«فماذا بعد الحق إلا الضلال» الاشاعرة على حق أم على ضلال؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فلقد كتب الأخ د. عصام عبد اللطيف الفليج مقالاً في زاويته «آن الأوان» في «الوطن» بعنوان «الأشاعرة والماتريدية» ولم يوفق فيه حيث تخيل ما لا حقيقة له وبنى مقاله عليه.
فاستعنت بالله تعالى على كتابة مقالي هذا نصيحة له ولكل قارىء يقف على كلامي فأقول:
أولاً: من هم الأشاعرة والماتريدية أولئك الذين تدافع عنهم أيها الأخ الفاضل؟ فإن عامة المسلمين لا يعرفون من هؤلاء ولا عقيدتَهم!! وجرب بنفسك فاسأل شريحة من المثقفين فضلاً عن العامة؛ لتدرك أنك تدافع عن الأشاعرة والماتريدية وهم مجهولون عند جمهور المسلمين.
ثانياً: هل أنت أشعري أم ماتريدي؟ وما الفرق بينهما؟
ثالثاً: ما الدافع إلى ما كتبته؟ هل الأمر كما قلت؟ لأن هناك من استغرق في تكفيرهم؟ إن كان الأمر كذلك فمَن هؤلاء الذين يكفَّرون الأشاعرة يا أخي الدكتور؟ ومن أي مصدر علمت تكفيرهم؛ لأن من المقرر أن أهل السنة لا يكفرون الأشاعرة والماتريدية، ولا يمنعون التعامل معهم ولا الصلاة خلفهم. فإن كنت على يقين من أن أحداً كفَّرهم أو منع التعامل معهم فبيِّن لنا ذلك! أمَّا أن تدَّعي هذه الدعوة المجردة، والتي هي أقرب إلى الخيال، فهذا غير مقبول في جميع المقاييس والأعراف.
رابعاً: أخي الدكتور عصام، مقالك خرج عن الأسلوب العلمي المتبع في النقد والرد والتقرير، فإن كنت كتبته بنفسك فعزز ما تقول بالأدلة واذكر المراجع، فلا يكفي أن تنقل كلاماً من «الإنترنت» لا تعلم حقيقته، فمثلاً نقلتَ «أن شيخ الإسلام ابن تيمية قد تتلمذ على كثير من العلماء الأشاعرة»، فمَن هؤلاء العلماء؟ وماذا درس عليهم؟ فإنَّ لكل عالم شيوخاً وتلاميذ يذكرون في ترجمته، ثم ماذا قرأ عليهم؟ وماذا أخذ عنهم؟ فهل تستطيع أثبات ما قلت إنه تتلمذ على كثير من الأشاعرة؟
خامساً: لا يخفى على من له أدنى معرفة بشيخ الإسلام أنه تصدى للأشاعرة، ورد عليهم وأبطل تأويلاتهم وتحريفاتهم، فما رسالته التدميرية التي تدمر كل أشعري بإذن ربها إلا أكبر شاهد على عدم تبنيه وقبوله لعقيدة الأشاعرة، بخلاف ما يُشْعِرُ به قولكم «إنه تتلمذ على كثير من علماء الأشاعرة»، فهذا لا علاقة له بالتهوين من أخطائهم في العقيدة.
سادساً: لقد ذكرتَ أخي الدكتور أن الأشاعرة «قد خالفواالصواب» وأنهم «معذورون في اجتهادهم وإن أخطأوا الحق»، وإن منهم من «غلا في التعطيل ووافق الجهمية»، وهذا ما لا يوافقك عليه الأشاعرة! لأنهم يزعمون أنهم على الحق، وأنهم قد نزهوا الله تعالى عما لا يليق به، فحرفوا أكثر صفات الله تعالى، وليس كما زعمت أنهم «أوَّلوا بعض صفات الله سبحانه». فإن كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ . . . . وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم. فجمهور الأشاعرة لم يثبتوا من صفات الله سوى سبع صفات، وهي القدرة والعلم والإرادة والحياة والسمع والبصر والكلام، وحرفوا سائر صفات الرب عز وجل، وإثباتهم لما أثبتوه لِدلالة عقولهم عليها لا لأنها في الكتاب والسنة. حتى صفة الكلام لله تعالى فإنهم يوافقون المعتزلة، فمنهم من يقول «مخلوق» راجع جوهرة التوحيد يا أخي الدكتور!! وكثير منهم يقول هو معنى قائم بالنفس، ويلزم من هذا أن الله لم يتكلم!!
