موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

ما يجوز وما لا يجوز من الغيبة

17 جمادى الآخرة 1431 |

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فلقد سبق ان ذكرت لك أخي القارئ بأن الغيبة من كبائر الذنوب وذكرت لك الأدلة من الكتاب والسنة وعرفتَ ان الغيبة كما عرَّفها النبي صلى الله عليه وسلم «ذكرك أخاك بما يكره ولو كان فيه ما تقول»، وأن البهتان والباطل هو ذكرك أخاك بما ليس فيه. وفي مقالي هذا سأبين لك ان هذه الغيبة المحرمة يستثنى منها حالات ومواضع ذكرها العلماء تباح فيها الغيبة كما قال النووي رحمه الله تعالى: «اعلم ان الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول اليه الا بها وهو ستة أسباب». يشير رحمه الله تعالى الى ما جمعه بعض أهل العلم بقوله:

القدح ليس بغيبة في ستة : تظلم - معرفٍ - ومحذرِ -ولمظهرٍ فسقاً - ومستفتٍ - ومن طلب الاعانة في ازالة منكرِ

[غذاء الألباب (1/109)]

والذي يعنيني في هذا المقال ان أبين لك أخي القارئ ان الغيبة تجوز اذا كانت من باب التحذير، كما قال النووي رحمه الله تعالى: (الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم وذلك من وجوه: منها: المشاورة في مصاهرة انسان أو مشاركته أو ايداعه أو معاملته أو غير ذلك أو مجاورته، ويجب على المشاوَر ألا يخفي حاله بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصيحة، ومنها اذا رأى متفقها يتردد الى مبتدع، أو فاسق يأخذ عنه العلم وخاف ان يتضرر المتفقه بذلك، فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط ان يقصد النصيحة، وهذا مما يغلطُ فيه، وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد، ويلبس الشيطان عليه ذلك ويخيل اليه أنه نصيحة فليُفطن لذلك) انتهى كلامه [رياض الصالحين (450-451)]. أخي القارئ اذا عرفت هذا تبين لك خطأ كثير من الناس الذين يظنون ان من يقوم بواجب النصيحة ويحذر المسلمين من أصحاب العقائد الضالة والمناهج المنحرفة أنه يغتاب الناس بغير حق، كما تبين لك خطأ من يستطيل بأعراض الناس بدافع الحسد أو الجهل ويظن بنفسه أنه يحسن صنعاً والأمر دقيق جداً، فالأصل تحريم الغيبة ويستثنى منها ما كان للضرورة كسائر المحرمات. ومن العجيب- والعجائب كثيرة- ان من الناس من يحرم الغيبة على غيره ويبيحها لنفسه، بينما ينتقد الناس لا يسمح لأحد ان ينتقده بحجة ان هذه غيبة فيا ليت شعري لماذا لم تعتبر انتقادك للناس غيبة لهم؟! فان قلت انما انتقدهم لتغيير المنكر أو أنكر عليهم ما هم عليه من الباطل فسنقول لك أيضاً الآخرون ينكرون عليك المنكر وما أنت عليه من الباطل.

لا يجوز ان تغتاب من اغتابك

اعلم رحمك الله تعالى ان الغيبة حرام لحق الله تعالى فيحرم عليك ان تغتاب من اغتابك، لذا يقول الله عز وجل (ولا يغتب بعضكم بعضاً). واليك هذا القول الجميل لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول: (فلهذا كان أهل العلم والسنة لا يكفرون من خالفهم وان كان ذلك المخالف يكفرهم، لأن الكفر حكم شرعي، فليس للانسان ان يعاقب بمثله، كمن كذب عليك وزنى بأهلك ليس لك ان تكذب عليه وتزني بأهله، لأن الكذب والزنا حرام لحق الله، وكذلك التكفير حق لله فلا يُكفر الا من كفره الله ورسوله) [انتهى كلامه من كتاب (الاستغاثة في الرد على البكري- 252)].

ما الذي يمنع الإنسان من اتباع الحق؟!

أخي القارئ الكريم وَقَفْتُ على كلام نفيس للعلامة الامام عبدالرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، قال رحمه الله تعالى: (
ومخالفة الهوى للحق في الاعتراض بالحق من وجوه: 
 الأول: ان يرى الانسان ان الاعتراف بالحق يستلزم اعترافه بأنه كان على باطل، فالانسان ينشأ على دين أو اعتقاد أو مذهب أو رأي يتلقاه من مربيه ومعلمه على أنه حق فيكون عليه مدةً، ثم اذا تبين له أنه باطل شق عليه ان يعترف بذلك، وهكذا اذا كان آباؤه أو أجداده أو متبوعه على شيء، ثم تبين له بطلانه، وذلك أنه يرى ان نقصهم مستلزم لنقصه، فاعترافه بضلالهم أو خطئهم اعتراف بنقصه، حتى أنك لترى المرأة في زماننا هذا اذا وقفت على بعض المسائل التي كان فيها خلاف بين أم المؤمنين عائشة وغيرها من الصحابة أخذت تحامي عن قول عائشة، لا لشيء الا لأن عائشة امرأة مثلها، فتتوهم أنها اذا زعمت ان عائشة أصابت وأن من خالفها من الرجال أخطأوا، كان في ذلك اثبات فضيلة لعائشة على أولئك الرجال، فتكون تلك فضيلة للنساء على الرجال مطلقا، فينالها حظ من ذلك، وبهذا يلوح لك سر تعصب العربي للعربي !! والفارسي للفارسي !! والتركي للتركي !! وغير ذلك.حتى لقد يتعصب الأعمى في عصرنا هذا للمعري.
 الوجه الثاني: ان يكون قد صار له في الباطل جاه وشهرة ومعيشة، فيشق عليه ان يعترف بأنه باطل فتذهب تلك الفوائد.
 الوجه الثالث: الكبر، يكون الانسان على جهالة أو باطل، فيجيء آخر فيبين له الحجة، فيرى أنه ان اعترف كان معنى ذلك اعترافه بأنه ناقص، وأن ذلك الرجل هو الذي هداه، 
ولهذا ترى من المنتسبين الى العلم من لا يشق عليه الاعتراف بالخطأ اذا كان الحق تبين له ببحثه ونظره، ويشق عليه ذلك اذا كان غيره هو الذي بين له.
 الوجه الرابع: الحسد، وذلك اذا كان غيره هو الذي بين الحق فيرى ان اعترافه بذلك الحق يكون اعترافا لذلك المبين بالفضل والعلم والاصابة، فيعظم ذاك في عيون الناس، ولعله يتبعه كثير منهم، وان لتجد من المنتسبين الى العلم من يحرص على تخطئة غيره من العلماء ولو بالباطل، حسدا منه لهم، ومحاولة لحط منزلتهم عند الناس).
انتهى كلامه [من كتاب القائد الى تصحيح العقائد ص 17-16]. اللهم ارنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وأرزقنا اجتنابه، والحمد لله أولا وآخرا وظاهراً وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات