موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

خيرُ التابعين أويسُ بن عامر القرني رحمه الله تعالى

16 ذو القعدة 1431 |


الحمد لله الذي ﻻ اله الا هو الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فقد أكرمني الله تعالى بأخٍ شقيق مشفق حبيب هو أبو عبدالله عبدالرحمن بن سعد الطويل حفظه الله تعالى، وأصلح له النية والذرية. 
ولما كان أخي أبو عبدالله قد وفقه الله تعالى الى بر والديه ولاسيما برّه بأمه أحببت ان أهديه هذا المقال وفيه بشارة له ولكل من وفقه الله الى برِّ والديه.


أخرج الامام مسلم في صحيحه كتاب الفضائل باب من فضائل أويس القرني رضي الله عنه حديث (6437) عن أسير بن جابر ان أهل الكوفة وفِدوا الى عمر وفيهم رجلٌ ممن يسخر بأويس فقال عمر: هل ها هنا أحدٌ من القرنيين؟ فجاء ذلك الرجل فقال عمر: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: «ان رجلا يأتيكم من اليمن يُقال له أويس، ﻻ يدع باليمن غير أمٍّ له، قد كان به بياض، فدعا الله فأذهبه عنه الا موضع الدينار أو الدرهم، فمن لقيه منكم فليستغفر لكم»، وفي الباب نفسه حديث (6438) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ان خير التابعين رجل يقال له أويس وله والدة وكان به بياض فمروه فليستغفر لكم»، وفي الباب نفسه حديث (6439) عنْ أُسيْرِ بْنِ جابِرٍ قال كان عُمرُ بْنُ الْخطّابِ اذا أتى عليْهِ أمْدادُ أهْلِ الْيمنِ، سألهُمْ أفِيكُمْ أُويْسُ بْنُ عامِرٍ؟ حتّى أتى على أُويْسٍ فقال: أنْت أُويْسُ بْنُ عامِرٍ؟ 
قال: نعمْ، 
قال مِنْ مُرادٍ ثُمّ مِنْ قرنٍ؟
قال: نعمْ
 قال: فكان بِك برصٌ فبرأْت مِنْهُ الّا موْضِع دِرْهمٍ؟ 
قال: نعمْ
 قال: لك والِدةٌ؟ 
قال: نعمْ،
 قال: سمِعْتُ رسُول اللّهِ صلّى اللّهُ عليْهِ وسلّم يقُولُ: (يأْتِي عليْكُمْ أُويْسُ بْنُ عامِرٍ مع أمْدادِ أهْلِ الْيمنِ مِنْ مُرادٍ ثُمّ مِنْ قرنٍ كان بِهِ برصٌ فبرأ مِنْهُ الّا موْضِع دِرْهمٍ، لهُ والِدةٌ هُو بِها برٌّ لوْ أقْسم على اللّهِ لأبرّهُ فانْ اسْتطعْت ان يسْتغْفِر لك فافْعلْ) فاسْتغْفِرْ لِي فاسْتغْفر لهُ، 
فقال لهُ عُمرُ: 
أيْن تُرِيدُ؟
 قال: الْكُوفة
 قال: أﻻ أكْتُبُ لك الى عامِلِها؟
 قال: أكُونُ فِي غبْراءِ النّاسِ أحبُّ الى قال: فلمّا كان مِنْ الْعامِ الْمُقْبِلِ حجّ رجُلٌ مِنْ أشْرافِهِمْ فوافق عُمر فسألهُ عنْ أُويْسٍ فقال: تركْتُهُ رثّ الْبيْتِ قلِيل الْمتاعِ قال: سمِعْتُ رسُول اللّهِ صلّى اللّهُ عليْهِ وسلّم يقُولُ: (يأْتِي عليْكُمْ أُويْسُ بْنُ عامِرٍ مع أمْدادِ أهْلِ الْيمنِ مِنْ مُرادٍ ثُمّ مِنْ قرنٍ كان بِهِ برصٌ فبرأ مِنْهُ الّا موْضِع دِرْهمٍ، لهُ والِدةٌ هُو بِها برٌّ لوْ أقْسم على اللّهِ لأبرّهُ فانْ اسْتطعْت ان يسْتغْفِر لك فافْعلْ) فأتى أُويْسًا فقال: اسْتغْفِرْ لِي فقال: أنْت أحْدثُ عهْدًا بِسفرٍ صالِحٍ فاسْتغْفِرْ لِي، قال: اسْتغْفِرْ لِي قال أنْت أحْدثُ عهْدًا بِسفرٍ صالِحٍ فاسْتغْفِرْ لِي، قال: لقِيت عُمر؟ قال: نعمْ فاسْتغْفر لهُ ففطِن لهُ النّاسُ فانْطلق على وجْهِهِ.
قال أُسيْرٌ: وكسوْتُهُ بُرْدةً فكان كُلّما رآهُ انْسانٌ قال: مِنْ أيْن لِأُويْسٍ هذِهِ الْبُرْدةُ؟

مفردات الحديث


أمداد أهل اليمن: هم الجماعة الغزاة الذين يمدون جيوش اﻻسلام في الغزو واحدهم مدد.


