موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

ﻻ منافاة بين وجوب طاعة الحاكم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

5 صفر 1432 |

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من ﻻ نبي بعده، أما بعد:

فلقد قرأت مقالا بعنوان «أمة وسطا» لدكتور في كلية الشريعة وعضو مجلس الأمة سابقاً وهو عضو في احدى جمعيات النفع العام وأحد المشاركين في ندوة «إﻻ الدستور»!! ضمّن الأخ الدكتور مقاله بمغالطات كثيرة وقلب كثيراً من الحقائق. ولقد بدأت بالرد عليه في الأسبوع الماضي واليوم سأتمم ما بدأت به فأقول وبالله استعين وعليه أتوكل واليه أنيب:

قال الدكتور هداه الله لرشده:

(كيف نجمع بين قول كلمة الحق والجهاد في سبيل الله واﻻمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين السمع والطاعة والصبر على جور الوﻻة؟ هل بكشف ظهورنا للجلادين ليلهبوها بالسياط أم بدعوة وﻻة اﻻمر الى نهب المال الخاص بعد نهب المال العام؟ وهل يصح ان ندعو الأمة الى التنازل عن ضمانات العدالة والقضاء المستقل وصون المال العام وحماية حرمات المنازل وصون أعراض المحارم وغيرها من الحقوق الشرعية المنصوص عليها في الدستور والمصانة والمكفولة حاليا ونقول لوﻻة اﻻمر افعلوا بنا ما تشاؤون اجلدوا ظهورنا واستولوا على أموالنا ودوسوا كرامتنا فنحن لن ننطق ببنت شفة وننسب هذا المذهب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم والى السلف الصالح.سبحانك هذا بهتان عظيم؟!) انتهى كلامه.

فأقول وبالله استعين وعليه أتوكل واليه أنيب:

  • أوﻻً: من قال بهذا المذهب أو هذا المنهج الذي ذكرته؟ هل له وجود في الخارج؟ أو مجرد خيال في ذهنك؟ ان كان يوجد من يقول بهذا المنهج كما وصفته فأنت مطالب بأمرين وهما:

    1. ان تحدد اسمه.

    2. ان تأتي بنص كلامه مع ذكر المصدر الذي نقلت كلامه منه.

    أما اذا كنت تتكلم عن منهج في مخيلتك وﻻ حقيقة لوجوده خارج الذهن فهذا شيء آخر.

  • ثانياً: لماذا يا دكتور تصوّر للناس ان عقيدة طاعة ولي اﻻمر الذي دلَّ عليها الكتاب والسنة وأجمع عليها أهل السنة معناها دعوة الحاكم الى الظلم وضرب الناس ومصادرة كرامتهم وسلب أموالهم؟ هذا ظلم ﻻ يجوز ان يصدر منك بل وﻻ كنا نتصور ان يصدر من مثلك. ثم الجمع الذي تنشده بين وجوب طاعة ولي الأمر وبين مشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن الظلم ظاهر جداً اذ ﻻ منافاة بين طاعة الحاكم وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، فنحن مطالبون بطاعة ولي اﻻمر بالمعروف وطاعته ﻻزمة ما لم يأمر بمعصية الخالق فاذا أمر بمعصية الخالق فلا طاعة له في أمره ذلك الذي فيه معصية للخالق مع بقاء وجوب طاعته فيما عدا ذلك. ومثل ذلك طاعة الوالدين فتدبر قول الله تعالى { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) } [لقمان]، فقد أمر الله اﻻبن بمصاحبة والديه بالمعروف ولو كان يجاهدان ابنهما مجاهدة بالضرب والحرمان والتضييق ليشرك بالله تعالى. فليس في هذا الخطاب دعوة للوالدين بالظلم والذل واكل المال بالباطل وانما المقصود حتى [لو] ابتليت بوالد ظالم فاصبر على ظلمه وﻻ يحملك ظلمه على ان تترك بره وطاعته وتقوم بعقوقه. وﻻ مانع من أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وهكذا يقال في حق الحاكم الواجب السمع والطاعة له [فلو] ضرب ظهرك أو أكل مالك أيضا تسمع له وتطيع مع بقاء حقك بأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ونصيحته بالضوابط الشرعية بحيث يكون أمرك له بالمعروف بلطف ونهيك له عن المنكر بلا منكر. فلا يجوز تغيير المنكر بمنكر اكبر منه وكذلك النصيحة تكون بالحسنى وتأمل قول الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام لما أرسلهما لفرعون وهو اظلم رجل على وجه اﻻرض في عصره قال: { اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ (44) } [طه] بهذا يتبين لنا ان طاعة ولي اﻻمر ليس معناها الدعوة الى الظلم وﻻ الرضا به فأرجو ان يكون الأمر قد اتضح للدكتور خصوصاً وللقراء عموماً.

(آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)

اعلم أيها القارئ الكريم ان ما من طائفتين اختلفوا على طرفي نقيض اﻻ ووجدت كل منهما أخذ بجانب من النصوص وترك جانبا آخر. كالخوارج والمرجئة وكالمعطلة والممثلة وكالقدرية والجبرية وكالروافض والنواصب وهدى الله أهل السنة لما اختلفوا فيه من الحق باذنه وذلك لما جمعوا بين النصوص عملا بقوله تعالى { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ } [آل عمران 7] والذين في قلوبهم زيغ هم أهل البدع واﻻهواء أخذوا ما تشابه منه وهو ما كان خفي الدلالة ولم يردوا المتشابه الى المحكم وهو ما كان ظاهر الدلالة لأن القرآن يفسر بعضه بعضا ويبين بعضه بعضا.

