تنبيه الإخوان إلى ما وقع فيه الأخ عدنان (٢)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
فلقد بدأت بذكر بعض التنبيهات على مقابلة قد اجريت مع الأخ عدنان عبدالقادر - وفقه الله - على إحدى الفضائيات وهذا إتمام ما بدأت به فأقول و بالله أستعين وعليه أتوكل و إليه أنيب:
التنبيه السابع
الأخ عدنان سامحه الله دعا في لقائه إلى الجرأة على دين الله تعالى باسم التحرر من التقليد وعدم التبعية واستدل بحادثة وقعت له في صغره زعم أنه تأثر بها تأثرا إيجابيا كما يقول و كانت له درسا في بداية انطلاقته في حياته العلمية! وخلاصة هذه الحادثة أن أخاه الأكبر منه كان يجالس العلمانيين واللبراليين وأنه قال له ذات يوم: هل الله موجود؟! هل في الله؟! وذكر أن أخاه ناقشه من بعد الغداء حتى قبيل إقامة صلاة العصر بخمس دقائق وذكر أن تلك الحادثة وقعت له في بداية تدينه وكان في الثالثة عشرة من عمره. وذكر أنه في النهاية بين له بأن الله لاشك بوجوده وإنما أراد له أن يتحرر بالتفكير بحيث لا يقول له غدا أصحابه يمينا يمينا وشمالا شمالا. انتهى ملخص كلامه.
وأقول : لي على هذا الموقف ملاحظتان:
غفر الله لك يا أخ عدنان تقول أن أخاك يجالس العلمانيين واللبراليين ثم تستدل بكلامه واسلوبه اللا شرعي إذ لا يجوز شرعا أن يطرح هذا السؤال على غلام في الثالثة عشرة من العمر لأن في هذا تلبيس وتشكيك ولو بحجة التربية على التجرد كما يقول.
التشكيك بهذه الطريقة يعتبر مخالفة صريحة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقارن بين اسلوب أخيك الذي ذكرته على سبيل الإعجاب والذي اعتبرته منهجا تأثرت به وسرت عليه منذ ذلك اليوم وإلى يومك هذا. روى الترمذي في جامعه وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا غلام إني اعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف ) فيا أخ عدنان خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم.
التنبيه الثامن
توسع الأخ عدنان غفر الله له في باب الأناشيد حتى اشتهر به وهو ممن يقف وراء بعض المشاهير من المنشدين ونراه اليوم يتوسع في أمر التمثيل بل واستحسن لو خصص من اموال الصدقات والزكاة نسبة ولو يسيرة لدعم التمثيل ! واستدل على جواز دفع الزكاة للتمثيل بفتوى الشيخ ابن باز رحمه الله بإباحة دفع الزكاة لمركز إسلامي للدعوة وللمجلة التي يصدرها ولموظفيها واستدل بجواز التمثيل بفتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وذكر أن لجنة الأزهر أباحت التمثيل. انتهى ملخص كلامه.
و لي على هذا الكلام ملاحظات:
أن الأخ عدنان لم يذكر أن أكثر العلماء وأقصد علمائنا خاصة أهل السنة بأنهم يقولون بتحريم التمثيل كالشيخ ابن باز والشيخ الألباني والشيخ الفوزان وغيرهم وإنما ذكر أن لجنة الأزهر أباحت ذلك!!
فأقول: يا أخ عدنان لقد تغيرت كثيرا فمنذ متى استدل السلفيون بفتاوى الأزهر؟ ومنذ متى أخذ الأزهر بفتاوى علماء السنة؟ فالأزهر يبيح أكثر من ذلك بكثير في العقائد و العبادات و المعاملات فاخشى أن نرى لك كلاما عن قريب تقول قال الشعراوي و قال القرضاوي و قد أفتى الترابي. نعم هذه حقيقة مؤلمة فقبل ثلاثين عاما كانت السلفية متميزة جدا عن المناهج الأخرى والسلفيون متميزون في كل شي أما اليوم فلقد اختلط الحابل بالنابل بسبب طرح الأخ عدنان وامثاله فلقد اتبعوا الإخوان المسلمين والتبليغ والتكفير حذو القذة بالقذة فخوض في السياسة وتساهل في تطبيق السنة وعبث بأموال الزكاة واناشيد وتمثليات وتنسيق وتعاون واحتضان لأهل البدع من السبئية الرافضة و عباد القبور و غير ذلك و كل ما أقوله عندي عليه شواهد و أدلة.
