موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

يا دعاة الفتنة إلى أين تذهبون بالأمة؟!

3 ربيع الأول 1432 |

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن دعاة الفتنة في كل زمان ومكان كثيرون لكن شرهم وصراحتهم تظهر أكثر ما تظهر إذا مرت بالأمة أحوال وأزمات هي أحوج ما تكون محتاجة إليه التهدئة والتريث لكي تجتاز أزمتها بسلام.

وما زلنا نتذكر ما قام به بعضهم في أيام احتلال العراق للكويت وتدفق الجيوش الأجنبية إلى الخليج بعددها وعدتها، اذ قامت مجموعات بإثارة الفتنة وتهييج الناس واستغلال انشغال الحكومات بما تواجهه من أزمات عظيمة تعصف بها من كل جانب، واليوم بينما تدخل الأمة دهاليز مظلمة لا يعلم نهايتها إلا الله تعالى نجد دعاة الفتنة يزيدون الطين بلة بل يؤججون النار زيادة في الفتنة ولو سفكت الدماء و دب الخوف و ضاع الأمن، المهم عندهم على حد تعبيرهم (سقوط الطغاة)!!

يقول أحدهم (يدعى حامد) في مقال بعنوان: «عشر عبر وفوائد من سقوط أول طغاة العرب» صدَّره بقوله:

«اليوم حق لنا أن نهنئ أمتنا العظيمة ببطلان سحر طغاة العرب وذلك بسقوط أول طاغية عربي وهروبه بثورة شعبية أثمرت التخلص من النموذج المفضل لـ «حكم جائر» لدى الأنظمة العربية، ولنتأمل خيرا أن تمتد هذه الثورة لتلحق بقية الطغاة بمصير (شين الفاجرين)..

إلى آخر كلامه في مقال طويل ليس عليه نور الكتاب والسنة بل أكثره سب وشتائم وإتهامات وتهييج وإثارة وتفنن بالعبارة أشبه ما يكون بموضوع تعبير لينال عليه درجة كاملة!!

أقول: لست آسفا على سقوط الرئيس التونسي ابن علي فلا يجمعني به مذهب ولا منهج ولا نسب ولا شراكة، لكن الذي يؤسفني ويؤلمني وأَحْذَرَ منه وأُحَذِّرَ غيري هذا المنهج الثوري التكفيري الذي يتبناه ويتمناه ذلك الكاتب وأمثاله، فهو يريد وبكل صراحة ووقاحة أن تحصل انقلابات وثورات في جميع الدول العربية ولم يستثنِ منها شيئا، وكل عاقل يدرك ماذا ستخلّفه هذه الثورات من انزاف للدماء ودمار للدول والشعوب وذهاب للدين والدنيا، ولو كان ما يدعو إليه من أجل إقامة التوحيد ونصر السنة وإعلان الجهاد المشروع لتكون كلمة الله هي العليا لكنا أول من يضع يده معه، وتدبر حديث أبي موسى رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليُرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال: "من قاتلَ لتكون كلمةَ الله هي العليا فهو في سبيل الله". رواه البخاري (2810) ومسلم (1904)، فلم يعتبر النبي صلى الله عليه وسلم الجهاد جهادا مشروعا إلا إذا كان من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا.

(إنهم لا يتعظون بما مضى)

السعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ به غيره، قبل ثلاثين سنة فرح بعض الناس بسقوط شاه إيران وانخدع كثير من الناس بالبديل القادم وتبادلوا التهاني واستبشروا خيرا وظنوا أن سقوط دولة الصهاينة ستكون على يديه.. ودعا من دعا إلى الصلاة على شهداء إيران وأرسلوا برقيات التهنئة وأحرقوا علم «إسرائيل» ورفعوا علم «فلسطين» ثم ما النتيجة التي ظفروا بها؟ لا شيء!! سوى ثلاثين سنة من الرعب والتهديد المستمر للمنطقة وأهلها.

وبعدها قام الإخوان المسلمون لمواجهة حاكم لدولة عربية (فيما يسمى بأحداث حماة) فكانت النتيجة أن سَحَقَ منهم ومن غيرهم عشرات الآلاف وسُجِنَ من سُجِن وَفَرَّ من فَرَّ والنتيجة لا شيء!!

وبعدها اشتعلت حرب ضروس في الجزائر راح ضحيتها أعداد هائلة من الأبرياء لا يحصيهم إلا الله والنتيجة لا شيء!!

