الوسائل المشروعة خير و أحسن تأويلا
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فلقد أرسل الله رسوله محمدا صلى الله عليه و سلم بالهدى وهو العلم النافع، ودين الحق وهو العمل الصالح، ليظهره ويعليه على جميع الأديان، وبشر بالسعادة لمن أطاعه،والشقاوة لمن عصاه، وأمر الخلق أن يردوا ما تنازعوا فيه من دينهم إلى ما بعثه به فقال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا)[النساء - 59]، أي خير في الحال وأحسن في المآل؛ أي المستقبل. كيف وهو صلى الله عليه و سلم الذي يدعو إلى الله تعالى على بصيرة و يهدي إلى صراطه المستقيم ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحل الطيبات ويحرم الخبائث، فما من خير إلا و دل أمته عليه، و ما من شر إلا حذر أمته منه، وترك أمته على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعده إلا هالك، حتى صارت سنته كسفينة نوح عليه السلام من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق.
ثم أحدث أقوام في أمته محدثات وبدعاً ما أنزل الله بها من سلطان؛ كالموالد والسماع المحرم وما يزعمونه من الكرامات، وهي أحوال شيطانية، وكالكذب في ذكر القصص وما يزعمه كثير منهم أنه رأى في المنام و يُري عينه ما لم تره كذبا وزورا مفترين على الناس وزاعمين أنها أساليب نافعة قد تاب على أيديهم أناس كثيرون، واهتدى بطرقهم كثير من أهل الضلال حتى أصبح من لا يصلي ولا يزكي ويسرق ويزني يتورع عن الشبهات ويؤدي المفروضات!! والحق الذي لا ريب فيه إنما يهدي الله به الضالين ويرشد به الغاوين ويتوب به على العاصين لا بد أن يكون فيما بعث الله به رسوله من الكتاب والسنة، وإلا؛ فإنه لو كان ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه و سلم لا يكفي في ذلك؛ لكان دين الرسول صلى الله عليه و سلم ناقصا محتاجا إلى تتمة، و ينبغي أن يُعلم أن الأعمال الصالحة هي التى أمر الله بها أمر إيجاب أو استحباب، والأعمال الفاسدة هي التى نهى الله عنها، وأما ما اشتمل على مصلحة ومفسدة فإن الشارع الحكيم شرع ما غلبت مصلحته على مفسدته، ولم يشرع ما غلبت مفسدته على مصلحته، بل نهى عنه. إذا علمت هذا عرفت أن ما يراه الناس من الأعمال والأساليب نافعا ومقربا إلى الله تعالى ولم يشرعه الله ورسوله، فإنه لا بد أن يكون ضرره أعظم من نفعه، وإلا فلو كان نفعه أعظم -غالبا- من ضرره لم يهمله الشارع فإنه صلى الله عليه وسلم حكيم لا يهمل مصالح الدين، ولا يفوت ما يقربهم إلى رب العالمين.
اعلم أيها القارئ الكريم أن من دعا الناس إلى التوبة إلى الله تعالى بالطرق البدعية فهو إما جاهل بالطرق الشرعية التي يتوب بها العصاة أو عاجز عنها. فإن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين كانوا يدعون من هو شر من العصاة من أهل الكفر والفسوق والعصيان بالطرق الشرعية التي أغناهم الله بها عن الطرق البدعية، كما تجد أيضا من تاب بالطرق الشرعية أهدى سبيلا وأقوم دينا ممن تاب بالطرق البدعية.
اعلم أخي القارئ رحمني الله وإياك، أن بعضا ممن يدعو الناس بالطرق البدعية قد يكون له غرض فاسد؛ كالترؤس على الناس أو أخذ أموالهم، كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۗ } [التوبة-34]، فهذا وإن كان في أهل الكتاب لكن في هذه الأمة من يتبع سننهم شبرا بشبر وذراعا بذراع!! فلا يعدل أحد عن الطرق الشرعية إلى البدعية إلا لجهل أو عجز أو غرض فاسد، قال تعالى: (( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا (3))[المائدة]، وقال تعالى: { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ } [الزمر-23]. بهذا القرآن هدى الله العباد، وأصلح لهم أمر المعاش والمعاد وبه بعث الله تعالى رسوله صلى الله عليه و سلم، وبه أمر المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وعلى القرآن كان يجتمع السلف، و لم يكونوا يجتمعون على سماع سواه. ثم حدث بعدهم - أي السلف - السماع المبتدع، والذي يسمى اليوم "الأناشيد الإسلامية" وهذا ما لا يعرف له أصل في الكتاب والسنة، وقد مدح الله أهل القرآن، فقال تعالى: (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2))[الأنفال]، وأنه سبب الرحمة، قال تعالى: ((وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204))[الأعراف]، وقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (57))[يونس]، وقال تعالى: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ } [الحديد-16]، وقال تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ } [الكهف-57]، وقال تعالى: { فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىٰ } [طه-123-126].
أيها القارئ الكريم، وفقني الله و إياك إلى كل خير لا بد أن نفرق بين ما يفعله الناس على سبيل التقرب إلى الله تعالى وبين ما يفعلونه على سبيل اللهو واللعب واللذة لا لقصد العبادة. فيجب التفريق بين سماع الأناشيد للتقرب إلى الله تعالى طلبا لصلاح القلوب وجعله قربة وطاعة وزكاة للنفس وإزالة للقسوة مما هو من جنس ما يفعله النصارى في كنائسهم على وجه العبادة والطاعة وبين ما يفعل على وجه اللهو واللعب؛ كالذي يفعله الناس في الأعراس والأفراح ونحو ذلك، فهذا كل من حضره لا يعده من صالح عمله ولا يرجو به الثواب، وأما من فعله على أنه طريق إلى الله، فإنه يتخذه دينا ومن نهاه عنه فكأنه نهاه عن عبادة الله!! فهذا ضلال مبين.
أخي القارئ، لتمام الفائدة انظر مشكورا غير مأمور ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في الفتاوى ١١ / ٦٢٠-٦٣٦. والله تعالى أسأل أن يبصرنا في ديننا و يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح.