تنبيه الآباء والأمهات عن ما يحدث في بعض الرحلات والمخيمات (٢)
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين وصلى الله وسلم على خاتم النبين وعلى آله وصحبه اجمعين أما بعد
فلقد ذكرت لك أخي القارئ اساليب بعض الجماعات والمجموعات والأحزاب الذين يؤذون كثيرا من أولياء الأمور من الآباء والأمهات بخطف أولادهم من المساجد والمدارس والمعاهد والكليات وذلك لإفساد افكارهم ومعتقداتهم باسم التدين والإستقامة ومن ثم يوجهونهم إلى ما يسمى بمشروع الجهاد وذكرت لك أن كثيرا من الآباء والأمهات يرجون أن يصلح الله أولادهم ويرجون دعوة صالحة من أولادهم وفلذات اكبادهم ، لكن قد يتفاجأون بأن بعض أولادهم قد انقلب عليهم وخرج عن سيطرتهم وطار إلى العراق أو غيرها بلا إستئذان لا من ولي الأمر ولا من الوالدين ، الأمر الذي دعاني إلى أن ابين للمسلمين خطر هؤلاء وإن كان ظاهرهم الإستقامة بل قد يوجد بينهم وفيهم من لا يحسب نفسه إلا محسنا وهنا تكمن الخطورة وتعظم البلوى ، فهم ليسوا فساقا ولا فجارا بل هم من أهل الصلاة والصيام ويقرؤن القرآن لكن مناهجهم منحرفة وطرقهم ملتوية ومنهم من يتعصب ويتحزب ولو ظهر له الحق لا يتبعه وفيهم من لا يجد نفسه إلا في هذه الأجواء فلو تخلى عن ما هو عليه لانتهى لأنه لا يحسن غير هذا الذي نشأ عليه . وقد يوجد فيهم أهل أهواء ومصالح وآخرون ينخرطون معهم من أجل جمع التبرعات !
مشروع الجهاد المزعوم
لا يشك مسلم له أدنى عناية بالعلم الشرعي أن الجهاد من اعظم الأعمال الصالحة وذروة سنام الإسلام وفضائله وأدلته اشهر من فضائل وأدلة كثير من سائر شعائر الإسلام فمن الخطأ أن نتناقش ونتناظر ونخلق خلافات ونفتح جبهات ونزرع عداوات حول أمر متفق عليه بل هذا من السفه بمكان .
لكن خلافنا مع اصحاب الجهاد المزعوم هو في مفهوم الجهاد وما أدراك ما مفهوم الجهاد ؟ ثم ما أدراك ما مفهوم الجهاد ؟ فنحن بحاجة أن نعرف :
أولا : من نجاهد ؟
ثانيا : مع من نجاهد ؟
ثالثا : متى نجاهد ؟
رابعا : أين نجاهد ؟
خامسا : إلى متى نجاهد ؟
سادسا : لماذا نجاهد ؟
سابعا : على من يجب الجهاد ؟
ثامنا : متى تكون مصلحة الجهاد اكبر من مفسدته ؟
تاسعا : متى تكون مفسدة الجهاد أكبر من مصلحته ؟
عاشرا : هل الجهاد غاية أو وسيلة ؟
الحادي عشر : هل للجهاد شروط وضوابط ؟
الثاني عشر : هل للجهاد مقدمات بين يديه؟
الثالث عشر : هل يكفي الحماس للجهاد ؟
الرابع عشر : هل هناك تلازم بين التكفير والجهاد ؟
الخامس عشر : هل نجاهد المعاهدين من الكفار ؟
السادس عشر : ومن المعاهدون ؟
السابع عشر : من يحق له أن يعاهدهم ؟
الثامن عشر : وهل نجاهد الدولة الكافرة التي بيننا وبينها عهد إذا اعتدت على دولة مسلمة ؟
التاسع عشر : هل هذه الدولة المسلمة مسلمة حقا ؟
العشرون : ما ضابط الدولة المسلمة ؟
الواحد والعشرون : ما ضابط الدولة الكافرة ؟
الثاني والعشرون : ما حكم جهاد الدولة المسلمة إذا اعتدت على دولة مسلمة ؟
الثالث والعشرون : ما حكم الإستعانة بدولة كافرة على دولة مسلمة والجهاد معها ضد دولة مسلمة معتدية ؟
الرابع والعشرون : ما حكم الجهاد بغير إذن ولي الأمر ؟
الخامس والعشرون : ما حكم الجهاد إذا نهى عنه ولي الأمر؟
السادس والعشرون : ما حكم الجهاد بغير إذن الوالدين ؟
السابع والعشرون : ما حكم الجهاد إذا نهى عنه الوالدان أو أحدهما ؟
الثامن والعشرون : ما حكم الجهاد في ارض محروقة تتنازعها قوى كبيرة متشابكة ؟