وبعد هذه الحوادث وقبلها وقع ما وقع ولم نظفر بعزة للإسلام والمسلمين بل لا نحصد إلا الويلات والدمار، واليوم سقط الرئيس التونسي ابن علي فما البديل القادم؟ هل سيحكم الحاكم القادم بالكتاب والسنة؟ هل سيقيم العدل ويقيم الصلاة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر؟

يقينا لن يحصل هذا حسب الأوضاع المحلية والدولية إلا أن يشاء الله تعالى، فكل المؤشرات تشير إلى إقامة دولة – إن قامت – متعددة الأحزاب متعددة العقائد والأديان والمذاهب والإتجاهات من قومية وليبرالية وشيوعية وإسلامية «منحرفة» وغير ذلك، يعني أيضا حكومة لا تقيم الشرع وحاكم فاسد جديد إذن على ماذا يهنئ بعضنا بعضا بسقوط أحد الحكام وقدوم آخر؟!

(قل ما في قلبي ولا تقل ما في لساني)

يروى أن مدرسا اعجميًا يقرئ طفلا القرآن الكريم فيقول له اقرأ {غير المغزوب عليهم ولا الزالين} فيقلب الضاد زايا، فإذا بالطفل يقرأها كذلك {غير المغزوب عليهم ولا الزالين}!!

فقال المدرس: بابا قل ما في قلبي ولا تقل ما في لساني!!

أخي القارئ الكريم إذا قلت فما مناسبة هذه القصة اللطيفة؟

فأقول: دعاة الفتنة ذكروني إياها!!

أحدهم (يدعى حاكم) كتب مقالا بعنوان «تونس فورة غضب وثورة شعب» قال في مطلع مقاله:

«لم يكد محمد البوعزيزي – طيب الله ثراه – يفارق الحياة حتى بعث بموته عقولا واحيا قلوبا وحرر أمما وحرك شعوبا كما دك طغاة وعروشا وأسقط مذاهب ونظريات طالما كانت قيدا على العقول والأفكار كل ذلك بفورة غضبه وثورة شعبه»!

ثم أتم مقاله الطويل ليخلص فيه إلى أن محمد بوعزيزي مات شهيدا مستحقا للشهادة بأكثر من وجه، وكذلك على حد تعبيره:

«ومن خرج - كما جرى في مظاهرات تونس – احتجاجا ودفاعا عن حقه ودينه وعرضه وماله ولقمة عيشه ووطنه فقتل فهو شهيد!»

أقول: لاشك هذه دعوة صريحة وجريئة جداً من هذا الثوري الفتان، لكن الغريب والعجيب أنه قال قبل نهاية المقال بقليل:

«إننا لا ندعو – كما يتوهم سدنة الطاغوت – إلى أن يقتل الشباب أنفسهم» انتهى كلامه.

قلت: سبحان الله بعد كل هذا التمجيد الذي مجدت به محمد بوعزيزي من كونه مات شهيداً وقدم للأمة ما قدم وشجعت القارئ والسامع أن يخطو خطوته ويحذو حذوه تقول: (لا ندعو أن يقتل الشباب أنفسهم)!! مابقي إلا أن تقول: (بابا قل ما في قلبي لا ما في لساني).

ومثله كاتب ثوري آخر معروف بالتهييج (يدعى نبيل) كتب مقالاً بعنوان (منهج السلف أعدل)!! بأسلوبه المعروف كالمعتاد لم يأت بجديد لكن بعد التهييج والدعوة إلى الفوضى قال أخيرا بالحرف الواحد: (كلامي هذا ليس دعوة إلى الفوضى والغوغائية).

أقول: سبحان الله تشابهت أقوالهم، فنجده يقول قولاً ليوصل إلى عقول الناس منهجاً خاصاً ثم يحتاط لنفسه فيختم بقوله: (كلامي ليس دعوة إلى الفوضى والغوغائية). صدق عليه ما قيل قديماً «كاد المريب أن يقول خذوني». ذكرني والله بما يفعله بعض العامة تجده يغتاب أخاه المسلم ويستطيل في عرضه ويذكره بما يكره وفي النهاية يقول: (وليست هذه غيبة له وإنما هي الحقيقة)!! فاته بأن الله تعالى لاتخفى عليه خافية { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) } [غافر].

(سباحة في الماء بلا بلل ومظاهرات بلا تخريب)

ومثل هؤلاء من دعاة الفتنة من يظهر علينا بين الحين والآخر ممن يدعو إلى المظاهرات والمسيرات التي لا علاقة لها بالإسلام والمسلمين لا من قريب ولا من بعيد والتي أفتى العلماء بتحريمها مطلقاً سواء أذن بها ولي الأمر أو لم يأذن بها، والتي في حقيقتها خراب ودمار وسفك للدماء وضياع للدين والدنيا.

ليس لهم فيها مستند شرعي سوى أن الحزب يدعو لها، فلا يسعهم إلا السمع والطاعة المطلقة لأن في أعناقهم بيعة لابد من الوفاء بها، وزعموا بأن المظاهرات والمسيرات لا بأس بها إذا كانت سلمية!!

أقول: سبحان الله وهل يتصور عاقل له بصر وبصيرة أن هناك مظاهرات ضد الحاكم يأذن بها وتكون سلمية؟!

أقول: لو تصورنا أن هناك خارج الذهن سباحة في الماء بلا بلل يمكن أن نتصور مظاهرات بلا تخريب، إنها الحقيقة ولكن ماذا نصنع مع المكابرين؟!

(الجامع لدعاة الفتنة والقاسم المشترك)

كل من قرأ وتابع دعاة الفتنة يجد هناك قواسم مشتركة تدل على أنهم «مشكاة» واحدة منها:

  1. الخروج عن كلام العلماء، فلا تكاد تجد لهم استدلالا بأقوال العلماء إلا قليلا فيما إذا وجدوا قولا يُفهم منه ولو من بعيد ما يوافق آراءهم.

  2. قلة الاستدلال بالأدلة من الكتاب والسنة.

  3. التكفير العام للحكام والحكومات والتركيز على هذا الباب.

  4. التناقضات الكثيرة، واذكر على سبيل المثال مثالين:

    • تكفيرهم للحكومات التي تحكم بالديموقراطية مع مشاركتهم المستمرة بالانتخابات.

    • تأييدهم لحركة حماس الموالية لإيران مع عدائهم للدولة الصفوية.

  5. كثرة السب والشتم والهمز واللمز والتنابز بالألقاب خصوصا الكاتب (حامد) فوالذي نفسي بيده ما مر علي في حياتي قط كاتب إسلامي خطيب يعلو المنبر يشتم ويلمز مثل هذا الكاتب!!

بل قد يستحي الليبرالي والعلماني أن يسخر باللحية كسخريته، فقد كتب مقالا بعنوان (اللحى المستعارة)!! جاء في مقاله هذه السطور الآثمة في حق الخطباء الذين خطبوا خطبة وزارة الأوقاف الموزعة على جميع مساجد الكويت في وجوب طاعة ولي الأمر بالمعروف، يقول:

«وأما فتاوى الطاعة المطلقة للسلطة والانقياد الأعمى لها، واضفاء الشرعية على الاستبداد واهدار حقوق الشعوب وإلغاء دورها فما هو إلا دين الشيطان وهو دين (اللحى المستعارة) التي يوظفها ابليس لتشويه صورة الشريعة الإسلامية واظهارها بمظهر قساوسة الكنيسة في (عصور ما قبل النهضة) ليصد الناس عن دين المرسلين وشريعة رب العالمين!! والعجب والله كثرة هذه اللحى المستأجرة هذه الأيام، حتى تكاد تتشابك من كثرتها فتسد علينا الطرقات وتحجب عنا ضوء الشمس! حتى لم يبق شيء من الخبال على أمة الإسلام إلا وافتروه على دين الله تعالى. فأجازوا احتلال الصليبية للبلاد الإسلامية، وأحلوا لها دماء المسلمين وحرموا الجهاد لتحرير بلاد الإسلام وزينوا للظلمة طغيانهم، ثم وضعوا توقيعاتهم الملعونة على كل دم سفك ظلما وعلى كل حكم صدر بغيا وعلى كل حق اهدر وعلى كل قول حر صودر فهم والله من أعظم المصائب على أمتنا لاسيما في هذا العصر قطع الله دابرهم وأراح المسلمين من شرهم» انتهى كلامه.

اعتذر أخي القارئ عن نقل هذا الكلام المزعج لكن للضرورة أحكاما أردت ان أطلعك على مستوى هذا الكاتب والأسلوب الذي يتعامل به مع من خالفه في عقيدته ومنهجه!!

ولو شئت لأقسمت بأنه يعجز أن يصرح لنا بأسماء خمسة أشخاص فقط بهذا الوصف الذي ذكره مع أنه قال إنهم «كثرة».

بل لو سألته هل هؤلاء مسلمون أو كفار أو منافقون؟ لعله سيقول: «لا أكفرهم»، فإن قلت له: لكنك وصفتهم بما قد لا تتوفر تلك الأوصاف في كثير من الكفار، فلعله سيقول: «بابا قل ما في قلبي ولا تقل ما في لساني»!!

على كل حال يا (حامد) الله الموعد.

اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات