موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

وقفات مع دعاة الفوضى و الانقلابات

18 ربيع الأول 1432 |

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين ولا عدوان الا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فمازال دعاة الفتنة يراهنون على ان ثمَّ مظاهرات وانقلابات سلمية على الرغم من سقوط القتلى والجرحى والخراب والدمار الذي لا يعلم نهايته الا الله تعالى. ولقد حاول بعض دعاة الفتنة التقليل من شأن الخسائر في الأرواح والممتلكات فزعم أنها قليلة بالنسبة لما حققته المظاهرات السلمية!! وليت شعري كل هذه الأرواح التي زهقت والأضرار التي خلفتها المظاهرات تقول قليلة؟! ثم من قال لك ان الضحايا والخسائر والأضرار والمفاسد قد توقفت؟ بل كيف ستتوقف ودعاة الفتنة يؤججون نارها صباح مساء؟!

يقول أحدهم:

«القوة في عواصم معظم العالم الاسلامي مازالت بيد العسكر وحيثما وجد العسكر وجد معهم الظلم والجبروت».

ويقول:

«أعتقد ان التحرك الشعبي كان لابد منه حين بلغ السيل منتهاه وبرائحة كريهة تأباها النفوس والهمم السامية ولم يعد للصبر مكمنٌ فكانت الشرارة الصغيرة كافية باشعال الساحة بأكملها، وستكون في العواصم العربية في الشرق وشمال افريقيا والعالم العربي والاسلامي مما تعاني شعوبها الظلم والاضطهاد والحكم السلطوي العسكري أو حكم ظالم آخر، بالأمس كان في تونس واليوم في مصر وان غداً لناظره قريب» انتهى كلامه.

أقول: فماذا نفهم من كلام هذا المنظر؟ أليست دعوة صريحة لأن تقوم انقلابات في معظم العالم الاسلامي؟! وبعدها الله أعلم كم ستكون الخسائر في الأرواح والأموال والأملاك؟! ففي كل بلد هناك من يرى أنه مظلوم وبناء على هذا التنظير كل من رأى نفسه مظلوماً شرع له الخروج بمظاهرات وطالب بالتغيير كما هو حال الشيعة في البحرين والأكراد في تركيا، والبدون في الكويت، وبعد غد الشيعة في شرق السعودية، فبئس ما قلت يا منظر، الله يهديك لرشدك.

المظاهرات كلها شر والمتظاهر كالسكران

أخي القارئ الكريم في هذه الفقرة لن أضيف على كلام شيخنا ابن عثيمين حرفاً واحداً بل سأوقفك على كلامه لتقرأه بنفسك.

سؤال للشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: السائل: بالنسبة اذا كان حاكم يحكم بغير ما أنزل الله، ثم سمح لبعض الناس ان يعملوا مظاهرة تُسمى (عصامية) مع ضوابط يضعها الحاكم نفسه، ويمضي هؤلاء الناس على هذا الفعل، واذا أنكر عليهم هذا الفعل قالوا: نحن ما عارضنا الحاكم ونفعل برأي الحاكم. هل يجوز هذا شرعاً مع وجود مخالفة النص؟

الجواب:

عليك باتباع السلف، ان كان هذا موجوداً عند السلف فهو خير، وان لم يكن موجوداً فهو شر. ولا شك ان المظاهرات شر، لأنها تؤدي الى الفوضى، من المتظاهرين ومن الآخرين، وربما يحصل فيها اعتداء، إما على الأعراض، واما على الأموال، وإما على الأبدان، لأن الناس في خضم هذه الفوضوية قد يكون الانسان كالسكران لا يدري ما يقول ولا ما يفعل.فالمظاهرات كلها شر سواء أذن فيها الحاكم أو لم يأذن. واذن بعض الحكام بها ما هي الا دعاية، والا لو رجعت الى ما في قلبه لكان يكرهها أشد الكراهة، لكن يتظاهر بأنَّه كما يقول: (ديموقراطي) وأنَّه قد فتح باب الحرية للناس، وهذا ليس من طريقة (السلف)، انتهى كلامه من لقاء الباب المفتوح (179).

يا دعاة المظاهرات والانقلابات اتقوا الله

يؤسفني جداً الأسلوب الذي يتبعه دعاة المظاهرات والانقلابات فبينما نسوق لهم فتاوى العلماء وما نحن الا نقلة لكلامهم والا بهم يتوجهون بالتهم الباطلة والالزامات الخيالية أقلها: أنت تدافع عن الظلم والظلمة، وتتباكى على الطغاة وتنبطح لهم وو والخ من قاموس الشتائم والتهم المكررة كل ذلك هروباً من مقارعة الحجة بالحجة ونصرة لآرائهم ومناهجهم.