سابعاً: إذا الأشاعرة خالفوا الصواب وأخطأوا إذن هم على ضلال؛ لأن الله تعالى يقول: (فماذا بعد الحق الا الضلال) [سورة يونس (32)]. فبما أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأئمة الإسلام من التابعين ومن بعدهم على الحق ولا شك؛ فمن خالفهم فهو على ضلال وهذا مُسَلَّمٌ به، فلا يغرنك من قال لك غير هذا، ولا تغتر بكثرة من ضل في هذا الباب، ولو كانوا علماء ممن ذكرت أسماءهم، فهؤلاء ليس منهم أحد من علماء القرن الثالث فضلاً أن يكونوا من الصحابة أو التابعين، واعلم أن أبا الحسن الأشعري رحمه الله تعالى توفي في الربع الأول من القرن الرابع في سنة 324 هـ، وقبله لم يكن في الأمة أشعري واحد، فتأمل هذا واسألِ اللهَ تعالى الهداية والتوفيق.
ثامناً: الأشعرية تولدت من المعتزلة فقد كان مؤسِّسُها أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى معتزلياً ثم أشعرياً ثم تراجع عن تلك العقائد الضالة إلى عقيدة السلف، وكتب رسالته الإبانة، وأعلن تراجعه عن عقيدته وبيَّن أن الحق ما قال به إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى.
تاسعاً: احذر يا أخي يا دكتور عصام أن يقحمك أولئك الذين ورطوا «الفنان المطرب التائب» والذي مضى على توبته ثلاثون سنة بعد أن عرفه القاصي والداني بأنه لا يحسن من العلم شيئاً سوى التجويد، وإلا به يخرج للناس بمجلد كبير فيه تقرير باطل أن الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة!! ومن نظر في مقالك يظهر له أحدُ الأمرين؛ إما أنك تتكلم بلا علم كما زعمت أن هناك من منع التعامل مع الأشاعرة، وهناك من استغرق في تكفيرهم، ولك مهلة سنة كاملة إن أثْبَتَّ هذا عن أحد معتبر من أهل السنة قال بهذا. والاحتمال الثاني وهو الأقرب أن هناك من ورطك بهذا كما ورط «الفنان المطرب التائب»!!
عاشراً: يا أخي الدكتور، لقد أفتى علماؤنا بجواز الاستعانة بالكفار لدفع الصائل المعتدي، وهذا أمر لايخفى عليك، فكيف نخالفك في جواز القتال تحت راية الأشاعرة؟! ولماذا تستدل «بالبطل نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي»؟! بل أغرب من ذلك أن تغرَّ الناس أنت ومن تنقل عنهم كون شراح البخاري ومسلم من الأشاعرة. فهل هذا يجعل الباطل حقاً؟ ولماذا تستدل بالشراح المتأخرين على صلاحية عقيدة الأشاعرة، ولا تستدل بالبخاري ومسلم الَّذيْن تُوفيا قبل ولادة الأشعري؟!
الحادي عشر: ثم تقول أخي الدكتور عصام: ((كما ينبغي الرجوع إلى أصحاب العلم الشرعي الحقيقي في مثل هذه القضايا)) فأقول : فهلَّا فعلت هذا بنفسك أخي الدكتور؟! ونصيحتي لك أن ترجع إلى أقوال العلماء المتقدمين، فكُتب العقائدِ متوفرة، والحمد لله، وارجع إلى المحققين من علماء الأمة، وإياك أن تغتر ببعض من لم يعرف بعلم العقيدة وإن كان عالماً في أبواب أخرى، فقد يكون عالماً في الحديث أو اللغة أو الأصول أو الفقه أو التاريخ، لكنْ له اخطاؤه الواضحة في العقيدة، فيغرك بعض الغشاشين فيقول: فلان وفلان وفلان أشاعرة!! فأقول: وإن كان هؤلاء ومئات أضعافهم أشاعرةً، فهل سيكون الحق معهم؟! أخي الكريم هذه أساليب يجب أن تتفطنَ لها وتَحْذَرَ منها، فأنت إذا اشتكيت من مرض في بطنك لا تقصد طبيب الأسنان ليعالجك -وإن كان طبيباً- وإذا أردت بناء منزل فإنك لا تقصد مهندساً ميكانيكياً ليرسم لك خارطة البناء -وإِن كان مهندساً-فكيف إذا أردت أن تعرف العقيدة تعتمد على «مدرس تجويد» ليقرر لك إن كان أهل السنة هم الأشاعرة أم غيرهم؟!
الثاني عشر: أخي الدكتور هذه نصيحة لك وأعظك أن تقرأها «منفرداً متجرداً للحق»، فإن أدركت الخطأ فارجع إلى الحق فهذا خير لك.
والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.