و بدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من ﻻ نبي بعده، أما بعد:
فما منا من أحد في غنى عن محاسبة نفسه ومراجعتها واعادة النظر في نقده للآخرين وردوده على المخالفين فقد يحسن الظن بنفسه ويحسب أنه يحسن صنعا والحقيقة أنه ليس كما يظن. والبلية كل البلية اذا اقبل العبد على ربه وبدا له ما لم يحتسب فاذا بعمله فيه كل شيء اﻻ اﻻخلاص لله ! نعم نظريا كلنا ندرك وجوب اﻻخلاص لله تعالى وأهميته ولكن نغفل عنه كثيرا فنحتاج الى ان يذكر بعضنا بعضا باﻻخلاص لله تعالى لقوله عز و جل { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) } [الذاريات] فما أمر الله عباده اﻻ بالاخلاص له وحده ولم يأمرهم عز وجل بسواه قال تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) } [البينة] لذا قيل: «قل لمن ﻻ يخلص ﻻ تتعب».
[ومنا] من يفرح اذا وجد زلة لأخيه بل قد يتمنى ان يخطأ اخوه خطأ ليظفر به، ليس هذا فحسب بل قد يسأل سؤالا يتعمده أو يرسل رسولا ويوصيه ان يسجل السؤال والجواب ويتمنى من صميم قلبه ان ﻻ يوفق المسؤول الى الجواب الصحيح حتى يضيف الى أرشيفه ممسكا جديدا على أخيه ويضعه في مكانه المناسب، وفي ملفه الخاص!! وقد يزين الشيطان له عمله هذا فيظن أنه من أعظم القربات ومن جنس الجهاد في سبيل الله واﻻمر كذلك لو كان خالصا لله تعالى ليس فيه شيء لحظ النفس والتشهي والتشفي ووطلب الشهرة فان كان لشيء من هذا فويل لمن اقبل على ربه بعمل من أعمال الآخرة وهو به غير مخلص فيه لله.
[ومنا] من يكره المنكرات وهذا هو اﻻصل لكن يغفل أحيانا فتجده يحب ان يقع أخوه في المنكر وتجده مسرورا منشرحاً صدره لأن أخاه وقع في ذلك الخطأ أو فعل ذلك المنكر! فما أشد هذه الغفلة التي نحن فيها كيف نفرح بالمنكر؟ مع ان الواجب علينا ان نكره المنكر وننكره ونبغضه ﻻ ان نتمناه لمجرد الحصول على مأخذ جديد على فلان وفلان!.
[ومنا] من ﻻ يحسن الظن بل ان حسن الظن يكاد يكون عنده معدوما فكل كلمة تصدر من أخيه يحملها على محمل سيئ ولو بتعسف شديد فهلا سأل أحدنا نفسه بماذا يجيب الله اذا حاسبه الله يوم القيامة؟ قال تعالى: { أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) } [المطففين].
[ومنا] من ﻻ يرضى بالتراجع حتى اذا وقف على كلام لأخيه متقدم قد نسخه بكلام متأخر ما قبله منه! بل حتى لو نص أخوه على أنه قد تراجع عن ذلك الكلام وقرر بكلام جديد هو أضعاف أضعاف كلامه اﻻول ما قبل منه! سبحان الله! رب العالمين يقبل توبة عن عباده ويفرح بتوبة عبده ويبدل سيئاته حسنات ونحن ﻻ نقبل تراجعه!! ان هذا لشيء عجاب!!.
[ومنا] من يقرر أنه غير معصوم وأن شيخه ليس معصوما أيضا لكن في الواقع لا يعترف باي خطأ عنده أو عند شيخه ! فهلا حاسب نفسه؟ أليس هذا الكبر المعروف شرعا وعرفا؟ وأخيرا وليس آخرا أوصي نفسي المقصرة بتقوى الله تعالى أولا ثم أوصي اخواني كما أنصح نفسي واخواني بمحاسبة النفس من قبل ان نلقى الله تعالى فيبدو لنا ما لم نكن نحسب.
اللهم اصلح ذاتَ بيننا وألف على الحق بين قلوبنا وانصرنا على عدوك وعدونا. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.