فأقول: اتقوا الله تعالى فإني أخوّفكم بالله تعالى لا بشيء سواه لا تستعملوا أسلوب فرعون مع نبي الله موسى عليه السلام الذي ذكره الله تعالى في سورة (الشعراء) فلقد كان موسى عليه السلام يدعو فرعون الى الحق وفرعون يعيّره بأنه تربى عنده وليداً وفعل فعلته وفرَّ هارباً، وتارة يقول انه مجنون وساحر وكذاب ويريد ان يخرجكم من أرضكم بسحره و و و الخ، فهكذا وللأسف بعض الناس لا يصبر عن استعمال أسلوب الاتهام والسب والشتم، لماذا كل هذا التشنج؟! اذا كان قصدك الحق فقدم دلائله وأدل بحجتك ودع عنك الأسلوب الفرعوني.

﴿يومئذٍ يفرحُ المؤمنون﴾

اعلم أخي القارئ ان كل مسلم يفرح بتغير أحوال المسلمين الى الأحسن بل لا يجوز ان تظن في مسلم يشهد أن لا اله الا اله وأن محمداً رسول الله لا يفرح بالتغير الى ما هو أفضل لاخوانه المسلمين. لكن ان نستعجل ونفرح بمجرد سقوط حاكم قبل ان تظهر لنا تغيرات ايجابية فهذا غير معقول. وعلى سبيل المثال: بعد رحيل الرئيس المصري هل سيحكم مصر حاكمٌ يحكم بالشريعة أو بالديموقراطية؟ هل سيزيل الشرك الأكبر من عبادة القبور والأولياء والتبرك بالمزارات؟ هل سيحارب البدع والمحدثات كالاحتفال بالموالد والتصوف؟ هل سينقض معاهدة السلام مع اليهود الصهاينة ويفتح المعابر ويعلن الجهاد حتى يذهب نبيل العوضي ليجاهد أو سيستمر يحمي دولة الصهاينة المحتلين؟ هل سيحارب الربا والرشوة والفساد؟ اذا تحقق هذا أو نصفه بل ربعه فيومئذ يفرح المؤمنون، مع ان كل المعطيات والمقدمات والنداءات والدعوات لا توحي بتحقق شيء من ذلك الا ان يشاء الله تعالى فلم نسمع كلمة واحدة بالمطالبة بما ذكرت لك. بل كل الأصوات تنادي بالحرية، بالعدالة، بالديموقراطية، بانتخابات حرة وباختيار الشعب للرئيس الذي يحكمه بايجاد فرص للعمل وبوقف النهب والسلب ومحاربة البطالة وو والخ، وليس للدين ذكر لا من قريب ولا من بعيد، الا ما نادى به المرشد العام للثورة الايرانية وهو يريدها امتداداً لثورة ايران لا للاسلام الذي بعث الله به رسوله محمداً عليه الصلاة والسلام!! بل تدرك الأحزاب الدعوية بأنهم لو طالبوا بالاسلام لأقصاهم الناس بعيداً، اذن ثورة على ماذا؟!

أخي القارئ اليك هذا الكلام النفيس للعلامة الرباني محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى وليس لي فيه اضافة أي حرف. قال رحمه الله تعالى:

(القضية ليس لها علاقة بالحُكام فقط، بل لها علاقة قبل الحُكَّام بالمحكومين!! المحكومون- هم في حقيقة- أمرهم يليق بهم مثل هؤلاء الحُكَّام! وكما يقولون: «دودُ الخل منه وفيه»! هؤلاء الحُكام ما نزلوا علينا من المريخ! وانَّما نَبَعوا «منَّا وفينا!». فاذا أردنا صلاح أوضاعنا: فلا يكون ذلك بأن نُعلن الحربَ الشعواء على حُكَّامنا، وأن ننسى أنفسنا، ونحن من تمام مُشكلة الوضع القائم اليوم في العالم الاسلامي! لذلك، نحن ننصح المسلمين ان يعودوا الى دينهم، وأن يُطبِّقوا ما عرفوه من دينهم {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ}... فاذن يا اخواننا ليس الأمر كما نتصوره: عبارة عن حماسات وحرارات الشباب، وثورات كرغوة الصابون: (تثور ثم تخور!)- في أرضها-، ثم لا ترى لها أثراً اطلاقاً).انتهى مختصراً من كلامه رحمه الله في شريط بعنوان «كيفية التعامل مع الواقع».

