كيف يكون السابق تابعاً للاحق؟ أفلا تعقلون؟!
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد زعم قوم من اليهود والنصارى أن إبراهيم خليل الرحمن - عليه السلام - كان يهوديا أو نصرانياً، فكذبهم الله تعالى ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)) [آل عمران] أرأيت أخي القارئ الكريم ضلال هؤلاء!! إبراهيم - عليه السلام - أبو الأنبياء، وما خُلق موسى - عليه السلام - الذي أنزلت عليه التوراة، ولا عيسى بن مريم - عليه السلام - الذي أنزل عليه الإنجيل إلا بعد إبراهيم عليه السلام، ومع هذا يزعمون أن إبراهيم - عليه السلام - كان يهوديا أو نصرانيا! والله تعالى يقول ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65))[آل عمران].
أخي القارئ، تلك أمة قد خلت، واليوم يظهر علينا من يقول «الصحابة كانوا أشاعرة»!! كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5))[الكهف] كيف يكون السابق تابعا للاحق؟! الأشاعرة ينتسبون إلى أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، المتوفى في سنة 324 هـ ، أي في الربع الأول من القرن الرابع الهجري، فما أشبه قول هؤلاء بقول اليهود والنصارى لما زعموا أن إبراهيم - عليه السلام - كان تابعا لموسى أو عيسى عليهما السلام. روى البخاري في صحيحه [3197] من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟". إذا علمت هذا تبين لك بطلان من يقول الأشاعرة هم أهل السنة والجماعة، والصحابة كانوا أشاعرة مع أن صاحب مذهب الأشاعرة من وفيات القرن الرابع، فإما أن يكون من سبقه تابعا له، وهذا باطل، أو أن الأشعري هو أول أهل السنة، وليس أحد قبله منهم، وهذا أبطل.
أخي القارئ، هل يعقل أن يقال كان الصحابة - رضوان الله عنهم - أحنافا أو مالكية أو شافعية أو حنابلة، الجواب: لا، مع أن أبا حنيفة ومالكا والشافعي وأحمد بن حنبل- رحمهم الله تعالى- كانوا أقرب إلى عصر الصحابة من أبي الحسن الأشعري! فكيف يقال الصحابة أشاعرة؟ ثم نقول ما العقيدة الأشعرية؟ العقيدة الأشعرية عقيدة كلامية معقدة، تولّدت من عقيدة المعتزلة والجهمية، واختلف الأشاعرة فيما بينهم في تفسير عبارات بعض أئمة الأشاعرة، وعامة المسلمين لا يعرفون الأشعرية ولا يفهمونها، ومع ذلك يزعم من يزعم أن أهل السنة هم الأشاعرة كما يزعمون زوراً وبهتاناً أن أكثر المسلمين على عقيدة الأشاعرة، وحسب هذا القول بطلانا أن القرون الثلاثة المفضلة الأولى- صدر هذه الأمة - لم يكن فيها واحد من الأشاعرة، بل إن أبا الحسن الأشعري نفسه تاب إلى الله تعالى ورجع عن عقيدته إلى عقيدة السلف لكن بعض أتباعه تمسكوا بما تراجع عنه، ونشروا تلك العقيدة الكلامية الفلسفية.
أخي القارئ، اعلم رحمني الله وإياك أن الأشاعرة من أهل الملة لكنهم ليسوا من أهل السنة بل هم مخالفون للسنة، وتفصيل هذا أن نقول إن الأشاعرة مسلمون داخلون في ملة الإسلام ليسوا بكفار إلا أنهم ضلال مبتدعة على غير عقيدة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والدليل قوله تعالى( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)) [يونس]، فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه على الحق بلا شك ولا ريب؛ كان كل من خالفهم على ضلال. واعلم أن الأشاعرة يصرحون بمخالفتهم لعقيدة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويقولون :«مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم»، والمراد بالسلف يعني من مضى وسبق، وهم الفرقة الناجية- أهل السنة والجماعة - وعلى رأس السلف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وقولهم مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أعلم وأحكم من أبطل الباطل إذ وصفهم لمذهب السلف بأنه أسلم مع تجريدهم إياه من العلم والحكمة وصف جائر، فكيف يكون أسلم وليس فيه علم ولا حكمة؟! وقولهم مذهب الخلف أعلم وأحكم ما الفائدة منه إن لم يكن فيه سلامة؟ والحق أن يقال مذهب السلف الذي هو مذهب النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين والمهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان من علماء الأمة من المحدثين والفقهاء هو أسلم وأعلم وأحكم، وأما مذهب الخلف المخالف لمذهب السلف أخطر وأجهل وأظلم، ثم اعلم أخي الكريم أن الأشاعرة قد يطلق عليهم أهل سنة باعتبار أنهم ليسوا شيعة لأنهم لا يكفرون الصحابة، أما أنهم على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وعقيدته فهم ليسوا كذلك بإقرارهم وشهادتهم على أنفسهم.
هذا وأسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين إلى الحق المبين.
والحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.