موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

ذكريات ﻻ أنساها

23 ذو الحجة 1431 |

زيارتي إلى الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى

الحمد لله ولي الصالحين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فلقد يسّر الله لي زيارة للشيخ العلامة المحدث المفتي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله تعالى في صيف عام 1404 من الهجرة الموافق عام 1984، وكان برفقتي أخي الفاضل صالح بن أحمد العامر حفظه الله تعالى، سافرنا من الكويت الى الطائف حيث اقامة الشيخ عبدالعزيز بن باز صيفاً كما كانت عادته، وكان الدافع لسفرنا هو الحصول على تزكية وتوصية من الشيخ عبدالعزيز بن باز لشيخنا أبي يوسف عبدالرحمن بن يوسف عبد الصمد رحمه الله تعالى حيث كان يرغب باتمام دراسته على الرغم من كبر سنه.

وصلنا الطائف ليلا في ساعة متأخرة وبحثنا عن مسجد الشيخ عبدالعزيز بن باز، فلما وجدناه استأجرنا غرفة بتنا فيها تلك الليلة، فلما أذن لصلاة الفجر انطلقنا وصلينا مع الشيخ في مسجده فلما انقضت الصلاة أخذ المصلون يذكرون الله بصوت مرتفع كما هي السنة وتفاجأت بسماع صوت شيخنا ابن عثيمين رحمه تعالى وهو يذكر الله ويهلل بصوت مرتفع! فقلت لأخي صالح: هذا صوت الشيخ ابن عثيمين، قال كيف عرفت؟ قلت: اني اعرف صوته وأميزه من بين الأصوات! ثم انطلق الشيخان ابن باز وابن عثيمين وانطلقنا بعدهما حتى دخلا المجلس ودخلنا بعدهما وسلمنا عليهما وقبلنا رؤوسهما وجلسنا معهما وكان في المجلس الشيخ ابراهيم الحصين رحمه الله تعالى وهو مدير مكتب الشيخ ابن باز.

رحب بنا الشيخ أحسن ترحيب كعادته مع الضيوف وسألنا عن أسمائنا فأخبرناه، وقلنا: لقد جئناك من الكويت. ثم سألنا عن أهل الكويت وعن أشخاص معينين فقال: كيف حال فلان وفلان؟ قلنا له: بخير والحمد لله. ثم سألنا فقال: أنتم طلبة أو موظفون؟ فقلت: أنا طالب، وقال صاحبي الأخ صالح: أنا موظف في البلدية. ثم سألني الشيخ فقال: أين تدرس؟ فقلت: أنا طالب في جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية فرع القصيم كلية أصول الدين في السنة الثانية وادرس في المساء في الجامع الكبير في عنيزة عند الشيخ محمد بن صالح العثيمين. ثم سألني الشيخ مازحا أو مختبرا فقال: هل تعرف الشيخ محمد العثيمين؟ فقلت: نعم أعرفه وهو الآن جالس عن يمينك، فضحك الشيخان رحمهما الله تعالى. ثم سألنا الشيخ عن حاجتنا، فقلت: يقرؤك السلام الشيخ أبو يوسف عبدالرحمن بن يوسف عبد الصمد ويقول انه يرغب في اتمام دراسته ويريد من فضيلتك تزكية وتوصية لجامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية في الرياض. فقال الشيخ: ﻻ بأس اشفعوا تؤجروا، ثم قال للشيخ ابراهيم الحصين: أكتب له أكتب له. ثم ان الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى كعادته في الكرم النبوي وﻻ أقول الكرم الطائي دعانا الى الغداء فاعتذرنا له لأننا على سفر.

بعد ذلك قام الشيخ ابن باز وقام معه شيخنا ابن عثيمين الى حجرة مجاورة وبدأ الشيخ ابن عثيمين يقرأ عليه رسالة من تأليفه اسمها «عقيدة أهل السنة والجماعة» ونحن نسمع صوت الشيخ ابن عثيمين ومن يومها أحببت تلك الرسالة ووفقني الله لشرحها مراراً ما بين 10 الى 15 مرة، منها مرتان في أمريكا وتمت ترجمة الشرح باللغة الانجليزية وتسجيله والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

أقول: ثم كتب الشيخ ابراهيم الحصين الشفاعة لشيخنا أبي يوسف رحمه الله تعالى ودفعها للشيخ ابن باز فختمها وأعطاني اياها. وقبل ان نغادر مجلس الشيخ ابن باز أخبرنا الشيخ ابراهيم الحصين ان هناك من أثار كلاما على الشيخ ابن عثيمين وشكك في عقيدته وحمل كلامه ما ﻻ يتحمل الأمر الذي جعل الشيخ ابن باز يستدعي الشيخ ابن عثيمين وأمره ان يكتب بين يديه كتاباً بخط يده ينفي ما نسب اليه، ثم أخذ الشيخ ابراهيم الحصين يثني على شيخنا ابن عثيمين خيراً، ثم دفع لنا صورة عن الكتاب الذي كتبه الشيخ ابن عثيمين وما زلت احتفظ بتلك الورقة منذ أكثر من 25 عاما!

واليك أخي القارئ نصها:

«بسم الله الرحمن الرحيم أقول وأنا كاتب هذه اﻻحرف لقد عرض على فضيلة الشيخ صالح بن أحمد الخريصي هذا الكتاب الذي كتبه اليه فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز جزاهما الله خير الجزاء، ونحن نشهد الله تعالى وملائكته وجميع خلقه بأننا نتبرأ الى الله من كل قول يخالف ما كان عليه السلف الصالح في معية الله تعالى وغيرها من صفاته ونعتقد ان الله تعالى هو العلي بذاته على جميع خلقه كما هو تعالى، علي بصفاته ونرى ان من قال ان الله تعالى بذاته مع خلقه في الأرض فهو كافر أو ضال وكاذب إن نقل عن غيره من علماء السلف. كما نرى أنه يجب انكار كل كلمة تستلزم ذلك بأي لفظ كانت ومن أي قائل صدرت لأن الحق أحق ان يتبع فالله تعالى فوق عرشه وعلمه سبحانه محيط بكل شيء كما قال تعالى حين أخبر بخلق السماوات والأرض { لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12) } [الطلاق 12]. قال ذلك كاتبه محمد الصالح العثيمين في 1404/10/16 هجري»

ثم خرجنا من بيت الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى وسافرنا الى الكويت. فكنت ومازلت أتحدث عن تلك الزيارة ولن أنساها الى ان يشاء الله تعالى، اذ كيف أنسى جلسة اجتمعت فيها بعالمِين امامين جبلين في العلم والفضل وفي مجلس واحد وشربت القهوة معهما؟! اسأل الله تعالى ان يجمعني والشيخين ابن باز وابن عثيمين ووالدي واياك أخي القارئ ووالديك والمسلمين في جنات النعيم. والحمد لله أوﻻ وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.

المقالات