استدل الأخ عدنان بفتوى الشيخ ابن باز بجواز صرف جزء من الزكاة للتمثيل مع أن الشيخ يرى تحريم التمثيل!
ولنا أن نتصور أو نتخيل الحوار الآتي بين مستفت و مفت:
السائل: ما حكم التمثيل؟
الشيخ: حرام لا يجوز هذا كذب وزور.
السائل: حتى لو استخدم وسيلة للدعوة إلى الله تعالى.
الشيخ: لا يجوز لا يجوز اقول لك حرام فكيف أن نجعل الحرام وسيلة للدعوة.
السائل: ما حكم دفع جزء من الصدقات والتبرعات للتمثيل ومبنى التمثيل والممثلين والموظفين والكهرباء والهاتف والضرائب وغير ذلك.
الشيخ: ؟؟؟!!!
أترك الجواب المتوقع للقراء عامة وللأخ عدنان خاصة.
الله يرضى عليك يا أخ عدنان إذا أردت أن تجعل أموال الزكاة و الصدقات في التمثيل فأخبر المزكين والمتصدقين بذلك فقد لا يرغبون بدعم التمثيل. و لقد سمعت شيخنا ابن عثيمين رحمه الله يقول لا يجوز تدعو الناس إلى التبرع لوجهة معينة ثم تصرف التبرعات لجهة أخرى غير الجهة التي عينتها للمتبرعين بداية إلا بعد استئذان المتبرعين. و ذلك لما سأله سائل و كان قد جمع تبرعات لشراء بطانيات لبعض المتضررين من البرد الشديد و أن الناس قد تبرعوا بأموال كثيرة فاشترينا بطانيات و زادت المبالغ عندنا فهل يجوز دفعها لشيء آخر؟ فقال الشيخ ابن عثيمين: لا يجوز إلا أن تستأذن المتبرعين في ذلك. انتهى.
أقول : يا أخ عدنان لم يعد الأمر يخفى على كل ذي بصر وبصيرة ماذا يفعل القائمون على جمع الزكاة و الصدقات و الأوقاف بتلك الأموال التي استأمنهم الناس عليها فبإسم الدعوة إلى الله جعلوها في الإنتخابات والبفيهات الفاخرة لبعض المرشحين الذين - زعموا - بأنهم سينصرون الإسلام ويطبقون الشريعة وبإسم الدعوة انفقوها على مؤتمر الأنشودة اللاإسلامية وبإسم الدعوة انفقوها على الرحلات والمخيمات والجوائز والهدايا والمسابقات . حتى لربما في محاضرة واحدة يلقيها شاب كلفت ثلاثين ألف دينار من اموال الأوقاف بينما هناك من يموت جوعا ويسكن العراء وهناك من يقضي سنوات في السجن بسبب الديون . كفى كفى اسرافا في اموال الزكاة والأوقاف . وأنا أكاد أجزم يا أخ عدنان بأن اقتراحك بدفع جزء من التبرعات للتمثيل معمول به من زمان بحجة أنه في سبيل الله فابحث عن اقتراح جديد.
أما استنادك على فتوى شيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى فلا يستقيم أيضا.
لأن الشيخ ذكر ذلك بضوابط ومن غير توسع ولا إسراف مما يمارسه بعض الشباب في المراكز الصيفية وأما أهل التمثليات وللأسف ضربوا بتلك الشروط والضوابط عرض الحائط.
والأخ عدنان غفر الله له استدل بفلم الرسالة أو غيره فهل الشيخ يقصد جواز مثل هذا الفلم؟ وهل تأكدت أن فيلم الرسالة ليس فيه شي من المحظورات كالموسيقى واختلاط النساء بالرجال و التبرج و السفور و غير ذلك؟
ولقد قلت لشيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى لقد استغل الناس فتواك بجواز دخول مجلس الأمة استغلالا سيئا فأخذوا يمجدون الديمقراطية ويمارسون التزوير في نقل البطاقات وتغيير العناوين ويجاملون الناس ويختلطون مع أهل البدع وغير ذلك!
فقال: الشكوى لله حتى القرآن يستغل على غير مراد الله.
والآن السؤال للأخ عدنان هل التمثيل الذي قال بجوازه شيخنا ابن عثيمين رحمه الله هو هذا القائم اليوم ؟ اجب على السؤال بنفسك لنفسك.