التاسع والعشرون : ما حكم الجهاد في قتال ليس له غاية معلومة إلا أننا نكاد نجزم أن نهايته لن تكون تحكيما لشريعة الله تعالى ؟
الثلاثون : لماذا أول من يتخلف عن الجهاد منظرو الجهاد الداعون إليه ؟
الواحد والثلاثون : هل يجوز للمجاهد أن يقتل نفسه ويموت منتحرا ؟
الثاني والثلاثون : هل نجاهد بأي عدد وأي عدة ؟
الثالث والثلاثون : هل يجب أن نجاهد الكفار إذا كانت قوتهم وعددهم وعدتهم اضعاف مضاعفة ما عند المسلمين ؟
اخي القارئ وفقك الله لكل خير من يجيب عن كل هذه التساؤلات ويفقه كل هذه الأحكام ويقرر في أمور الجهاد ؟
أخي القارئ الكريم وبعد هذه التساؤلات يتبين لك أن القتال أمره خطير وشأنه كبير ليس بالهزل ، فيه زهق للأرواح وهدر للأموال وسقوط للدول وذهاب للكرامات وتشريد للشعوب وانتشار للفساد لا سيما في هذا العصر الذي صنعت فيه اسلحة تحطم الجبال وتفسد البحار وتأتي على الاخضر واليابس!
فالجهاد ليس كما يظنه بعض الناس ركوب خيل وفنون قتال ورياضة في الصباح وتمثلية جهادية وكوفية فلسطينية وسراويل افغانية ثم بعد ذلك عقوق للوالدين وتكفير للولاة وتفجير بالمسلمين وتسفيه للعلماء وتنظيمات سرية وإمارة خفية وجمع للتبرعات!
بئس الجهاد جهادهم والذي أول من يتخلف عنه دعاته ومنظروه الذين يضحون بأبناء الناس وينأون بأنفسهم وبأولادهم عنه ! جهادهم الذي ما هو إلا أماني كأماني المفاليس!
شوهوا صورة الدين والمتدينين ، لا يتوقفون عن الطعن بالآخرين الناصحيين لهم والمنكرين عليهم .
لا يتورعون عن توزيع التهم والألقاب القبيحة أقلها فلان منافق وفلان قادياني وفلان مرجئ وفلان جاسوس وفلان عميل وفلان مخذل وفلان ينكر الجهاد وفلان يحب الكفار ويكره المجاهدين فلان يدور في فلك العلمانيين من حيث لا يعلم !
وهكذا تجدهم أقل الناس ورعا واكثرهم سبا وشتما وقذفا ، بل منهم من يضرب ومنهم من يقتل بل بعضهم لو بيده الموت لما تأخر به لحظة إلا ورمى به على من لا يوافقه على مشروع الجهاد !
وكأن الآخرين عندهم ليس لهم حرمة عند الله عزوجل اسأل الله أن يهديهم لرشدهم ويكفي المسلمين شرهم .
على كل حال هذا الذي دفعني إلى كشف اساليبهم اقول : يجب أن نكون على حذر شديد من هؤلاء ولعل بعض أولياء الأمور يتداركون أولادهم قبل أن يخسروهم .
واعلم أخي القارئ الكريم بأن هناك كثيرا من أهل المساجد والدكاترة في الكليات والجامعات من ليسوا على هذه الأفكار السيئة وتلك المناهج المنحرفة ولا يجوز أن نتهم كل الدعاة على حد سواء بل هناك بحمد الله من المشايخ والدعاة والدكاترة والمدرسين من يحث الشباب على العقيدة الصحيحة والتمسك بالسنة وبر الوالدين وطلب العلم ومحاسن الأخلاق والآداب المستقيمة واحترام العلماء وطاعة ولاة الأمر فالخير مازال في هذه الأمة موجودا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
أخي القارئ الكريم لقد وعدتك في المقال السابق بالإجابة على بعض الأسئلة التي قد ترد في ذهنك أو ذهن غيرك . وها أنا ذا أفي بوعدي فأقول :
أما سؤالك : لماذا تنكر عليهم الجهاد في سبيل الله ؟ فمعاذ الله أن انكر ذات الجهاد الذي يكاد يكون أمره معلوم من الدين بالضرورة لكن الجهاد مشروع بضوابطه الشرعية والتي لا يمكن الإحاطة بها والتحقق منها إلا عند اجتماع ولاة الأمر من الأمراء والعلماء وأهل الحل والعقد لا أن يترك للسفهاء والشباب المتحمسين حتى يتولوه ثم بعد ذلك نجني الكوارث من جراء سياستهم وقيادتهم الهشة الهزيلة الرديئة .
