الخروج على الحاكم يكون بالقول والكلام كما يكون بالسيف والسنان
المقال الذي رفضت جريدة الوطن نشره كاملاً!!
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من ﻻ نبي بعده، أما بعد:
فلقد قرأت مقالا بعنوان «أمة وسطا» لدكتور في كلية الشريعة وعضو مجلس الأمة سابقًا وهو عضو في إحدى جمعيات النفع العام وأحد المشاركين في ندوة إﻻ الدستور!!
ضمن الأخ الدكتور مقاله بمغالطات كثيرة وقلب كثيرًا من الحقائق.
ولقد بدأت بالرد عليه في الأسبوع الماضي والذي قبله واليوم سأتمم ما بدأت به فأقول وبالله استعين وعليه أتوكل وإليه أنيب:
لقد ذكرت لك أخي القارئ الكريم في المقال السابق أن تهييج الناس بالكلام على الحاكم أو نائبه ﻻ يجوز بل الكلام هو بداية الخروج بالسيف وإليك نص كلام شيخنا محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله تعالى - في مصداق ما قررته لك حيث قال: (... فقد وجهت اﻻنتقادات إلى أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين بل العجب أنه وجه الطعن إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قيل له: اعدل، وقيل: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله!
وقال الرسول عليه الصلاة والسلام: (إنه يخرج من ضئضء هذا الرجل من يحقر أحدكم صلاته عند صلاته) يعني مثله، رواه البخاري (4351) ومسلم (1064)، وهذا أكبر دليل على أن الخروج على الإمام يكون بالسيف ويكون بالقول والكلام لأن هذا ما أخذ السيف على الرسول عليه الصلاة والسلام لكنه أنكر عليه.
وما يوجد في بعض كتب أهل السنة من أن الخروج على الإمام هو الخروج بالسيف فمرادهم بذلك الخروج النهائي الأكبر كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الزنا يكون بالعين ويكون بالأذن ويكون باليد ويكون بالرجل لكن الزنا الأعظم الذي هو الزنا حقيقة هو زنا الفرج، ولهذا قال (الفرج يصدقه أو يكذبه)، فهذه العبارة من بعض العلماء هذا مرادهم بها، ونحن نعلم علم اليقين بمقتضى طبيعة الحال، أنه لا يمكن خروج بالسيف إلا وقد سبقه خروج باللسان والقول، الناس لا يمكن أن يأخذوا سيوفهم يحاربون الإمام بدون شيء يثيرهم؛ لا بد أن يكون هناك شيء يثيرهم وهو الكلام، [ فيكون الخروج على الأئمة بالكلام خروجًا حقيقة ]، دلَّتْ عليه السنة، ودلّ عليه الواقع، أما من السنة فقد تقدم ذكره، وأما الواقع فإنا نعلم علم اليقين [ أن الخروج بالسيف فرع عن الخروج باللسان والقول ]؛ لأن الناس لم يخرجوا على الإمام بمجرد أخذِ السيف، لا بد أن يكون توطئة وتمهيد وقدح في الأئمة، وستر لمحاسنهم، ثم تمتلئ القلوب غيظًا وحقدًا، وحينئِذٍ يحصل البلاء) انتهى كلامه. من التعليق على رسالة رفع الأساطين في حكم الدخول على السلاطين، ص 33-34.
الدكتور لم يستوعب عقيدة ومنهج السلف في طاعة ولي الأمر فانكره
سبق أن بينت لك أخي القارئ أن السمع والطاعة لمن ولاه الله أمرنا إنما تكون بالمعروف ما لم يأمر بمعصية الخالق، فإن أمر بمعصية الخالق فلا يسمع له في تلك المعصية خاصة ويطاع فيما سوى ذلك، ولو كان ظالما أو مستأثرا لنفسه ومن معه بالمال دون غير . وعلينا مناصحته بالتي هي أحسن للتي هي أقوم، وعلينا أن نأمره بالمعروف وننهاه عن المنكر مع الصبر على ذلك من غير خروج عليه ﻻ بالقول والكلام وﻻ بالسيف والسنان. وهذا الذي قررته أمر ظاهر وما أنا إﻻ ناقل لما أجمع عليه السلف وكتب أهل السنة تشهد به.