رث البيت: أي قليل المتاع والرثاثة والبذاذة بمعنى واحد: وهو حقارة المتاع وضيق.

هذا الحديث اشتمل على فوائد كثيرة منها:

  1. في الحديث علم من أعلام نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث أخبر عن أويس وعن نسبه وبرِّه بأمه ومرضه وبرأه منه فأتى في عهد عمر رضي الله عنه وكان كما أخبر عنه عليه الصلاة والسلام.

  2. أن برّ الوالدين من أسباب استجابة الدعوة لقوله صلى الله عليه وسلم: «لو أقسم على الله لأبره».

  3. فضل برِّ الوالدين والذي به نال أويس تلك الخيرية.

  4. أثر الدعاء والبر في رفع البلاء، فلقد كان في أويس مرضٌ فبرأ منه الا موضع درهم.

  5. تواضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث طلب الاستغفار ممن دونه.

  6. حرص عمر بن الخطاب رضي الله عنه على ادراك أويس وطلب الاستغفار له.

  7. تثبت عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أويس قبل ان يخبره بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم عنه لقوله رضي الله عنه «أنت أويس بن عامر من مراد ثم من قرن، كان بك برصٌ فبرأت منه الا موضع درهم ولك والدة؟».

  8. عناية عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأهل الفضل وتقديره اياهم لقوله رضي الله عنه لأويس (ألا أكتب لك الى عاملها؟) أي عامل الكوفة.

  9. فضل أويس بن عامر القرني فهو خير التابعين لقوله صلى الله عليه وسلم: «ان خير التابعين رجل يُقال له أويس».

  10. فضل أهل اليمن في جهاد المسلمين وفتوحاتهم في صدر الاسلام.

  11. مشروعية استغفار المسلمين بعضهم لبعض.

  12. حكمة الله تعالى- والله أعلم- في بقاء موضع درهم من البرص بعد البرء منه حتى لا ينسى ان الله تعالى عافاه منه وحتى يستمر في الدعاء فيعظم له الأجر في الدعاء الذي هو العبادة.

  13. قد يسخر الناس ممن له شأن عند الله تعالى، فان ذلك الرجل كان يسخر بأويس وهو خير منه.

  14. فضل العزلة واخفاء الأحوال وايثار الخمول لقول أويس (أكون في غبراء الناس أحب اليّ).

  15. فضل الرثاثة والبذاذة التي هي من الايمان فان أويساً كان رثّ البيت قليل المتاع.

  16. جواز طلب الدعاء والاستغفار من أهل الصلاح وليس من جميع الناس كما يفعله بعض الناس اليوم.

  17. القرني نسبة الى قرن، وهي بطن من مراد لقوله صلى الله عليه وسلم «أويس بن عامر....من مراد ثم من قرن» وليس نسبة الى قرن المنازل الجبل المعروف ميقات الاحرام لأهل نجد.

  18. قد يخص الله تعالى المفضول بما لم يعط الفاضل، كما أعطى أويساً ما لم يعط عامة الصحابة رضي الله عنهم.

  19. أن من كان حديث عهد بسفر صالح يرجى قبول دعائه واستغفاره لقول أويس لمن رجع من الحج (أنت أحدث عهداً بسفر صالح فاستغفر لي).

  20. أن لقب (التابعين) لمن ولي الصحابة قد نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله «ان خير التابعين» وليس ذلك اصطلاح حادث.

  21. جواز الجهاد والسفر في حق من له أمٌّ بعد اذنها لقوله صلى الله عليه وسلم عن أويس «لا يدع باليمن غير أمٍّ له».

  22. الحديث انفرد به مسلم كما في تحفة الأشراف (10406).

إشكال وجواب عليه

قال النووي في شرح الحديث: قوله صلى الله عليه وسلم «ان خير التابعين رجل يُقال له: أويس الى آخره» هذا صريح في أنه خير التابعين، وقد يقال: قد قال أحمد بن حنبل وغيره: أفضل التابعين سعيد بن المسيب، والجواب: ان مرادهم ان سعيداً أفضل في العلوم الشرعية كالتفسير والحديث والفقه ونحوها لا في الخير عند الله تعالى.انتهى كلام النووي. قلت: قد ظهر لي توجيه آخر وهو ان قوله صلى الله عليه وسلم (ان خير التابعين) جاء على تقدير (من) فيكون المعنى ان من خير التابعين رجل يُقال له أويس، أو يقال ان أويساً خير التابعين ويشاركه غيره بالخيرية لكن لا يفوقه والله أعلم.والحمد لله أولاً وآخراً وطاهراً وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.

المقالات