يا أهل السُّنّة أعيدوا النظر في تصرفاتكم (١)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فهذا خطاب صريح موجه الى أهل السُّنّة أردت به النصيحة التي شرعها الله لعباده المؤمنين، أرجو ان تتسع الصدور لسماع نصيحتي والأخذ بها، فأقول وبالله أستعين وعليه أتوكل واليه أنيب:
لا يخفى على من له أدنى متابعة ما انتشر في السنوات الأخيرة من عقد المناظرات، وافتتاح القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية التي تنشر ضلالات أهل البدع الأمر الذي أدى وأفرز ردة فعل شديدة عند أهل البدع فأخذوا يطعنون بالسنة و أهلها و يجمعون الشبه و يطرحونها و يعلنون بعقائدهم الدفينة فنشروا باطلهم و شككوا المسلمين بدينهم و أغاظوا قلوبهم، وأحرجوهم مع حكامهم وولاة أمرهم.
أخي القارئ الكريم لا تستعجل في انكار كلامي ورفض نصيحتي واستمر في قراءة مقالي الى آخره ثم احكم بعد ذلك:
الدليل الأول: قال تعالى }ولا تسُبُّوا الّذِين يدْعُون مِنْ دُونِ اللّهِ فيسُبُّوا اللّه عدْوًا بِغيْرِ عِلْمٍ{ [الأنعام: 108].
قال الشيخ السعدي في تفسيره: (ينهى الله المؤمنين عن أمر كان جائزا، بل مشروعا في الأصل، وهو سب آلهة المشركين، التي اتخذت أوثانا وآلهة مع الله، التي يتقرب الى الله بإهانتها وسبها. ولكن لما كان هذا السب طريقا الى سب المشركين لرب العالمين، الذي يجب تنزيه جنابه العظيم عن كل عيب، وآفة، وسب، وقدح نهى الله عن سب آلهة المشركين، لأنهم يحمون لدينهم، ويتعصبون له.لأن كل أمة، زين الله لهم عملهم، فرأوه حسنا، وذبوا عنه، ودافعوا بكل طريق، حتى انهم، ليسبون الله رب العالمين، الذي رسخت عظمته في قلوب الأبرار والفجار، اذا سب المسلمون آلهتهم. ولكن الخلق كلهم، مرجعهم ومآلهم، الى الله يوم القيامة، يعرضون عليه، وتعرض أعمالهم، فينبئهم بما كانوا يعملون، من خير وشر. وفي هذه الآية الكريمة، دليل للقاعدة الشرعية وهو ان الوسائل تعتبر بالأمور التي توصل اليها، وأن وسائل المحرم، ولو كانت جائزة تكون محرمة، اذا كانت تفضي الى الشر) انتهى كلامه. قلت: فنهى الله تعالى عباده المؤمنين عن سب آلهة المشركين تجنباً لما قد يصدر من ردة فعل المشركين أو بعضهم فيسبوا الله عز وجل. لذا استنبط أهل العلم من هذه الآية وغيرها قاعدة عظيمة وهي (لا يجوز تغيير المنكر بمنكر أكبر منه).
الدليل الثاني: قال تعالى {ولا تأْكُلُوا مِمّا لمْ يُذْكرِ اسم اللّهِ عليْهِ وانّهُ لفِسْقٌ وانّ الشّياطِين ليُوحُون الى أوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وانْ أطعْتُمُوهُمْ انّكُمْ لمُشْرِكُون} [الأنعام: 121]. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: (عن عِكْرِمة، عن ابن عباس قال: لما نزلت {ولا تأْكُلُوا مِمّا لمْ يُذْكرِ اسم اللّهِ عليْهِ} أرسلت فارس الى قريش: ان خاصموا محمدًا وقولوا له: فما تذبح أنت بيدك بسكين فهو حلال، وما ذبح الله، عزّ وجل، بشمشير من ذهب- يعني الميتة- فهو حرام.فنزلت هذه الآية: {وانّ الشّياطِين ليُوحُون الى أوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ} قال: الشياطين من فارس، وأوليائهم من قريش).
أقول: فهنا يظهر لنا جلياً من هذه الآية الكريمة ان الشياطين يوحون الى أوليائهم من أجل جدال المؤمنين ليشككوهم في دينهم وعقيدتهم.
الدليل الثالث: قال تعالى: { وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) } [العنكبوت]. قال الشيخ السعدي في تفسيره: (ينهى تعالى عن مجادلة أهل الكتاب، اذا كانت من غير بصيرة من المجادل، أو بغير قاعدة مرضية، وأن لا يجادلوا الا بالتي هي أحسن، بحسن خلق ولطف ولين كلام، ودعوة الى الحق وتحسينه، ورد عن الباطل وتهجينه، بأقرب طريق موصل لذلك، وأن لا يكون القصد منها مجرد المجادلة والمغالبة وحب العلو، بل يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق، الا من ظلم من أهل الكتاب، بأن ظهر من قصده وحاله، أنه لا ارادة له في الحق، وانما يجادل على وجه المشاغبة والمغالبة، فهذا لا فائدة في جداله، لأن المقصود منها ضائع).انتهى كلامه.
الدليل الرابع: عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من طلب العلم ليماري به السفهاء أو ليباهي به العلماء أو ليصرف وجوه الناس اليه فهو في النار» [رواه ابن ماجه صحيح ابن ماجه (207) للألباني وقال حسن. وأخرج الترمذي (2654) عن كعب بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو يصرف وجوه الناس اليه أدخله الله النار» وقال الألباني: حديث حسن. فهذا الحديث صريح في الترهيب من مجادلة السفهاء ومماراتهم.
الدليل الخامس: عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ان من أكبر الكبائر ان يلعن الرجل والديه، قيل: يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسبُّ الرجلُ أبا الرجُلِ فيسبُّ أباه ويسبُّ أمه» [رواه البخاري (5973)، رواه مسلم (90)]. وهذا الحديث يستفاد منه ان المتسبب بالاثم يناله شيء من الاثم وهذه فائدة لطيفة قلما من يتفطن لها.
أخي الحبيب تابعني في الأسبوع المقبل ان شاء الله تعالى لاتمام ما بقي مما أريد ان أنصحك به. والحمد لله أوﻻً وآخراً وظاهراً وباطناً و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد وعلى آله و أزواجه و أصحابه أجمعين.