قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَانْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسمعْ وَأَطِعْ»
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فإنَّ الله تعالى أوجب على عباده المؤمنين أن يقدموا أمر الله ورسوله على كل اعتبار، فلا يحق لأحدٍ أن يعقب على حكم الله ورسوله، وﻻ أن يستدرك أي استدراكٍ قلَّ أو كَثُر. قال تعالى: { وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ۚ } [الرعد 41]، وقال تعالى: { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) } [الأحزاب]، وقال تعالى: { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) } [النور]، وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) } [الحجرات 1].
أخي المسلم، يا من رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، إذا تقرر في قلبك واعتقادك هذه العقيدة فما أنت بفاعل إذا سمعت الله تعالى يناديك بقوله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) } [النساء]
إخواني الكرام، يا أهل الإسلام والسنة تدبروا هذه الأحاديث النبوية الصحيحة فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه حديث (1847) عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع واطع».
أقول: فهل بعد هذا البيان بيان؟! فالسمع والطاعة للأمير واجب أوجبه الله ورسوله وليس هذا الأمر الواجب في الرخاء دون الشدة وﻻ عند العطاء دون المنع، بل هي طاعة مطلقة ما لم يأمر بمعصية الله، فحينئذ ﻻ طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وهذا النص صحيح وصريح في وجوب السمع والطاعة للأمير وولي الأمر، ومثل هذا الحديث حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إﻻ أن يؤمر بمعصية فلا سمع وﻻ طاعة» [رواه البخاري (13/ 121) ومسلم (3/ 1469).والمعنى ﻻ يسمع له في تلك المعصية التي أمر بها لكن يسمع له ويطاع فيما سوى ذلك.
وأيضا روى الإمام مسلم (3/ 1467) عن أبي هريرة رضي الله أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك» ففي هذا الحديث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة في حالة النشاط وحالة الكراهية فيما يشق على النفوس أي في حالتي الرضا والسخط والخير والشر، بل وحتى في حالة اﻻستئثار بأمور الدنيا فتجب لهم الطاعة وإن اختص الأمراء بالدنيا دون وصول حقوق الرعية لهم.
ﻻ يجوز عصيان الأمير حتى لو كان الدستور يسمح بالعصيان
أخي المسلم السني اعلم - أرشدك الله لهداه - أنه ﻻ يجوز لك عصيان الأمير أو نائبه بحجة أن الدستور يسمح لك بذلك، أو يكفل لك حرية النقد والمحاسبة واﻻستجواب ونحوه، وذلك لأن هذه الأفعال وتلك الطريقة مخالفة للنصوص من الكتاب والسنة، إذ كيف تفعل ذلك والله عز وجل يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) } [الحجرات 1]، أي لا تقولوا ولا تأمروا وﻻ تنهوا وﻻ تحكموا حتى يقول ويأمر وينهى ويحكم الله ورسوله. فإياك إياك يا عبدالله يا مسلم أن تحادَّ الله ورسوله بحجة أن الدستور كفل لك الحق الفلاني.
يا أهل السُّنَّة خذوا حِذركم
سبق ان كتبت مقالاً بعنوان «رويداً رويداً يا أهل السنة» في صفحة «الابانة» بجريدة «الوطن» بتاريخ 2008/11/24، وهو مازال محفوظاً في موقعي على الانترنت برقم (115)، وحذرت فيه أهل السُّنَّة من منابذة ولاة الأمر في الوقت الذي يتظاهر فيه أهل البدع والأهواء الروافض بمودتهم وحبهم وولائهم لوﻻة الأمر. لكن للأسف لم يلتفت كثير من أهل السنة إلى ما حذرتُ منه حتى أصبحت اليوم الصورة الواقعية أكثر وضوحاً. لكن ﻻ يعني ذلك أننا نستسلم لهذا الواقع الأليم فلنرجع إلى رشدنا ونعتصم بحبل الله جميعاً ونقف بجانب ولاة أمورنا ناصحين بالتي هي أحسن للتي هي أقوم، ونجتنب لغة التهديد والوعيد والتشهير ولا نعطي الفرصة لأهل الأهواء كالروافض ولا التيارات الفاسدة كالعلمانيين واللبراليين ليتمكنوا من العباد والبلاد فتحصل الفتن الكبرى التي تشهد بعضها دول مجاورة في المنطقة.
فقه دقيق لشيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى
سألت شيخنا محمد بن صالح العثيمين بنفسي السؤال التالي: ما حكم المظاهرات السلمية التي يسمح بها ولي الأمر؟ فأجاب رحمه الله بقوله: (المظاهرات ﻻ تجوز ولو سمح بها ولي الأمر لأنه ﻻ يوجد ولي أمر يسمح أن يعارضه الناس لكن قد يتظاهر أمام الدول المتقدمة أو المتحضرة أنه يسمح بالمعارضة). انتهى.
أقول: فهل يُعقل أن الناس كلهم فهموا أن الأمير ﻻ يرغب باﻻستجواب إﻻ بعض الأعضاء هداهم الله تعالى لرشدهم؟! أخي القارئ كم يحزنني بل ويؤلمني أن أهل الأهواء من الرافضة ونحوهم يتوددون للأمير ولرئيس مجلس الوزراء ويكسبون احترامهم بينما من أهل السنة من يناحر ويشهر ويتوعد باﻻستجوابات وغيرها!! والله المستعان.
أخي القارئ الكريم لم انته بعد ولعلي أتمم بعض المسائل المتعلقة بهذا الموضوع المهم. والله أسأل أن يقينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.