جزى الله الشدائد كل خيرٍ ... عرفتُ بها عدوّي من صديقي
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الله تعالى خلق الموت والحياة للابتلاء والاختبار، قال تعالى: { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } [الملك 2]، ولا شك أن الأمة الإسلامية تمر بأزمات شديدة بل لا تكاد تفيق من معضلة إلا ودخلت معضلة أخرى، فهي فتن متتالية ويرقق بعضها بعضاً من كثرتها وشدتها والحمد لله على كل حال.
لكن كما قيل لا يقدر الله تعالى الشر المحض بل ما من مصيبة إلا وفيها جوانب من الخير ما الله به عليم. ولعل من الخير الذي نستفيده من أحداث مصر الأخيرة ظهور حقيقة تلك المناهج الفاسدة التي يحملها كثير من الناس والتي قد تنطلي على كثير من الناس، لكن هذه الفتن كفيلة لتبرز لنا نوايا وأهداف وتكشف مخططات طالما حاول أصحابها اخفاءها لكن يأبى الله تعالى إلا أن يظهر الحق، قال تعالى: { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ } [محمد 30]، ومن هؤلاء المرشد العام للثورة الإيرانية الرافضية، حيث خطب الجمعة - على غير عادته - باللغة العربية ليصل صوته إلى أبناء مصر محرضاً إياهم للاستمرار في المظاهرات والفوضى لمزيد من التفكك والضعف الذي يضر جداً في أكبر دولة عربية لا تتماشى مع سياسة دولته ودعوته جاء في كلامه كما نقلته وسائل الإعلام أنه قال:
«أدعو الشعب المصري إلى إقامة نظام شعبي يقوم على الديانة الإسلامية، يلعب فيه رجال الدين دوراً نموذجياً، وما حدث في تونس وما يحدث في مصر من احتجاجات شعبية إنما هي بوادر يقظة إسلامية في العالم مستوحاة من الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979» انتهى كلامه.
ولا شك هذا تدخل سافر وصريح في شؤون مصر بل هو تطلع وطمع لنشر مذهبه ودولته وتصدير لثورته كما فعل ويفعل وسيفعل لتنفيذ مخطط خطير فبعد ما تغلغل في العراق وزرع حزب الله في لبنان ودعم الحوثيين في اليمن ليقترب من مكة وكسب ولاء حماس في فلسطين جاء اليوم يمد عينيه على مصر.
ولا يشك أدنى من له بصر وبصيرة أن للثورة الإيرانية الرافضية أطماعاً وعقيدة تسعى لتصديرها إلى كل الدول العربية والإسلامية بل وقد لغمت ألغاماً في كل دولة وبقعة وتنتظر الساعة المناسبة للانقضاض على كل ما يمكن ان تناله أيديهم. لذا أقول: لعل من الخير الذي يستفيده أهل السنة من هذه الأزمة الحذر من خطر هذه الثورة الإيرانية الرافضية والحد من أطماعها.
لماذا مصر بالذات؟!
كل الناس يدركون موقع مصر الاستراتيجي فهي بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، وتتحكم بقناة السويس التي تربط الغرب بالشرق، كما لا يخفى على أحد حضارة مصر وعراقتها وكثرة عدد سكانها، فلو ظفرت الثورة الإيرانية الرافضية بمصر أو بعضها فتكون قد كسبت مكسباً كبيراً وحققت انجازاً عظيماً تضيفه إلى مخططها التوسعي. لكن مما أريد أن أنبه عليه كل مسلم وهو مدى قبول مصر لهذه الدعوة الفارسية الصفوية وذلك لأسباب كثيرة منها:
أن إيران حريصة كل الحرص على إسقاط حكومة مصر لأنها غير مستجيبة لها اطلاقاً.
انتشار الفقر والبطالة والغلاء في مصر وهذه الأجواء من السهولة جداً اختراقها، وذلك بدفع الأموال مقابل تصدير ثورتهم وقبول دعوتهم.
التشابه العقائدي بين الرافضة والمتصوفة فكل منهما تقوم عقيدته على التعلق بالأولياء والصالحين وتعظيم القبور والمزارات.
العاطفة الكبيرة عند المصريين والتي يمكن استغلالها بشكل يخدم الثورة الإيرانية الرافضية.
التوافق الكبير والتعاون اللامحدود والتاريخي بين الثورة الإيرانية الرافضية والإخوان المسلمين، فلا يستبعد أن يحصل بينهم تعاون كما سبق أن حصل كثيراً بل ومازال وهو أمر معلوم لا يمكن انكاره. وأكبر دليل على هذا ما صرحت به وسائل الإعلام عن الدكتور يوسف القرضاوي لما دعا الجيش المصري إلى الانقلاب على الحكومة فهو متفق تماماً مع ما ترغب فيه إيران. وأيضاً دعا الدكتور طارق السويدان الشعب المصري وما أطلق عليهم بـ«الأغلبية الصامتة» دعاهم إلى الخروج والمطالبة بالحرية والديموقراطية بل وقال بالحرف الواحد «أنا عندي الحرية أولى من تطبيق الشريعة»!!
وأيضاً قد تستجيب الدول الكبرى لهيمنة إيران التي باتت تفرض دعوتها وتنشر نفوذها وأوشكت على امتلاك الأسلحة النووية، ولأن القوي دائماً يفرض احترامه فيعاملونه بخلاف ما يعاملون به الضعيف، وأكبر دليل أن الدول الكبرى فرضت على السودان تقسيمها إلى شمال وجنوب، لكن مستحيل أن تتدخل لفصل اﻻهواز أو غيرها عن إيران الفارسية والله المستعان.
كيف نواجه هذا الزحف التوسعي؟
لمواجهة هذا الزحف التوسعي الطامع في السيطرة التامة على بلاد المسلمين لابد لنا من الآتي:
التمسك بالتوحيد وعياً ودراسة وتدريساً.
التمسك بالسنة ونشرها بين أبنائنا وبناتنا.
نبذ الشرك والبدع.
الالتفات حول قادتنا والنصح لهم وعدم تهييج الرعية عليهم.
تفويت الفرصة على كل صاحب فتنة وعدم السماح للمتدخل الخارجي.
ترك التحزب والفرقة التي من شأنها اضعاف المسلمين.
والله أسأل أن يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يجعل تدبير عدونا تدميراً عليه. والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.