يا أخ عدنان لا تأخذ طرفا من كلام العلماء وتبني عليه أحكاما يرفضها العلماء أنفسهم كما فعلت في موضوع الأناشيد وتفعل الآن في موضوع التمثيل.
لقد سئل شيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى السؤال التالي: يقول السائل سمعت بعض الأناشيد الإسلامية وفيها لحون تشبه لحون الغناء ولكنها بدون موسيقى وهي بأصوات جميلة فما حكم ذلك؟
فأجاب رحمه الله : هذه الأناشيد التي سأل عنها السائل وتسمى بالأناشيد الإسلامية دخل فيها بعض ما نحذر منها : أنها تغنى كغناء المطربين الذين يغنون بالأغاني الهابطة ومنها أنها تكون بأصوات جميلة جذابة ومنها أنها أحيانا تكون مصحوبة بالتصفيق أو بالدق على طشت أو شبهه والذي جاء في السؤال خال عن التصفيق وخال من الضرب على الطشت وشبهه لكن يقول السائل إنه بألحان كألحان الغناء الهابط وأنه بأصوات جميلة جذابة وحينئذ نرى أن لا يستمع لمثل هذا لما فيه من الفتنة والتشبه بألحان الغناء الماجن.
وقال في موضع آخر: هذه الأناشيد الإسلامية وما يلقى على صفة الأغاني الهزيلة السافلة أو يلقى مصحوبا بالدف أو يلقى بأصوات جميلة فاتنة فهذه لا يجوز الإستماع إليها. انتهى كلامه رحمه الله تعالى نقلا عنه من موقعه من اسئلة برنامج نور على الدرب.
فأقول: يا أخ عدنان هل يقال بعد ذلك أن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى يجيز لأحد المنشدين أن يلحن له ملحن من ملحني الأغاني ثم يأتي بشاب أمرد له صوت فيه فتنة ويصور معه وينشد ( إلا صلاتي )؟
أهذا يجيزه العلماء؟
هل يجيز ابن باز رحمه الله أن يصور المنشد رمضان زين الشهور وقد أحضر معه النساء؟
يا أخ عدنان كلما أنكرنا على أحد هؤلاء بادر فقال: الشيخ عدنان عبدالقادر افتى لنا بذلك ! فإن كنت لم تفت لهم فصرح بالتحريم فلقد اشتهرت بالجرأة والصراحة وإن كنت تفتي لهم بفيديو كليب فأوصيك ونفسي بتقوى الله عزوجل.
التنبيه التاسع
الأخ عدنان توسع في موضوع المقامات اختار القول الذي كرهه كثير من السلف وكنت اتمنى لو نقل التحقيق الذي حققه ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد من صفحة ٤٦٣ إلى صفحة ٤٧٤ من المجلد الأول والذي يغلب على ظني أنه اطلع عليه ولا أدري لماذا عدل عنه واختار القول الذي كرهه عامة السلف ؟!
و إليك أخي القارئ الكريم الخلاصة التي وصل إليها ابن القيم رحمه الله تعالى حيث قال:
وَفَصْلُ النّزَاعِ أَنْ يُقَالَ التّطْرِيبُ وَالتّغَنّي عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : مَا اقْتَضَتْهُ الطّبِيعَةُ وَسَمَحَتْ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلّفٍ وَلَا تَمْرِينٍ وَلَا تَعْلِيمٍ بَلْ إذَا خُلّيَ وَطَبْعَهُ وَاسْتَرْسَلَتْ طَبِيعَتُهُ جَاءَتْ بِذَلِكَ التّطْرِيبِ وَالتّلْحِينِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ أَعَانَ طَبِيعَتَهُ بِفَضْلِ تَزْيِينٍ وَتَحْسِينٍ كَمَا قَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِي ّ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ عَلِمْتُ أَنّكَ تَسْمَعُ لَحَبّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا وَالْحَزِينُ وَمَنْ هَاجَهُ الطّرَبُ وَالْحُبّ وَالشّوْقُ لَا يَمْلِكُ مِنْ نَفْسِهِ دَفْعَ التّحْزِينِ وَالتّطْرِيبِ فِي الْقِرَاءَةِ وَلَكِنّ النّفُوسَ تَقْبَلُهُ وَتَسْتَحْلِيهِ لِمُوَافَقَتِهِ الطّبْعَ وَعَدَمِ التّكَلّفِ وَالتّصَنّعِ فِيهِ فَهُوَ مَطْبُوعٌ لَا مُتَطَبّعٌ وَكَلَفٌ لَا مُتَكَلّفٌ فَهَذَا هُوَ الّذِي كَانَ السّلَفُ يَفْعَلُونَهُ وَيَسْتَمِعُونَهُ وَهُوَ التّغَنّي الْمَمْدُوحُ الْمَحْمُودُ وَهُوَ الّذِي يَتَأَثّرُ بِهِ التّالِي وَالسّامِعُ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ تُحْمَلُ أَدِلّةُ أَرْبَابِ هَذَا الْقَوْلِ كُلّهَا . الْوَجْهُ الثّانِي : مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ صِنَاعَةً مِنْ الصّنَائِعِ وَلَيْسَ فِي الطّبْعِ السّمَاحَةُ بِهِ بَلْ لَا يَحْصُلُ إلّا بِتَكَلّفٍ وَتَصَنّعٍ وَتَمَرّنٍ كَمَا يُتَعَلّمُ أَصْوَاتُ الْغِنَاءِ بِأَنْوَاعِ الْأَلْحَانِ الْبَسِيطَةِ وَالْمُرَكّبَةِ عَلَى إيقَاعَاتٍ مَخْصُوصَةٍ وَأَوْزَانٍ مُخْتَرَعَةٍ لَا تَحْصُلُ إلّا بِالتّعَلّمِ وَالتّكَلّفِ فَهَذِهِ هِيَ الّتِي كَرِهَهَا السّلَفُ وَعَابُوهَا وَذَمّوهَا وَمَنَعُوا الْقِرَاءَةَ بِهَا وَأَنْكَرُوا عَلَى مَنْ قَرَأَ بِهَا وَأَدِلّةُ أَرْبَابِ هَذَا الْقَوْلِ إنّمَا تَتَنَاوَلُ هَذَا الْوَجْهَ وَبِهَذَا التّفْصِيلِ يَزُولُ الِاشْتِبَاهُ وَيَتَبَيّنُ الصّوَابُ مَنْ غَيْرِهِ وَكُلّ مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِأَحْوَالِ السّلَفِ يَعْلَمُ قَطْعًا أَنّهُمْ بُرَآءُ مِنْ الْقِرَاءَةِ بِأَلْحَانِ الْمُوسِيقَى الْمُتَكَلّفَةِ الّتِي هِيَ إيقَاعَاتٌ وَحَرَكَاتٌ مَوْزُونَةٌ مَعْدُودَةٌ مَحْدُودَةٌ وَأَنّهُمْ أَتْقَى لِلّهِ مِنْ أَنْ يَقْرَءُوا بِهَا وَيُسَوّغُوهَا وَيَعْلَمُ قَطْعًا أَنّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ بِالتّحْزِينِ وَالتّطْرِيبِ وَيُحَسّنُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالْقُرْآنِ وَيَقْرَءُونَهُ بِشَجًى تَارَةً وَبِطَرَبٍ تَارَةً وَبِشَوْقٍ تَارَةً وَهَذَا أَمْرٌ مَرْكُوزٌ فِي الطّبَاعِ تَقَاضِيهِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ الشّارِعُ مَعَ شِدّةِ تَقَاضِي الطّبَاعِ لَهُ بَلْ أَرْشَدَ إلَيْهِ وَنَدَبَ إلَيْهِ وَأَخْبَرَ عَنْ اسْتِمَاعِ اللّهِ لِمَنْ قَرَأَ بِهِ وَقَالَ لَيْسَ مِنّا مَنْ لَمْ يَتَغَنّ بِالْقُرْآنِ وَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا : أَنّهُ إخْبَارٌ بِالْوَاقِعِ الّذِي كُلّنَا نَفْعَلُهُ والثاني : أنه نفي لهدي من لم يفعله عن هديه وطريقته صلى الله عليه وسلم.
انتهى كلامه من زاد المعاد [ 1 / 474 _ 475 ].
أخي القارئ ما انتهيت من الرد على الأخ عدنان فتابعني بإذن الله تعالى نكمل باقي التنبيهات.
والحمد لله أولآ وآخرا وظاهر وباطنا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.