موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

الفرق بين المراقبة والتجسس

16 رجب 1431 |

الحمد لله الحيي الستير، والصلاة والسلام على رسوله الداعي الى خير مصير وعلى آله وصحبه على خير مسير أما بعد:

فلقد أثير أخيرا في بعض وسائل الاعلام موضوع استعمال أجهزة التنصت والمراقبة أقول: ان كثيرا من الناس يخلط بين المراقبة والتجسس، فالمراقبة مشروعة وهي من باب الحراسة للحفاظ على الأشياء الثمينة
 والمحافظة على الحدود من أجل حفظ البلاد من المتسللين ونحوهم وهذا الأمر لا بأس به وقد يصل الى درجة الوجوب اذا دعت الحاجة الى ذلك. 
أما التجسس والمقصود منه كشف عورات الناس وتتبع تصرفاتهم فهذا حرام وقد نهى الله عنه ورسوله.

قال تعالى {يا أيُّها الّذِين آمنُوا اجْتنِبُوا كثِيرًا مِن الظّنِّ ان بعْض الظّنِّ اثْمٌ ولا تجسّسُوا ولا يغْتبْ بعْضُكُمْ بعْضًا أيُحِبُّ أحدُكُمْ ان يأْكُل لحْم أخِيهِ ميْتًا فكرِهْتُمُوهُ واتّقُوا اللّه ان اللّه توّابٌ رحِيمٌ (12)} [الحجرات]، 
ولو تدبرنا هذه الآية لظهر لنا معنى لطيفاً ففي البداية نهانا الله عز وجل عن سوء الظن الذي يحمل صاحبه على التجسس وذلك ليتأكد من صحة ظنه بالآخرين فاذا اكتشف شيئا ما وصار عنده الظن يقينا حمله ذلك على الغيبة المحرمة شرعا وهي ذكر الناس بما يكرهون وقد وصف الله تعالى المغتاب بأنه يأكل لحم أخيه ميتا.

فبداية الشر سوء الظن ثم التجسس ثم الغيبة.


واليك هذين الحديثين في تحريم التجسس: 
قال أبُو هُريْرة رضي الله عنه 
يأْثُرُ عنْ النّبِيِّ صلّى اللّهُ عليْهِ وسلّم قال «ايّاكُمْ والظّنّ فانّ الظّنّ أكْذبُ الْحدِيثِ ولا تجسّسُوا ولا تحسّسُوا ولا تباغضُوا وكُونُوا اخْوانًا ولا يخْطُبُ الرّجُلُ على خِطْبةِ أخِيهِ حتّى ينْكِح أوْ يتْرُك»
 [رواه البخاري٥١٤٣
- رواه مسلم ٢٥٦٣

]، و
عنْ ابْنِ عُمر رضي الله عنهما قال
: صعِد رسُولُ اللّهِ صلّى اللّهُ عليْهِ وسلّم الْمِنْبر فنادى بِصوْتٍ رفِيعٍ فقال:
 «يا معْشر منْ أسْلم بِلِسانِهِ ولمْ يُفْضِ الْايمانُ الى قلْبِهِ لا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِين ولا تُعيِّرُوهُمْ ولا تتّبِعُوا عوْراتِهِمْ فانّهُ منْ تتبّع عوْرة أخِيهِ الْمُسْلِمِ تتبّع اللّهُ عوْرتهُ ومنْ تتبّع اللّهُ عوْرتهُ يفْضحْهُ ولوْ فِي جوْفِ رحْلِهِ» [رواه الترمذي 2032
 وقال الألباني حسن صحيح في صحيح سنن الترمذي]
. ولو تأملنا في حكمة الله البالغة في تحريم التجسس لوجدنا العجب العجاب !
وذلك لأن التجسس غالبا ما تعقبه الحسرة والندامة فقد يكتشف الرجل زوجته أو ابنه أو ابنته أو اخته أو ربما يكتشف أمه أو أباه على سوء فيحتار كيف يتصرف، فتجده بين أمرين احلاهما مر أو أنه بين نارين ان سكت مات حسرة وقهرا وان تكلم بطش أو قتل وباء بالاثم والفضيحة حتى لتجده يقول بلسان حاله أو مقاله ليتني مت قبل ان اكتشف كذا وكذا.


وكم من حالة طلاق وتشتت وضياع كان سببها التجسس المحرم؟!
 ثم لو كان التجسس محمودا لما أمر الله ورسوله بالستر كما في حديث أبِي هُريْرة قال: 
قال رسُولُ اللّهِ صلّى اللّهُ عليْهِ «‏ ‏من ‏ ‏نفس ‏ ‏عن مؤمن ‏ ‏ كربة ‏ ‏من ‏ ‏ كرب ‏ ‏الدنيا ‏ ‏نفس ‏ ‏الله عنه ‏ ‏ كربة ‏ ‏من ‏ ‏ كرب ‏ ‏يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن سلك طريقا ‏ ‏يلتمس ‏ ‏فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» [رواه مسلم ٤٨٦٧]. وأقول أيضا: العجيب والغريب ان بعض النساء يتجسسن على أزواجهن !!
وهذا اشد من الحكم الأول لأن المرأة ليست مسؤولة عن زوجها فبأي حق تتجسس عليه؟! بل هذا الفعل من المرأة عادة ما يدل على سوء خلقها ويدل على ان الشيطان قد عبث بها فأمرها بمتابعة زوجها ومطاردته بطريقة محرمة 
والواجب على الزوجة ان تحرص على زوجها فتعينه على التقوى وتذكره بالله وتوقظه للصلاة 
قال الله تعالى: {انّ الصّلاة تنْهى عنِ الْفحْشاءِ والْمُنْكرِ} [العنكبوت: 45].

أختاه اعلمي ان زوجك اذا استقام في دينه استقام في خلقه وحينئذ لن يخونك بممارسة الفواحش .. اسأل الله ان يحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

بين الجزائري والكلباني


قبل ربع قرن من الزمن حضرت درسا للواعظ في 
المسجد النبوي الشيخ أبو بكر الجزائري أحسن الله له الخاتمة وسئل عن مسألة شرعية فقهية فقال:
 (أخذنا تقريرا في هذه المسألة وذهبنا به الى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز هذا الشيخ الذي يعرفه سيشعر بظلمة بعد وفاته)!!

اخي القارئ حقا لقد رأيت هذه الحقيقة جلية واضحة فكلما ظهر أحد بفتنة أو رأي رديء قال الناس لو كان الشيخ ابن باز حيا ما اجترأ فلان ان يبوح بهذا القول. 
وفي هذه الأيام ظهر علينا القارئ عادل بن سالم الكلباني هداه الله لرشده فقال بجواز الغناء والمعازف. وهذا الأمر ليس غريبا بعد وفاة الشيخ ابن باز رحمه الله. 
فو الله الذي لا اله الا هو ما كان يتجرأ الكلباني ولا غيره على هذا الطرح. والامر لم يقتصر على القول بجواز المعازف بل تعداه الى ان قال عن 
العلماء: (اصابتهم جرثومة التحريم) !!
 ولا أدري لماذا الكلباني اقحم نفسه في هذه المسألة ولم يترك الناس على ما هم عليه في اتباعهم لعلمائهم.


اسأل الله ان يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن 
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه واجمعين
.

المقالات