لكن الدكتور - هداه الله لرشده - استنكره بشدة واستعجل برده ونقل كلامًا لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - ظانًا أنه يخالف ما قد قرره السلف!
وفي الحقيقة أن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - لم يتجاوز ما قرره السلف قدر شعرة، وإليك نص كلامه:
(وَأَمَّا أَهْلُ الْأَهْوَاءِ - كَالْمُعْتَزِلَةِ - فَيَرَوْنَ الْقِتَالَ لِلْأَئِمَّةِ مِنْ أُصُولِ دِينِهِمْ وَيَجْعَلُ الْمُعْتَزِلَةُ أُصُولَ دِينِهِمْ خَمْسَةً: " التَّوْحِيدَ " الَّذِي هُوَ سَلْبُ الصِّفَاتِ؛ وَ " الْعَدْلَ " الَّذِي هُوَ التَّكْذِيبُ بِالْقَدَرِ؛ وَ " الْمَنْزِلَةَ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ " وَ " إنْفَاذَ الْوَعِيدِ " وَ " الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ " الَّذِي مِنْهُ قِتَالُ الْأَئِمَّةِ. وَقَدْ تَكَلَّمْت عَلَى قِتَالِ الْأَئِمَّةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَجِمَاعُ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي " الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ ": فِيمَا إذَا تَعَارَضَتْ الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ وَالْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ أَوْ تَزَاحَمَتْ؛ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَرْجِيحُ الرَّاجِحِ مِنْهَا فِيمَا إذَا ازْدَحَمَتْ الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ وَتَعَارَضَتْ الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ. فَإِنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَإِنْ كَانَ مُتَضَمِّنًا لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ وَدَفْعِ مَفْسَدَةٍ فَيُنْظَرُ فِي الْمُعَارِضِ لَهُ فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَفُوتُ مِنْ الْمَصَالِحِ أَوْ يَحْصُلُ مِنْ الْمَفَاسِدِ أَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهِ؛ بَلْ يَكُونُ مُحَرَّمًا إذَا كَانَتْ مَفْسَدَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ؛ لَكِنَّ اعْتِبَارَ مَقَادِيرِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ هُوَ بِمِيزَانِ الشَّرِيعَةِ فَمَتَى قَدَرَ الْإِنْسَانُ عَلَى اتِّبَاعِ النُّصُوصِ لَمْ يَعْدِلْ عَنْهَا وَإِلَّا اجْتَهَدَ بِرَأْيِهِ لِمَعْرِفَةِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَقُلْ إنْ تعوز النُّصُوصَ مَنْ يَكُونُ خَبِيرًا بِهَا وَبِدَلَالَتِهَا عَلَى الْأَحْكَامِ. وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الشَّخْصُ أَوْ الطَّائِفَةُ جَامِعَيْنِ بَيْنَ مَعْرُوفٍ وَمُنْكَرٍ بِحَيْثُ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا؛ بَلْ إمَّا أَنْ يَفْعَلُوهُمَا جَمِيعًا؛ أَوْ يَتْرُكُوهَا جَمِيعًا: لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤْمَرُوا بِمَعْرُوفِ وَلَا أَنْ يُنْهُوا مِنْ مُنْكَرٍ؛ يَنْظُرُ: فَإِنْ كَانَ الْمَعْرُوفُ أَكْثَرَ أَمَرَ بِهِ؛ وَإِنْ اسْتَلْزَمَ مَا هُوَ دُونَهُ مِنْ الْمُنْكَرِ. وَلَمْ يَنْهَ عَنْ مُنْكَرٍ يَسْتَلْزِمُ تَفْوِيتَ مَعْرُوفٍ أَعْظَمَ مِنْهُ؛ بَلْ يَكُونُ النَّهْيُ حِينَئِذٍ مِنْ بَابِ الصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالسَّعْيِ فِي زَوَالِ طَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَزَوَالِ فِعْلِ الْحَسَنَاتِ وَإِنْ كَانَ الْمُنْكَرُ أَغْلَبَ نَهَى عَنْهُ؛ وَإِنْ اسْتَلْزَمَ فَوَاتَ مَا هُوَ دُونَهُ مِنْ الْمَعْرُوفِ. وَيَكُونُ الْأَمْرُ بِذَلِكَ الْمَعْرُوفِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْمُنْكَرِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ أَمْرًا بِمُنْكَرِ وَسَعْيًا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ. وَإِنْ تَكَافَأَ الْمَعْرُوفُ وَالْمُنْكَرُ الْمُتَلَازِمَانِ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِمَا وَلَمْ يُنْهَ عَنْهُمَا. فَتَارَةً يَصْلُحُ الْأَمْرُ؛ وَتَارَةً يَصْلُحُ النَّهْيُ؛ وَتَارَةً لَا يَصْلُحُ لَا أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ حَيْثُ كَانَ الْمَعْرُوفُ وَالْمُنْكَرُ مُتَلَازِمَيْنِ؛ وَذَلِكَ فِي الْأُمُورِ الْمُعَيَّنَةِ الْوَاقِعَةِ) انتهى كلامه من مجموع الفتاوى [ 28/ 129 ].
فأقول يا دكتور هذا الكلام عليك وليس لك، فشيخ الإسلام بين بأن الخروج على الإئمة من أصول أهل الأهواء المعتزلة والذي اطلقوا عليه - زورًا وبهتلنًا - أنه أمر بمعروف ونهي عن منكر. وسبق أن بينت لك أن تهييج الناس بالكلام والقول خروج حقيقة وهو مقدمة الخروج بالسلاح.
وتأمل يا دكتور قول شيخ الإسلام: (لكِنَّ اعْتِبَارَ مَقَادِيرِ الْمَصَالِحِ وَالْمَفَاسِدِ هُوَ بِمِيزَانِ الشَّرِيعَةِ فَمَتَى قَدَرَ الْإِنْسَانُ عَلَى اتِّبَاعِ النُّصُوصِ لَمْ يَعْدِلْ عَنْهَا وَإِلَّا اجْتَهَدَ بِرَأْيِهِ لِمَعْرِفَةِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَقُلْ إنْ تعوز النُّصُوصَ مَنْ يَكُونُ خَبِيرًا بِهَا وَبِدَلَالَتِهَا عَلَى الْأَحْكَامِ). فقوله فمتى ما قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها عليك يا دكتور وليس لك، فخلافنا معك حول هذا، فنحن نأمرك ونأمر غيرك بما أمرنا به أنفسنا بالتمسك بالنصوص الكثيرة في السمع والطاعة بالمعروف لمن ولاه الله أمرنا.
ثم تأمل كلامه - رحمه الله تعالى - حيث جعل مقادير المصالح والمفاسد المعتبرة بميزان الشريعة، وعلى هذا نحتاج إلى علماء لتحديد المصالح والمفاسد بل لتحديد خير الخيرين وشر الشرين. وهذا بعد العجز عن الأخذ بالنصوص واضطررنا إلى النظر في الأشباه والنظائر، لذا قال: (وَقُلْ إنْ تعوز النُّصُوصَ مَنْ يَكُونُ خَبِيرًا بِهَا وَبِدَلَالَتِهَا عَلَى الْأَحْكَامِ).
والآن يا دكتور قل لي بربك كيف تستدل بهذا الكلام على خلاف ما أجمع عليه السلف؟!