هكذا شأن عامة أهل البدع أما أهل السنة وهم الراسخون في العلم فأخذوا بالمتشابه وردوه الى المحكم وفسروا المتشابه بالمحكم فاهتدوا الى الحق { وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا } [آل عمران 7]، أي آمنا بالمحكم والمتشابه، لأن كلام الله ورسوله ﻻ يناقض بعضه بعضا لذا اخذوا بجميع النصوص وجمعوا بينها وفسروا هذا بهذا وقيدوا هذا بهذا وخصصوا هذا بهذا وهذه طريقة الراسخين في العلم.أما أهل الضلال فيأخذون بالمتشابه دون المحكم فضلوا بأنفسهم وأضلوا غيرهم.

(من هشاشة المنهج عدم الثبات عليه)

روى البخاري في صحيحه (7) قصة أبي سفيان رضي الله عنه قبل اسلامه لما التقى بهرقل عظيم الروم وسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال هرقل: (أتباعه يزيدون أو ينقصون؟ قال أبو سفيان: بل يزيدون! قال هرقل بعد ذلك: سألتك هل اتباعه يزيدون أو ينقصون؟ فقلت: بل يزيدون فكذلك اﻻيمان اذا خالطت بشاشته شغاف القلب). ذكر بعض أهل العلم من فوائد هذا الكلام ما تقرر عند العقلاء ان من علامة صحة المنهج ثبات اتباعه عليه.

أخي الدكتور ارجع معي بالذاكرة كيف كانت مجالس السلفيين وكيف كانت هيئاتهم؟ لعلك تتذكر في تلك اﻻيام اﻻخوة السلفيين اذا نطق أحد بكلمة قالوا له ما دليلك؟ فاذا ذكر آية قالوا وما تفسيرها؟ وما سبب نزولها؟ واذا ذكر حديثا قالوا له ما صحته؟ واذا ذكر حكما قالوا له من سبقك بهذا القول؟ ولما تغلغلوا بالسياسة والعمل النيابي تغيرت دعوتهم فأصبحت وجوههم غير التي كنا نعرفهم بها ونسمع من ألسنتهم غير الذي كنا نسمع! فلقد أصبحت مجالسكم تتردد فيها المادة الفلانية من الدستور تنص على كذا والمذكرة التفسيرية تقول كذا! وفي البداية كنتم تقولون نريد ان ندخل المجالس حتى ﻻ نتركها للعلمانيين والليبراليين وأهل الأهواء واليوم تقفون جنبا الى جنب مع اكبر رؤوس العلمانيين والليبراليين وأهل اﻻهواء! وباﻻمس القريب تعارضون دخول المرأة في العمل السياسي واليوم أصبحت فلانة العضوة في مجلس الأمة أفضل من عشرين رجلا! لماذا؟ لأنها وافقت مواقفها مواقفكم. باﻻمس كنتم تقولون «اﻻ الشريعة» أما اليوم فلقد رفعتم شعار «اﻻ الدستور»، والله المستعان على ما تصفون.

قال الدكتور وفقه الله للحق:

(ان مفهوم السلفية مختطف بين من يرى وجوب الخروج على وﻻة اﻻمر بالسلاح وقتل النفس التي حرم الله اثارة الفتنة وزعزعة أمن المجتمعات كما يفعل البغاة الذين يسلكون مسلك الخوارج وبين تحريض وﻻة اﻻمر على اﻻمة وتأليبهم لجلد ظهور الناس وسلب أموالهم ودعوة الناس الى اﻻستسلام الى الواقع المرير دون السعي بالوسائل الشرعية ونسبة هذين المنهجين للنبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح افتئات وهما منهما براء) انتهى كلامه.

فأقول: عجبا كلامك يا دكتور تنهى عن خلق وتأت بمثله؟! فأنت تنكر طريقة الخوارج وأنت واقع في طرف منها!! فمن الذي أثار الفتنة وجمع الناس وقال: الحكومة والحكومة واحذركم ان تجربونا ونحن مجربون؟ أنسيت قولك للجمهرة التي حضرت: (ﻻ تخافون الخوف ما ينجي)؟! هذه بداية الخروج بالسلاح فالحرب أولها كلام كما ﻻ يخفى على أدنى ذي بصر وبصيرة! يا دكتور هل تضمن ان هذا الجمهور لما يسمع كلماتك وكلمات غيرك ان ﻻ يقوم من بينهم بعض المتهورين ويتشابك مع قوات الحكومة؟ ثم ما يدريك قد يتغلغل في هذا الجمهور عناصر تريد الفتنة فتبدأ بالتحرش ومد اﻻيدي ورفع السلاح على الحكومة؟ أليس هذا أمراً وارداً جدا؟ ثم يا دكتور لقد زعمت ان هناك فئة تدعي منهج السلف وهم يحرضون وﻻة اﻻمر على الأمة وتأليبهم لجلد ظهور الناس...الخ.

فأقول: والله ما سمعنا بهذه الفئة وﻻ رأيناها في حياتنا قط فكيف يحلو لك ان ترمي الناس بما ليس فيهم أليس هذا من الظلم الذي يسألك الله عنه؟

(الدكتور يستدل بكلام شيخ اﻻسلام ضد نفسه)

وهذا ما سأفرد له مقالا منفردا فانتظر أخي القارئ الكريم اﻻسبوع القادم ان شاء الله تعالى.

اسأل الله تعالى ان يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يصلح وﻻة أمورنا ويرزقهم البطانة الصالحة التي تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر بالتي هي أحسن للتي هي أقوم. والحمد لله أوﻻ آخرا وظاهرا وباطنا وصلى وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.

المقالات