مفكر إسلامي!!
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن من الحِكَم القديمة قول القائل ((يُفْسِدُ الدينَ نصفُ فقيه، ويفسد البدن نصف طبيب، ويفسد الكلام نصف نحوي)). ولقد صدق بما نطق، فيا ليت شعري، هذا نصف فقيه يفسد الدين، فماذا يقال عن قوم عندهم ثقافة وليس عندهم علم ! ليسوا بأنصافِ فقهاء، ولا علاقة لهم بالكتاب والسنة، لا رواية ولا دراية، ومع ذلك قادة وسادة يأمرون فيطاعون، ويُنَظِّرون وأتباعهم يُنَفِّذون، سعوا سعياً حثيثاً لسحب البساط من تحت العلماء، فأطاعهم بعض السفهاء، لقبوا أنفسهم بألقاب تدثروا بها لإخفاء جهلهم بالدين، وكان من أبرز ما تلقبوا به أو لقبوهم به أتباعُهم أن قالوا ((المفكر الإسلامي))!
أخي القارئ الكريم، لو تصفحت كتب التراجم والسير ونظرت في تاريخ العلماء منذ عصر الصحابة إلى يومنا هذا لوجدت أبرز ما يذكر في سيرة العالم وترجمته أنه حفظ كذا وكذا، وقرأ كذا وكذا، وتتلمذ على فلان وفلان، فيُذْكَر له شيوخ وتلاميذ ورحلات في طلب العلم وغير ذلك لبيانِ كيف اكتسب العلم وما هي مصادره، ومن شهد له بذلك. بينما نجد آخرين لا تاريخ لهم ولا نشأة علمية ولا مشايخ ولا تلاميذ، ولا قرأ ولا حفظ ولا تعلم، ولا علم ولا جذور ولا أغصان، وكأنه فطر نبت في الصحراء، وإلا به عالم ومنظّر وقيادي و .. و ..و ..إلخ من الألقاب الكبيرة والدرجة الرفيعة، فإن قيل لا ينطبق عليه صفة العلماء ولا سيرته سيرة عالم، قالوا إنه ((مفكر إسلامي))!! إن هذا لشيء عجاب، وماذا عساه أن يكون هذا المفكر، ليس بعالم ولا فقيه ولا مفسر ولا محدث ولا حتى مؤرخ، إذن ماذا؟ ولماذا له هذه المكانة؟ ولماذا أصبح فوق مستوى النقد؟ ولماذا يُعطى نوعاً من القداسة؟
أخي القارئ، كنت أتمنى أن أكتفي بالإشارة دون صريح العبارة، لكن لَمَّا كان القراء يتفاوتون في استنباط المقصود؛ أكتفي أن أزيد في الإشارة بنوع من صريح العبارة فأقول إنما قصدت صاحب كتاب «الظلال» وأمثاله!! والآن راجع ما ذكرته لك آنفاً هل لهذا (المفكر) تاريخ علمي، وهل له شيوخ وتلاميذ، هلَّا تعلم التفسير حتى يفسر القرآن؟! فإذا قلنا هذا ليس تفسيراً للقرآن، قالوا نعم ليس تفسيراً للقرآن، حتى كاتبه قال: في ظلال القرآن، ولم يقل تفسير القرآن، لا إله إلا الله، ما أجرأهم على الله والقول عليه سبحانه وتعالى بغير علم! ليس تفسيراً للقرآن ثم تقولون هو أفضل كتابٍ كُتبَ في التفسير الموضوعي للقرآن، ثم تضعونه ضمن مراجع التفسير وتعتمدون عليه في دعوتكم ومنهجكم!!
أخي القارئ، هذا نموذج من نماذج القوم الذين يتلاعبون بالألفاظ والمسميات حتى إذا تكلم بالحق تارة وبالباطل تارات وأنكروا عليه قالوا هو ليس بعالم ولا شيخ ولا مفتٍ، وإنما هو (مفكر إسلامي)، وكأنه بهذا اللقب قد رُفع عنه القلمُ وله أن يقول ما شاء!!
أخي القارئ، حفظك الله من كل سوء، لَمَّا كان الأمر كما ذكرت لك وقع كثير من هؤلاء الملقبين بــ ((المفكرين)) بطاماتٍ وانحرافات وأخطاء وضلالات في العقيدة والمنهج والعبادات، فأفسدوا كثيراً من شباب الأمة وحركوا عواطفهم واستغلوا حماسهم فأدخلوهم في فتن لا بداية لها ولا نهاية. فالعاطفة إن لم تُضبط صارت عاصفة.
قال شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: «العاطفة إن لم تُضبط صارت عاصفة»، صدق رحمه الله تعالى وجزاه الله عنا خير الجزاء، فانظر إلى عبارته وقارنها بعبارات صاحب الظلال كيف يهيّج الشباب، وكيف شربوا منه عبارات العنف والخروج والحقد على المجتمع، أفراداً وساسةً، ومع هذا كله نجد من يبرر له ويتهم الآخرين بأنهم ما فهموا قصده وحمّلوا كلامه ما لم يحتمل، فإن واجهوهم بالحجة والبرهان وأوقفوهم على كلامه المنحرف ما وجدوا سبيلا للهروب والتبرير، إلا أن قالوا هو «مفكر» وليس بعالم. إذن بما أنه ليس بعالم، يعني «جاهل»، فإذا كان نصف الفقيه يفسد الدين، فالجاهل يفسد الدين والدنيا، فما لكم كيف تحكمون؟
والله أسأل أن يهدي ضال المسلمين إلى صراطه المستقيم، والحمد لله أولاً وأخراً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.