موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

شياطين الجن والإنس

3 رمضان 1427 |

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإن الله تعالى أخبرنا في كتابه عن تلك العلاقة الوثيقة بين شياطين الجن والإنس، وكيف أنهم يتعاونون على الإثم والعدوان، ويعلم بعضهم بعضا، قال تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) [الأنعام- 112]. وقال تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (83)) [مريم]. وقال تعالى (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223)) [الشعراء]. فالشيطان وراء كل بلية وآفة، قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)) [البقرة]. لقد وسوس لآدم عليه السلام وزوجه حتى أخرجهما من الجنة، وأوحى إلى قوم نوح عليه السلام تصوير الصالحين والاعتكاف عندها حتى عبدوها من دون الله تعالى، وزين لقوم سبأ عبادة الشمس حتى سجدوا لها من دون الله، وأمر اليهود بالكفر بآيات الله وقتل الأنبياء، وأمر النصارى بعبادة عيسى بن مريم عليه السلام، وأمر العرب بعبادة اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، قال تعالى (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)) [يس].

أخي القارئ الكريم، إن عداوة الشيطان لبني آدم عداوة قديمة ومستمرة، قال تعالى (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)) [فاطر]. والشيطان لا يبالي بأي شيء ظفر من ابن آدم، فيأمره بالشرك الأكبر، فإن استطاع وإلا أوقعه بالشرك الأصغر، فإن استجاب له وإلا زين له الابتداع في الدين الذي هو شر الأمور، وكما قيل البدعة قرينة الشرك، فإن استطاع وإلا أمره بالكبائر، فإن استطاع وإلا أوقعه في الصغائر التي تجتمع حتى تصير كبائر، فإن استطاع وإلا أوقعه بالمكروهات وهي التي تركها أولى من فعلها والتي هي سبيل للوقوع في المحرمات، فإن أمكنه ذلك وإلا أمره وزين له كثرة المباحات إلى حد الإسراف والتبذير، قال تعالى (وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)) [الإسراء]. فمن تأمل حبال الشيطان ومكائده ودعوته وتزينه وخطواته وجد أنه لا نجاة له منه إلا إذا اعتصم بالله واستعاذ به من الشيطان الرجيم وأكثر من ذكر الله تعالى وتسلح بالعلم واعرف سبله وخطواته وكن منها على حذر.

أخي المسلم، أختي المسلمة، اعلموا بارك الله فيكم أن في رمضان الشياطين تصفد وتغلل وأي شياطين؟ حتما شياطين الجن، أما شياطين الإنس فسبحان الله نراهم يجتهدون في باطلهم في رمضان ما لم يجتهدوا بمثله قبل وبعد رمضان، وكأنهم يقومون بدورهم ودور إخوانهم من شياطين الجن!! بل إن الناظر والمتأمل إلى ما يحدث في رمضان من المعاصي والفجور ونشر البدع والمحدثات يظهر له أن الشياطين أعدت عدتها قبل رمضان لصرف الناس عن الخير العظيم في هذا الموسم الكبير، حتى ينقسم الناس في رمضان إلى مسرف على نفسه ومجتهد في طاعة ربه، ومنهم من يخلط عملا صالحا وآخر سيئا. فماذا أنت مختار لنفسك؟ أحوال الناس في رمضان بينها تفاوت كبير، فمنهم من يوفقه الله تعالى إلى صيام رمضان وقيامه إيمانا واحتسابا يجتهد في قراءة القرآن ويصل أرحامه ويُفطِّر الصائمين ويشد رحله ليعتمر عمرة تعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم ويعتكف في المسجد ملتمسا ليلة القدر، ويفعل ما يسر الله له من الأعمال الصالحة، ومنهم من يقضي رمضان مجتهدا على معصية الله ليلا ونهارا، ومنهم من يجتهد في البدع والمحدثات التي لا تزيده من الله إلا بعدا.

والخلاصة أن المسلم يجب أن يحذر من شياطين الجن والإنس مستعينا بالله مع الحرص على ما ينفعه. والله أسأل أن يوفقني وإياك والمسلمين إلى فعل الخيرات وترك المنكرات والحمد لله أولا وآخرا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات