موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

النقد العلني لوﻻة الأمر أولى مراحل الفتنة والخروج عليهم

20 محرم 1432 |

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من ﻻ نبي بعده، أما بعد:

فان كثيرا من الناس يغفل أو يجهل أو ربما يتلاعب في الحقائق فيزعم ان من الحق المشروع ان ينتقد ولي الأمر علنا بل وزعم بعض الناس ان هذا من باب اﻻمر بالمعروف والنهي عن المنكر!! وقبل البدء في الرد على الرأي الخارجي الخطير انقل لك أخي القارئ كلاما نفيسا نافعا سديدا للشيخ العلامة المفتي عبد العزير بن عبدالله بن باز رحمه الله تعالى حيث قال: (ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الوﻻة، وذكر ذلك على المنابر لأن ذلك يفضي الى اﻻنقلابات وعدم السمع والطاعة ويفضي الى الخروج الذي يضر وﻻ ينفع ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين السلطان والكتابة اليه أو اﻻتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه الى الخير) انتهى كلامه من رسالة [حقوق الراعي والرعية ص27].

أقول: ومن العجب العجاب استنكار بعض الناس لهذا المنهج وزعمه ان ما قرره علماؤنا ليس من منهج السلف وزعم ان منهج السلف براء من هذا الذي قرره الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى، بل وزعم ان لكل بلد ظروفه وكأن لسان حاله يقول الشرع يصلح في بلد دون بلد!! وحتى ﻻ ينخدع أحد بكلامه سأذكر بعض الأحاديث التي يظهر من لمن قرأها وتدبرها منهج السلف جليا واضحا ﻻ لبس فيه وﻻ اشتباه.

  1. عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، الا ان يؤمر بمعصية فان أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) [أخرجه البخاري (7144) ومسلم (1839) واللفظ له]. والمعنى ﻻ سمع له وﻻ طاعة في تلك المعصية مع بقاء حق السمع والطاعة في غير المعصية.

  2. وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشيطان في جثمان انس» قلت: كيف أصنع ان أدركت ذلك قال: «تسمع وتطيع للأمير، وان ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع واطع» [رواه مسلم (1847)]. وفي الحديث أوجب النبي صلى الله عليه وسلم السمع والطاعة ولو كان الحاكم يستن بغير سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويهتدي بغير هديه فهل بعد هذا البيان بيان؟!

  3. وعن علقمة بن وائل عن أبيه قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلنا يا نبي الله: أرأيت ان قامت علينا أمراء يسألوننا حقهم ويمنعونا حقنا، فما تأمرنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسمعوا وأطيعوا فانما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم» [رواه مسلم (1846)]. والمعنى ان الله تعالى حمل الوﻻة وأوجب عليهم العدل بين الناس فاذا لم يقيموه أثموا وحمل الرعية السمع والطاعة لهم فان قاموا بذلك أثيبوا عليه واﻻ أثموا.

  4. وعن عياض بن غنم رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «من أراد ان ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية وليأخذ بيده فيخل به، فان سمع منه فذاك والا كان قد أدى الذي عليه» [أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1096) وصححه الألباني].

  5. وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه، فانه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه، الا مات ميتة جاهلية» [أخرجه البخاري(7053) ومسلم (1849) واللفظ له]. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر وفي الحديث التالي أمر عليه الصلاة والسلام بالصبر والتقوى.

  6. وعن أنس رضي الله عنه قال: نهانا كبراؤنا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: قال رسول الله: «لا تسبوا أمراءكم ولا تغشوهم ولا تبغضوهم واتقوا الله واصبروا فان الأمر قريب» [أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1.15) وقال الألباني: سنده جيد].

  7. وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ستكون أثرة وأمور تنكرونها»، قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: «تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الحق الذي لكم» [رواه البخاري (2603) ومسلم (1843)]. واﻻثرة: اﻻستئثار واﻻختصاص بأمور الدنيا عليكم. أي اسمعوا وأطيعوا وان اختص اﻻمراء بالدنيا ولم يوصلوكم حقكم مما عندهم. قاله النووي شرح مسلم (225/12). ففي الحديث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الداء والدواء فهل من مدكر؟

وهذه جملة من أقوال السلف في تقرير ما ذكرته

  • قال الفضيل بن عياض- رحمه الله-: (لو كان لي دعوة مستجابة ما جعلتها الا في السلطان). (شرح السنة للامام البربهاري ص108، ط، دار الصميعي).

  • وقال الامام الحسن بن علي البربهاري- رحمه الله-: (اذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى، واذا رأيت الرجل يدعو للسلطان بالصلاح فاعلم انه صاحب سنة ان شاء الله تعالى).

  • وقال –رحمه الله -: (ولا يحل لأحد ان يبيت ليلة ولا يرى ان عليه اماماً، براً كان أو فاجراً) (المرجع السابق ص70).

  • وقال شيخ الاسلام ابن تيمية: (ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج عن الأئمة وقتالهم بالسيف، وان كان فيهم ظلم، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة، فلا يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان الا وكان خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته) [منهاج السنة، (391/3) ط، مكتبة المعارف].

  • ويقولُ الامامان أبو زرعةَ وأبو حاتم- رحمهما الله-: (أدركنا العلماءَ في جميع الأمصار حِجازًا وعراقًا وشامًا ويمَنًا، فكان من مَذهبهم: ولا نرى الخروجَ على الأئمّة، ونسمع ونطيع لمن ولاّه الله عزّ وجلّ أمرَنا، ولا ننزِع يدًا من طاعةٍ، ونتَّبع السنة والجماعةَ، ونجتنِب الشذوذَ والخلاف والفُرقة) [أصول اعتقاد أهل السنة لللالكائي(1/199)].

أسأل الله تعالى ان يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يصلح ولاة أمورنا ويرزقهم البطانة الصالحة التي تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر بالتي هي أحسن للتي هي أقوم. والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

المقالات