وأما سؤالك : أليس هؤلاء اخوانك ؟ أليسوا مسلمين ؟ فأقول : بلى مسلمون واخواننا ولكن ما المانع من مناصحتهم والإنكار عليهم وتحذيرهم مما هم فيه من الإنحراف والزلل فنحن لم نكفرهم ولم نسبهم ولم نشتمهم بل نتمنى لهم الهداية وأن يكونوا معنا وليسوا ضدنا
وأما سؤالك : أليس في قلبك عليهم رحمة ؟ فأقول : بلى والله في قلب كل مسلم على المسلمين رحمة ومن رحمتنا بهم أننا لا نريد أن تزهق أرواحهم بلا فائدة وأيضا في قلوبنا رحمة بالآباء والأمهات الذين ممكن أن يفقدوا أولادهم في أي لحظة باسم مشروع الجهاد بل أقول هؤلاء أولى أن نوجه لهم السؤال نفسه فنقول لهم : أليس في قلوبكم رحمة بالشباب وبآبائهم وأمهاتهم ؟!
وأما سؤالك أليس فيهم من الخير الشي الكثير ؟ فأقول : بلى ونحن لا ننكر الخير الذي فيهم وعندهم وإنما ننكر عليهم السوء والإنحرافات ، ولا منافاة بين الأمرين . فما المانع من أن تنكر على صاحب المعصية معصيته كشرب الخمر مثلا ولو كان مسلما مصليا ؟
وأما سؤالك : أليس لهم حق عليك ؟ فأقول : بلى ومن حقهم علينا أن ننصحهم وننكر عليهم خطأهم وانحرافهم بل واحذر منهم نعم احذر منهم ! لأن كلما زاد اتباعهم زادت آثامهم لذا من صالحهم أن لا تكثر ضحاياهم .
وأما سؤالك : لماذا تركت المنكرات التي في سائر المخيمات وجئت تتسلط على الأخوة في الله ؟ لماذا لا تنكر على الذين يسافرون للزنا والخمر ؟ لماذا لا تنكر على مخيمات الخمور والمخدرات والفواحش ؟ لماذا لا تنكر على الشباب المتهورين الذين يستعرضون بسياراتهم فيقتلون أنفسهم ويقتلون الآخرين ؟ فأقول :
أولآ : من قال لك أننا لا ننكر على الفساق والفجار والعصاة ؟ بل هل تظن فينا أننا نأيدهم ونشجعهم على المعاصي أو أننا نرضى افعالهم ؟
ثانيا : ما المنافاة بين أن ننكر على هؤلاء العصاة وأولئك المنحرفين ؟
ثالثا : أليس عقوق الوالدين من اكبر الكبائر ؟ الجواب : بلى فأقول : لذا نحن محقون بتحذيرنا منهم لأنهم يدعون الشباب للذهاب إلى العراق أو غيرها من غير إذن الوالدين بحجة أن استئذان الوالدين واجب وليس بشرط ومن جاهد بغير إذن والديه فجهاده صحيح . وهذا لاشك أنه عقوق
رابعا : أن المعاصي كالزنا وشرب الخمر والسفر للفواحش كل الناس يعلمون أنها حرام بل حتى العصاة أنفسهم يعلمون أن ما يفعلونه حرام ! وليس كذلك الأمر بالنسبة لدعاة الجهاد المزعوم
خامسا : أن كثيرا من الخطباء والوعاظ والدعاة والآباء يناصحون العصاة وينكرون عليهم بينما قلما تجد من ينكر على اصحاب الجهاد المزعوم !
وأما سؤالك ما البديل لأولادنا لنستغني عن هؤلاء الذين حذرتنا منهم ؟ فأقول البديل معروف ومتوفر والحمد لله فهناك كثير من الشباب المستقيمين وعندهم انشطة ودروس ومحاضرات ما يمكن للأبناء أن يستغنوا بهم عن غيرهم .
اسأل الله أن يجنبنا الفتن ماظهر منها ومابطن اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه اللهم اجعلني ممن يقول الحق ويعمل به اللهم إن كنت ما اقول به خالصا لوجهك الكريم موافقا لمرضاتك فتقبله مني وإن كنت على غير ذلك فاغفر لي جهلي واسرافي في أمري واهدني إلى صراطك المستقيم .
والحمد لله أولآ وآخرا وظاهراً وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.