يا أخ عدنان الرجوع إلى الحق خير من التمادي بالباطل
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فلقد سبق أن كتبت تنبيهات على مقابلة أجريت مع الأخ عدنان عبد القادر القادري على إحدى الفضائيات فكتب الأخ عدنان تعقيباً على تلك التنبيهات في سبع مقالات، وهأنذا أخي القارئ أكتب تعقيباً على التعقيب لبيان الحق فيما رد علي فيه الأخ عدنان وأرى أنه لم يوفق في رده بل وجدت أنه قد رد الحق وتمادى بالباطل وللأسف الشديد، وكنت والذي نفسي بيده أتمنى أن يستفيد الأخ عدنان ويرجع عن أخطائه وإلا به يضيف أخطاء جديدة وإليك وإليه بيان ذلك فأقول وبالله أستعين وعليه وحده أتوكل وإليه أنيب:
ولكن قبل البدء بالرد على الأخ عدنان سأورد للقراء الكرام كلاماً جميلاً للشيخ العلامة المفتي عبد العزيز بن باز- رحمه الله تعالى- أحببت أن أتحفهم به. قال رحمه الله تعالى:
((ولا شك أن هذا التفرق يؤلم كل مسلم ويجب على المسلمين أن يجتمعوا على الحق ويتعاونوا على البر والتقوى ولكن الله سبحانه قدر ذلك على الأمة لحكم عظيمة وغايات محمودة يحمد عليها سبحانه ولا يعلم تفاصيلها سواه ومن ذلك التمييز بين أوليائه وأعدائه والتمييز بين المجتهدين والمعرضين عنه المتبعين لأهوائهم إلى حكم أخرى)). انتهى كلامه.
[الفتاوى 3/59] في رده على الصابوني.
الوجه الثالث: المسائل التي كان رد الأخ عدنان فيها غير موفق
(1) أنكرت على الأخ عدنان استدلاله بكلام نقله عن الثعالبي صاحب كتاب العرائس وبينت حال الثعالبي وأنه لا يعتمد عليه عند أهل العمل وأنه حاطب ليل لا يميز بين الصحيح والسقيم من الأخبار والروايات وكنت أتمنى أن يعترف الأخ عدنان بخطئه هذا ولكن للأسف أخذ يبرر بتبريرات زادت الطين بلة وأضاف إلى الباطل باطلاً آخر، وإليك بيان ذلك:
أولاً: جزم الأخ عدنان بأن داود عليه السلام كان يقرأ الزبور بسبعين لحناً فلما أعترضت عليه قال: إنما نقلت ذلك عن الثعالبي للاستئناس!! فأقول: وما يدري المستمعين لك في مشارق الأرض ومغاربها بأن الثعالبي لا يعتمد عليه وقصدك بذلك الاستئناس دون بيان حال روايات الثعالبي فمثل هذا لا يجوز إلا إذا قلت يُروى وقيل ويُذكر بصيغة التمريض، أو تقول جاء في الإسرائيليات بحيث يدرك السامع أن مثل هذه الرواية لا تصدق ولا تكذب لا أن تستدل بها جازماً ثم تقول إنما ذكرت ذلك للاستئناس.
ثانياً: ثم للأسف لما قلت لك بالحرف الواحد «ثم حسب بحثنا المتواضع مع بعض الإخوة ما وجدنا حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه أن نبي الله داود عليه السلام كان يقرأ الزبور بسبعين مقاماً أو سبعين لحناً» انتهى كلامي تعقبتني بأن هذا ثابت عن ابن عباس رضي الله عنهما وللأسف زعمت بأنه «بإسناد صحيح» وهذا إما كذب وأعيذك بالله من الكذب أو خطأ وهذا هو الأقرب لكن هل ستتدارك نفسك وتنشر للناس بأنك أخطأت أو ستتمادى بالخطأ؟!
ثالثاً: الأخ عدنان كبر في نفسه أن يتراجع بعدما استدل برواية نقلها عن الثعالبي دون أن يتحقق منها ثم ذهب يبحث لعله يجد ما يسعفه ففرح كثيراً لما وقف على أثرٍ لابن عباس رضي الله عنهما وفيه أنه قال: «إن داود عليه السلام كان يقرأ الزبور بسبعين لحناً ويقرأ قراءة يطرب منها المحموم» [الفتح (9/71)]. قال الأخ عدنان قوله (وعن ابن عباس) يعود العطف على أقرب معطوف عليه وهو عبيد بن عمير، أي هذا السند عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وهذا «سند صحيح»، انتهى الشاهد من كلام الأخ عدنان.
أقول: ولو كلف الأخ عدنان نفسه قليلاً ورجع إلى الأصول لما وقع في هذا الخطأ والأدهى من ذلك وأمر إذا كان قد رجع ووجد أن هذا السند ليس لهذا الأثر لكنه تعمد أن يركب سنداً على متن ليس له. وعلى كل حال الأخ عدنان بين أمرين أحلاهما مرٌّ، فقد نشر للناس أن الأثر صحيح ويجب الأخذ به كما نأخذ بأثر ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير للكرسي بأنه موضع قدمي الرب تبارك وتعالى!!
