موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

أيما امرأة نُكِحَتْ بغير إذن مواليها فنكاحها باطل باطل باطل

3 شعبان 1429 |

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإن الله تعالى امتن على عباده فشرّع لهم النكاح وجعل بين الزوجين مودة ورحمة كما قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم- 21]، وقَرَنَ الله تعالى المصاهرة بالنسب فقال (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً) [الفرقان- 54]. ومن محاسن الإسلام وأحكامه الحميدة أن الله تعالى أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ورتب أحكام الزواج لما فيه مصلحة العباد، قال تعالى (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) [الملك- 14]، بلى والذي نفسي بيده يعلم ما يصلح لعباده فأوجب عليهم أن لا نكاح إلا بولي وفي هذا الباب أدلة واضحة كثيرة محكمة لا يعرض عنها إلا صاحب هوى ومتعصب للباطل ولو ظهر له الحق!!

الأدلة على ان النكاح لا ينعقد إلا بولي

  1. قال تعالى (وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [البقرة- 221]. وفي هذه الآية الكريمة لما خاطب الرجال قال لهم (وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) وفي المقابل لم يقل للنساء ولا تنكحن المشركين حتى يؤمنوا، وإنما وجه الخطاب إلى أولياء النساء الذين يباشرون تزويج بناتهم وأخواتهم ونحوهن، فقال (وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ) فتأمل هذا فإنه مهم.

  2. عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نُكِحَتْ بغير إذن مواليها فنكاحها باطل ثلاث مرات فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" [صحيح أبي داود للألباني[ (1879). اخرجه ابو داوود (2083).

  3. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تزوج المرأةُ المرأةَ ولا تزوج المرأة نفسها" [صحيح ابن ماجه للألباني (1882)].

  4. عن ابي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا نكاح إلا بولي" [صحيح ابن ماجه للألباني (1881)].

  5. عن عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء، فنكاح منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها [رواه البخاري (5127)].

أخي القارئ الكريم اعلم أن هذا ما جرى عليه عمل المسلمين منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا أن النكاح لا ينعقد إلا بولي وعليه جماهير العلماء والفقهاء من السابقين واللاحقين والمعاصرين والسلف والخلف، وما خالف في ذلك إلا قليل ممن لا عبرة بقوله لأن قوله مصادم ومخالف للدليل الصحيح الصريح، والقاعدة المقررة عند العلماء والمعتبرة عند الفقهاء أنه إذا جاء الأثر بطل النظر ولا قياس في مقابلة النص.

السلطان ولي من لا ولي له

روى البخاري في صحيحه كتاب النكاح باب السلطان ولي بقول النبي صلى الله عليه وسلم زوجناكها بما معك من القرآن حديث (5135) عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي فنظر إليها رسول الله فصعد النظر إليها وصوبه ثم طأطأ رأسه فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست فقام رجل من أصحابه فقال: أي رسول الله إن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها فقال: "هل عندك من شيء؟" قال: لا والله يا رسول الله، قال:"اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا" فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئا، قال: "انظر ولو خاتما من حديد"، فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتما من حديد ولكن هذا إزاري!! قال سهل (راوي الحديث) ما له رداء فلها نصفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء". فجلس الرجل حتى طال مجلسه ثم قام فرآه رسول الله موليا فأمره فَدُعِي فلما جاءه قال: "ماذا معك من القرآن؟"، قال: معي سورة كذا وسورة كذا وسورة كذا عددها قال: "أتقرؤهن عن ظهر قلبك؟" قال: نعم، قال: "اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن". ففي هذا الحديث أن المرأة التي لا ولي لها فالسلطان أو الحاكم أو نائبه كالقاضي والوالي ونحوهما يكون وليا لها كما هو ظاهر من تبويب البخاري رحمه الله لهذا الحديث. وهذا أيضا جاء صريحا كما في حديث عائشة رضي الله عنها المتقدم "السلطان ولي من لا ولي له".

فائدة

لا يجوز لأي امرأة أن تأتي رجلا وتقول له وهبت نفسي لك، بل هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ.....) - إلى أن قال- (وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ....) الآية (الأحزاب- 50). وهذا يختلف عن كون المرأة تعرض نفسها لرجل فتقول تقدم واخطبني من والدي فهذا ليس هبة.

أخي القارئ وفقني الله تعالى وإياك الى كل خير اذا علمت هذا تبين لك أنه لا عذر لأي امرأة أن تتزوج بغير ولي ولا عذر لأي رجل أن يتزوج امرأة بغير إذن وليها لهذه الأدلة وغيرها فإن كان وليها ميتا أو مسافرا أو تعذر حضوره أو عضلها وتعنت في تزويجها فالسلطان أو نائبه يتولاها ويزوجها للرجل الكفؤ ، أما أن تزوج نفسها فهذا لا يجوز بل هو نكاح محرم باطل.

"لا يُستثنى من هذا الحكم الثيب ولا الكبيرة ولا غيرهما"

ثم اعلم بارك الله فيك أن هذه الأدلة الصريحة الصحيحة عامة في جميع النساء ليس فيها تخصيص أو استثناء فلا يخرج عن عمومها ولا يستثنى منها المطلقة ولا الثيب ولا الكبيرة ولا غيرهن، ومن قال خلاف هذا فعليه الدليل فإن عجز عن إقامة الدليل فليتق الله تعالى ولا يدفع الأدلة الشرعية بمجرد هوى أو رأي.

"الإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس"

إن كثيرا من الناس الذين يتزوجون بلا ولي يخفون زواجهم عن أعين الناس وذلك لشعورهم أن ما يفعلونه خطأ وإثم، وفي الحديث عن النواس ابن سمعان الأنصاري رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم فقال: "البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس" [رواه مسلم- 6463].

حب للناس ما تحب لنفسك

للأسف إن كثيرا من الناس يتزوج بلا ولي ومن غير علم أهل الزوجة ولا رضاهم بينما لا يرضى لو تزوجت ابنته أو أخته مثلا بلا علمه ولا رضاه!! فليتصور هذا الرجل أن يأتيه طفل فيقول له يا جدي أو يا خالي فإذا قال له: من أنت؟ فسيقول أنا ابن ابنتك أو ابن أختك!! فما موقفه حينئذ إذا حصل مثل هذا؟! واعلم أيها الغافل أنك كما تدين تدان!! فإياك أن تعبث في أعراض الناس فيتسلط عليك من يعبث في عرضك.

إدارة التوثيقات الشرعية صيانة لأعراض الناس

وحتى لا تختلط أنساب الناس ولا يعبث العابثون بالأعراض وحتى لا تتقطع الأرحام وتتشتت الأسر وحسما لمادة الفوضى اجتهدت كثير من الحكومات إلى إنشاء إدارات لتوثيق العقود الشرعية كالزواج والطلاق والخلع والرجعة وغير ذلك فلماذا لا نكون حريصين على أنفسنا؟ فنوثق كل شيء حتى إذا نشب خلاف عرف كل أحدٍ منا ما له وما عليه.

إما الحضانة وإما الزواج

للأسف الشديد أن بعض النساء إذا تطلقت من زوجها ولها أولاد وصار أولادها في حضانتها بالتأكيد ما لم تتزوج أقول للأسف تجدها تريد أن تظفر في الأمرين بحضانة أولادها وزواجها من زوج آخر!! ولهذا تلجأ إلى زواج عرفي أو بلا ولي أو نحو هذا ولتعلم أن هذا حرام فإن زواجها يسقط حضانتها فإن تزوجت سرا فقد اعتدت على حق طليقها والد أولادها ولهذه غالبا نجدها لا توفق بل يتسلط عليها زوج ظالم مثلها وينتقم الله تعالى لطليقها والواقع أكبر شاهد!!

إذن ما الحل؟

الحل إما الحضانة وإما الزواج، أما الجمع بين الأمرين فلا يمكن إلا إذا سمح طليقها بذلك. "وأسوأ من هذه حالا" تلك المطلقة التي يصرف لها راتب مطلقات ونفقة حضانة وتطمع أن تتزوج مع استمرار راتب المطلقات ونفقة الحضانة وما علمت هذه المسكينة بأنها تأكل هذا المال بالحرام!! نسأل الله العافية.

السعيد من اعتبر بغيره والشقي من اعتبر به غيره

من سوّلت له نفسه أن يتزوج بغير ولي فلينظر إلى حال من فعل مثل هذا الفعل قبل أن يُقدم على هذا الفعل المحرم وحسبنا ما نراه ونسمع به في المجتمعات الغربية من الضياع والفوضى وانتشار الفواحش والأمراض وقطيعة الأرحام وغير ذلك مما يجعل الحليم حيران ويشيب منه رأس الصبيان.

والله أسأل أن يحفظني وإياك والمسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

المقالات