحيح مسلم ولا تتحقق في رواية الثعالبي في وصفه لنبي من أنبياء الله؟
إن من أمانة النقل في العلم أن تتحق من صحة ما تبني عليه الأحكام. فقولك ( قال الثعالبي ) بصيغة الجزم وكأن القائل البخاري أو مسلم لا يسلم لك به وإن كان ينطلي على عامة الناس لكن لا ينطلي على طلبة العلم . فإن قال قائل وهل التفسير يحتاج إلى تحقق من صحة السند؟ فالجواب نعم إذا كان التفسير مأثورا فالثعالبي لم يدرك داود عليه السلام فمثل هذا لا يقال بالرأي بل لابد من سند صحيح إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي فيه عن نبي من أنبياء الله تعالى. ثم ياليت كان النقل عن أحد أئمة التفسير من الصحابة والتابعين أو على الأقل ياليته استدل بتفسير معتمد كالطبري أو ابن كثير أو البغوي ونحوهم وإنما استدل بالثعالبي!
وإليك أخي القارئ الكريم فتوى العلامة محمد بن ابراهيم آل الشيخ ( 13/138 4499 - في كتاب قصص الأنبياء، للثعالبي وسائر مؤلفاته )
من محمد بن إبراهيم إلى المكرم سعيد بن علي مسفر الغامدي. سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
جرى الاطلاع على سؤالكم عما يورده الثعالبي في كتابه "قصص الأنبياء" المسمى بالعرائس - هل يعتبر كله، أم لا؟
والجواب : وبالله التوفيق أن ما يورده الثعالبي في أي كتاب من كتبه سواء العرائس وغيرها لا يعتمد بمجرد روايته له، بل لابد من التأكد من ثبوته ؛ لأنه حاطب ليل يروي ما وجده سواء كان صحيحاً أو سقيماً ، وممن نبه على ذلك شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية في الجزء الرابع من كتابه "مناهج السنة" قال : في صفحة 25 جمهور العلماء متفقون على أن الثعالبي حاطب ليل يروي الصحيح والضعيف. ومتفقون على أن مجرد روايته لا توجب اتباع ذلك -أي المروي- ولهذا يقولون في الثعالبي وأمثاله إنه حاطب ليل يروي ما وجد سواء كان صحيحا أو سقيماً، ثم ذكر شيخ الإسلام أن البغوي جرد اختصاره لتفسير الثعالبي من روايات الثعالبي الغير الثابتة. وقال في صفحة 4 منه: إن الثعالبي فيه خير ودين؛ لكنه لا خبرة له بالصحيح والسقيم من الأحاديث، ولا يميز بين السنة والبدعة ، في كثير من الأقوال، وقال شيخ الإسلام بعد أن ذكر اتفاق أهل العلم بالحديث على أن مجرد رواية الثعالبي وأمثاله لا يوجب ثبوت المروي، قال في صفحة 83 من المذكور: إن في كتب هؤلاء من الأحاديث الموضوعة ما اتفق أهل العام على أنه كذب موضوع، وفيها شيء كثير يعلم بالأدلة السمعية والعقلية أنه كذب، بل فيها ما يعلم بالإضطرار أنها كذب، ثم قال شيخ الإسلام: والثعالبي وأمثاله لا يتعمد الكذب، بل فيهم من الدين والصلاح ما يمنعهم من ذلك، لكن ينقلون ما وجدوه في الكتب، ويروون ما سمعوه وليس لأحدهم من الخبرة بالأسانيد ما للأئمة الحديث كشعبة ويحيى بن سعيد القطان، وسرد شيخ الإسلام من أسماء العديد من الأئمة الذين لهم الخبرة بالأسانيد خلاف الثعالبي وأمثاله ما يطول الكلام باستيعابه، وإلى ما ذكره شيخ الإسلام في كتب الثعالبي يشير الحافظ ابن كثير في تاريخه "البداية والنهاية" 11 ص4، بقوله في ترجمة ابن إسحاق: أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الثعالبي صاحب العرائس يوجد في كتبه من الغرائب شيء كثير ) والله ولي التوفيق انتهى كلامه.
أقول : إن كان الأخ عدنان يدري حال الثعالبي وتفسيره فتلك مصيبة وإن كان لا يدري فالمصيبة أعظم. ثم حسب بحثنا المتواضع مع بعض الأخوة ما وجدنا حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أن نبي الله داود عليه السلام كان يقرأ الزبور بسبعين مقاما أو سبعين لحنا.
ثم الأخ عدنان ذكر شيئا غريبا جدا جدا فقال : أن أحد الأخوة كان يستمع للموسيقى أو يمارسها ثم تاب يقول التائب أنه تتبع المقامات فوجدها تسعا وستين مقاما!
أقول: غفر الله لك يا أخ عدنان كأنك تشير إلى أن هذا شاهد لرواية الثعالبي!
فإن كان هذا قصدك - وهو الظاهر - فكيف صوغت لنفسك هذا وأنت تدعي معرفتك بعلم الحديث حتى ضعفت حديثا من أحاديث صحيح مسلم؟
أخي القارئ العزيز لم انته من التنبيهات فهذه ست وباقي ست، تابعني الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى.
اسأل الله تعالى أن يبصرني واخواني المسلمين في ديننا وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.