فأقول: لا يستوي السقيم والصحيح، فأثر ابن عباس في قراءة داود عليه السلام الزبور على سبعين لحناً ضعيف جداً كما بين ذلك الدكتور عبد العزيز بن ندى العتيبي وفقه الله في مقاله «الإيضاح والبيان لما التبس على الأخ عدنان» المنشور في صفحة الإبانة من جريدة الوطن بتاريخ 29 ربيع الأول 1431هـ الموافق 15/3/2010 في العدد 12282/6728 السنة 48 مما يغني عن إعادته فليرجع إليه من شاء. فأقول: كيف تجرأت يا أخ عدنان وركبت عليه إسناداً غير إسناده وصححته وأذعته بين الناس؟! فإن كنت قد فعلت هذا متعمداً وأعيذك بالله أن تتعمد هذا الفعل الذي لا يفعله إلا الوضاعون فعليك التوبة النصوح إلى الله تعالى، وإن كنت قد أخطأت فارجع إلى الحق خير لك من التمادي بالباطل.
الرجوع إلى الأصول
يا أخ عدنان إذا أردت إثبات ما تدعيه من صحة أثر ابن عباس فعليك أن ترجع إلى الأصول التي روى أصحابها الأحاديث والآثار بالأسانيد لا أن تنقل عن ابن القيم الذي نقل عن ابن بطال أو تنقل عن ابن حجر الذي نقل عن ابن بطال أيضاً وأكاد أجزم لو أنك رجعت إلى الأصول لما وقعت في مثل هذا الخطأ الشنيع الذي لا يخفى على أصغر طلاب العلم لكن لعل العجلة التي لا خير فيها أوقعتك بمثل هذا.
رابعاً: ومن قبيح ما صنعت يا أخ عدنان أنك قلت في مقالك السابع بالحرف الواحد بعد أن نقلت اثر ابن عباس عن ابن القيم قلت: إسناده صحيح (1/489) فأوهمت القراء أو بعضهم كأن القائل إسناده صحيح هو ابن القيم ولست أنت وكان الواجب أن تكتب هكذا (1/489) ثم تقول و إسناده صحيح. فإن كنت فعلت هذا متعمداً فيجب عليك أن تتوب إلى الله توبة نصوحاً وأعيذك بالله أن تتعمد هذا التدليس وإن كنت لم تتعمد ذلك فهذا خطأ فاحش لا تعد لمثله أبداً.
خامساً: بعد أن قلت لي أين أمانة النقل وعاتبتني لعدم نقلي عن ابن القيم أثر ابن عباس مع أني لم أقل لم يرد عن ابن عباس وإنما قلت بالحرف الواحد «ما وجدنا حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم» لكن العجيب تنقل خطأ ثم تطرح علي سؤالاً وبكل ثقة فتقول بالحرف الواحد: «فأين عدم الأمانة في النقل؟» يا أخ عدنان بما أنك طلبت أن أبين لك عدم أمانتك بالنقل- مع ما سبق بينته لك- فأقول:
(أ) نقلت عن فتح الباري وزاد المعاد وتركت الأصول التي روت أثر ابن عباس بالسند.
(ب) ركبت سند ابن جريج عن عطاء على أثر ابن عباس وليس الأمر كذلك.
(ج) نقلت عن ابن حجر رواية عبيد بن عمير والتي نصها قال: «كان داود عليه السلام يتغنى- حين يقرأ- ويُبْكي ويُبَكّي» وتركت الرواية التي نقلها ابن القيم في زاد المعاد ونصها «كان لداود نبي الله صلى الله عليه وسلم معزفة يتغنى عليها يُبْكِي ويُبَكّي» مع أن ابن القيم لم يستدل بها وإنما ذكر أدلة من قال بالتلحين ولعلك أعرضت عن هذا اللفظ لأن جاء فيه ذكر كلمة «معزفة» والتي استنكرها بعض أهل العلم فاستحييت أن تنقلها واكتفيت بنقل ابن حجر!! وبعد هذا هل عرفت أنك لست أميناً في النقل؟!!
رأي لجنة الإفتاء في (حقيقة الإيمان بين غلو الخوارج وتفريط المرجئة)
يا أخ عدنان فكيف تريد الناس بعد هذا يثقون بك وقد اشتهر عنك هذا الأمر فمنذ ما يقارب عشر سنوات نصحتك اللجنة الدائمة للإفتاء وأنكروا عليك عدم الأمانة في النقل وسوء التصرف بالنصوص كما في الفتوى رقم (21435) وجاء فيها:
السؤال: يسأل السائل عن كتاب بعنوان: (حقيقة الإيمان بين غلو الخوارج وتفريط المرجئة) لعدنان عبد القادر، نشر جمعية الشريعة بالكويت؟
الجواب: هذا الكتاب ينصر مذهب المرجئة الذين يخرجون العمل عن مسمى الإيمان وحقيقته وأنه عندهم شرط كمال، وأن المؤلف قد عزز هذا المذهب الباطل بنقول عن أهل العلم تصرف فيها بالبتر والتفريق وتجزئة الكلام وتوظيف الكلام في غير محله والغلط في العزو كما في ص (9) إذ عزا قولا للإمام أحمد رحمه الله تعالى وإنما هو لأبي جعفر الباقر... إلخ آخر ما جاء في ذكر الأمثلة إلى أن قال: إلى آخر ما في هذا الكتاب من مثل هذه الطوام مما ينصر مذهب المرجئة وإخراجه للناس باسم مذهب أهل السنة والجماعة لهذا فإن هذا الكتاب يجب حجبه وعدم تداوله وننصح مؤلفه أن يراجع نفسه وأن يتقي الله بالرجوع إلى الحق والابتعاد عن مواطن الضلالة وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
عضو: بكر بن عبد الله أبو زيد
عضو: عبد الله بن غديان
عضو: صالح الفوزان
أقول: للأسف ما زلت يا أخ عدنان على هذه الحال غفر الله لك وأرشدك إلى رشدك.
(2) نقل الأخ عدنان كلاماً جميلاً عن شيخ الإسلام ابن تيمية من مجموع الفتاوى (18/ 66) أنه قال: «إذا روي حديث في فضل بعض الأعمال المستحبة وثوابه وكراهية بعض الأعمال وعقابها: فمقادير الثواب والعقاب وأنواعه إذا روي فيها حديث لا نعلم أنه موضوع جازت روايته والعمل به بمعنى أن النفس ترجو ذلك الثواب أو تخاف ذلك العقاب كرجل يعلم أن التجارة تربح، لكن بلغه أنها تربح ربحاً كثيراً، فهذا إن صدق نفعه وإن كذب لم يضره، ومثال ذلك الترغيب والترهيب بالإسرائيليات والمنامات وكلمات السلف والعلماء ووقائع العلماء ونحو ذلك مما لا يجوز بمجرده إثبات حكم شرعي لا استحباب ولا غيره لكن يجوز أن يذكر في الترغيب والترهيب والتخويف» انتهى كلام شيخ الإسلام.
وأقول: يا أخ عدنان لماذا لا تطبق هذا الكلام في صيام الست من شوال؟ فدع الناس يصومون ستاً من شوال فإن حصل لهم كصيام الدهر مع صومه رمضان فبها ونعمتْ، وإن لم يحصل لهم فما ضرهم شيء، وحديث صيام شوال في صحيح مسلم وله شواهد صحيحة كحديث ثوبان وحديث جابر رضي الله عنهما، وليس من الإسرائيليات ولا المنامات، أعانك الله يا أخ عدنان على اتباع الحق.
(3) تعقبت الأخ عدنان بما طلع على الناس به من أن أخاه الذي أكبر منه شككه ذات يوم بوجود الله تعالى وذكر أنه كان يجالس العلمانيين والليبراليين وناقشه عن وجود الله من بعد الظهر حتى قبل إقامة صلاة العصر بخمس دقائق وكان الأخ عدنان آنذاك في الثالثة عشرة من عمره، وقلت له هذا الأسلوب لا يجوز وليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، إذ كيف يحق لأحد أن يشكك صبياً في الثالثة عشرة من عمره بوجود الله تعالى، ولكن للأسف وكعادة الأخ عدنان لا يعترف بأخطائه لذلك لم يعترف بأن التشكيك بوجود الله تعالى لا يجوز بل أغرب جداً عندما استدل بقصة نبي الله إبراهيم عليه السلام لما كان يناظر قومه بإبطال ألوهية الكواكب والأصنام فشككهم بالكوكب والقمر والشمس ثم أقام عليهم الحجة بوحدانية الله تعالى فلا أدري كيف عكس الأخ عدنان الأمر فجعل التشكيك بالآلهة الباطل لإحقاق الحق كالتشكيك بالله عز وجل؟!
يا أخ عدنان أسلوب أخيك أسلوب غير شرعي ولا أدري ما يضرك لو اعترفت أنك أخطأت، فمن ذا الذي يرضى أن يأتي مدرس لابنه في الثالثة عشرة من عمره ويشككه بوجود الله تعالى؟! وهل هذا إلا أسلوب الشياطين؟ لما أخرجه البخاري في صحيحه (3276) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا من خلق كذا حتى يقول من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته»، والواجب أيضاً ألا نتفكر بذات الله تعالى فضلاً عن أن نشكك بوجوده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تفكروا في آلاء الله ولا تفكروا في ذات الله» أخرجه البيهقي من حديث عمر رضي الله عنه وحسنه الألباني كما في «صحيح الجامع 2975» وفي حديث آخر «تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله» أخرجه ابو نعيم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وحسنه الألباني (صحيح الجامع 2976)، فعليك يا أخ عدنان بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ودع عنك طريقة العلمانيين والليبراليين ولا تبرر لهم بمثل قصة إبراهيم عليه السلام فلقد أخطأت بذلك.
أخي القارئ تابعني في الأسابيع القادمة إن شاء الله تعالى لإتمام التعقيب على التعقيب، والله أسأل أن يهدي الأخ عدنان ويوفقه إلى الرجوع للحق وعدم المكابرة. والحمد لله أولا وآخرا وظاهراً وباطناً وصلى الله عليه نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.