هل تراجع أم مراوغة؟
في جريدة الوطن بتاريخ 14/12/2010 قال الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق وهو شيخ جمعية أحياء التراث في بيان أصدره هذا نصه:
(الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فأهيب وأناشد إخواني نواب مجلس الأمة العدول عن مساءلة سمو رئيس مجلس الوزراء، لأن ذلك يفضي إلى المساس بجناب حضرة صاحب السمو أمير البلاد حفظه الله، وسيكون عدولهم هذا درءاً للفتنة وجمعاً للكلمة، ورفعة وشرفاً للجميع.
وأرجو ألا تدعوا الكويت تموت بين أيديكم {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}) انتهى كلامه.
وهذا الكلام من الشيخ عبدالرحمن جيد في هذه المناسبة لكن لم نعهده من قبل يطرح هذا الطرح، مما أثار جدلاً واسعًا في الساحة الكويتية، فلقد كان في السابق يقرر نقيض هذا التقرير وهذه بعض أقواله:
في كتابه [ الأصول العلمية للدعوة السلفية ] ص 11 في موقعه:
(واعتداء سلاطين الأرض وملوكها ورؤسائها على شرعة الله؛ بتحليل ما حرم، وتحريم ما أحل، عدوان على التوحيد، وشرك بالله، ومنازعة له في حقه وسلطانه جل وعلا.
وأكثر سلاطين الأرض اليوم وزعماؤها قد تجرؤوا على الخالق الملك سبحانه وتعالى، فأحلوا ما حرم، وحرموا ما أحل، وشرعوا للناس بغير شرعه؛ زاعمين تارة أن تشريعه لا يوافق العصر والزمن، وتارة أنه لا يحقق العدل والمساواة والحرية، وأخرى بأنه لا يحقق العزة والسيادة.
والشهادة لهؤلاء الظالمين بالإيمان عدوان على الإيمان وكفر بالله سبحانه وتعالى.
ونأسف إذا قلنا: إن سوادًا كبيرًا من الناس قد أطاعوا كبراءهم فيما شرعوا لهم من شرع الله مخالف لشرعه سبحانه وتعالى، وكثير من هؤلاء من هذا السواد يصلي ويصوم - مع ذلك - ويزعم أنه من المسلمين) انتهى كلامه.
وقال في رسالته [ حكم معاهدات الصلح والسلام مع اليهود ]:
(ما يعقده أي رئيس من رؤساء المسلمين منفرداً لا يلزم جميع المسلمين وبالتالي فإن هذه الاتفاقيات لا تلزم عموم المسلمين، بل ولا تلزم أي فريق منهم لأن الشعوب الإسلامية لم تُستشر في شيء من ذلك وإنما فاجأهم الساسة بما وقّعوه وابرموه، ومثل هذه العقود التي عُقدت عن غير مشورة لا تلزم المسلمين) انتهى كلامه (ص17-18).
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل غير الشيخ عبدالرحمن عقيدته ومنهجه؟ أو هذا من باب الكر والفر والمراوغة المنهجية على حد تعبير بعضهم: واحد يفجر وآخر يستنكر؟ والله المستعان.
يقول صلاح الصاوي: (هذا ولا يبعد القول بأن مصلحة العمل الإسلامي قد تقتضي أن يقوم فريق من رجاله ببعض هذه الأعمال الجهادية، ويظهر النكير عليها آخرون، ولا يبعد تحقيق ذلك عمليًا إذا بلغ العمل الإسلامي مرحلة من الرشد، أمكنه معه أن يتفق على الترخص في شيء من ذلك ترجيحًا لمصلحة استمرار رسالة الإسلاميين في هذه المجالس بغير تشويش ولا إثارة) انتهى كلامه. الثوابت والمتغيرات (ص 265).
تأمل هذا الروغان الحركي الدعوي العجيب!
أسأل الله تعالى أن يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يصلح وﻻة أمورنا ويرزقهم البطانة الصالحة التي تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر بالتي هي أحسن للتي هي أقوم. والحمد لله أوﻻً آخرًا وظاهرًا وباطنًا وصلى وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.