أرسل لي أحد الاخوة رسالة قال انه يكنى بأبي عبدالله وطلب مني قراءة مقالة وصفها بأنها رائعة لأستاذه الدكتور الفلاني بعنوان «اعدلوا هو أقرب للتقوى»، وبعد قراءتي للمقالة أرسلت له الآتي:

لقد قرأت مقالة الدكتور الفلاني الذي قلت عنها رائعة فما وجدته جاء بجديد سوى اعترافه بأن أعظم العدل التوحيد وأعظم الظلم الشرك! وﻻ يخفى عليك بأن الثورات واﻻعتصامات والمظاهرات وسقوط القتلى والجرحى واهدار الأموال والكرامات قد خلت تماما من المطالبة بالتوحيد ونبذ الشرك! هذا أوﻻً.

وثانيا: لم يخل المقال من الهمز واللمز كالعادة خروجاً عن الطرح العلمي وذلك كقوله «متعالمي زماننا».

ثالثا: ثبت ولم يبق ذرة شك بأنه ﻻ توجد مسيرات ومظاهرات واعتصامات سلمية وتونس ومصر والجزائر واليمن والبحرين اكبر شاهد وﻻ ينكر ذلك اﻻ مكابر.

رابعا: لم يكن التجمع في ديوانية الحربش تجمعا سلميا كما يفهم من كلام الدكتور وبامكانك مراجعة ندوة «اﻻ الدستور» في اليوتيوب فلقد كان التطاول بالكلام واضحا ولغة التهديد ظاهرة ومثل هذا بوادر للخروج كما قرر ذلك شيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى.

خامسا: لم يكن اجتماع ديوان الحربش لرفع الظلم، بل للمطالبة بالدستور كما هو ظاهر من عنوان الندوة فان كان لرفع الظلم فليحدد لنا الدكتور أي ظلم يقصد؟

سادسا: قول الدكتور (ووسائل الانكار هذه ليست مخالفة للشريعة وليست خروجا عن طاعة ولي اﻻمر) فأقول: حسب فتوى العلماء ابن باز واﻻلباني وابن عثيمين وغيرهم رحمهم الله تعالى المظاهرات والمسيرات والاعتصامات هي وسائل محرمة ومخالفة للشريعة وهي خروج على ولي اﻻمر. وﻻ يخفى على أي سني بأن هؤﻻء علماء وليسوا من متعالمي زماننا.

سابعا: قول الدكتور [ولن انتظر الجواب من متعالمي زماننا فقد سمعت جوابهم حين ضرب المتجمعون سلميا في ديوانية الحربش وأهينت كرامتهم فكان الجواب أنهم يستحقون هذه اﻻهانة لأنهم خالفوا اﻻوامر كالعادة للأسف في تبرير الظلم] فأقول: هل يمكن للدكتور ان يسمي لنا ثلاثة منهم فقط؟ وأين صرحوا بذلك؟ لأن هذا اﻻدعاء قد كثر وزاد والى اﻻن ما استطاع أحد ان يثبت صدق ما يدعيه سوى ان ينسب للساكت كلاما لم يتفوه به! بل اصبحت هذه تهما رخيصة كاتهام السبئية لأهل السنة ببغضهم لآل البيت أو كاتهام الصوفية لمن أنكر المولد بأنه ﻻ يحب الرسول صلى الله عليه وسلم! أما ضرب الناس بأسياط كأذناب البقر فهذا من كبائر الذنوب فكيف تظن باخوانك انهم يقرون الظلم؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.

ثامنا: ﻻ تفرحوا كثيرا بنتائج المظاهرات فاللعبة اكبر مما تتصورن ولن يأت زمان اﻻ وهو شر مما قبله.

تاسعا: انصحك اﻻ تتعصب لأحد وخذ الحق أينما وجدته واذا رأيت الرجل من أصول بدعية فلا تثق به كثيرا بل كن منه على حذر فلعل عنده رواسب في معتقده وما حديث «اجعل لنا ذات انواط» عنك ببعيد. والعبد يقرع بالعصا والحر تكفيه اﻻشارة!

عاشراً: ما نقله الدكتور من أقوال أهل العلم في كيفية التعامل مع من خرج وليس فيما نقله حجة في مشروعية الخروج بالمظاهرات.

أخي القارئ الكريم لم انته من الرد على دعاة المظاهرات واﻻنقلابات فان كان في العمر بقية فسأكمل الرد عليهم ان شاء الله تعالى. والله اسأل ان يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يصلح احوال المسلمين حكاما ومحكومين والحمد لله أوﻻ وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.

المقالات