موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

أين الله؟؟

1 جمادى الآخرة 1427 |

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لانبي بعده، أما بعد:

فإن أدلة الكتاب والسنة والإجماع والفطرة والعقل كلها دالة على علو الله سبحانه وتعالى، مهلاً عزيزي القارئ، لا تستعجل وتستنكر هذا السؤال، فإنه سؤال نبوي، رواه مسلم في صحيحه [537] من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال : وكانت لي جارية ترعى غنمًا لي قبل أحد والجوانية، فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب [الذئب] قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم، آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك عليَّ، قلت: يا رسول الله أفلا أعتقها؟ قال "ائتني بها" فأتيته بها، فقال لها " أين الله ؟ " قالت : في السماء، قال " من أنا ؟ " قالت : أنت رسول الله، قال " أعتقها، فإنها مؤمنة ".

فتأمل أخي القارئ، هذه العقيدة السليمة، والقصة الصحيحة الدالة على مشروعية السؤال ب«أين الله» مع الجواب عليه بأن الله في السماء، عقيدة تقر بها الفطرة القويمة، والعقول المستقيمة، والتي لا ينكرها إلا من انتكس وتلطخ بالبدع والأهواء.

اعلم أخي القارئ، رحمني الله وإياك، أن الأدلة توافرت وتضافرت وتعددت وتنوعت، وكلها تدل على علو الله سبحانه وتعالى، وأنه في السماء، فوق خلقه، وعلى العرش استوى، أعني بذلك أدلة الكتاب والسنة والإجماع والفطرة والعقل، كلها دالة على علو الله سبحانه وتعالى، أما أدلة الكتاب والسنة فتجاوزت ألف دليل، وأما الإجماع فهو قائم بين علماء الأمة، ومن قبله اتفاق الأنبياء والمرسلين على أن الله عز وجل في السماء فوق جميع خلقه، وأما تنوع الأدلة، فقد تنوعت إلى أكثر من عشرة أنواع، تدل بأنواعها على علو الله تعالى، وإليك بعضا منها بما يسع به المقام.

النوع الأول: أنه جل وعلا في السماء، قال تعالى «أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17)» [سورة الملك] وروى أبو داود [4941] والترمذي[1924] حديثاً صحيحاً عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء». وهذا الحديث لا تكاد تجد مسلماً إلا ويحفظه.

النوع الثاني: كونه جل وعلا استوى على عرشه كما قال جل وعلا (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)) [طه5]، وقد وصف الله نفسه باستوائه على العرش في سبعة مواضع في القرآن الكريم.

النوع الثالث: وصف نفسه تعالى بالفوقية، قال تعالى (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50))[النحل]، وقال تعالى (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18))[الأنعام]

النوع الرابع: سمى الله عز وجل نفسه ووصف نفسه بأنه العلي الأعلى، قال تعالى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1)) [الأعلى]، وقال تعالى (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255))[البقرة- آية الكرسي] .

النوع الخامس: كونه جل وعلا أنزل الكتاب، والإنزال يكون من الأعلى إلى الأسفل، قال تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1))[القدر]، والآيات في إنزال الكتاب كثيرة جداً.

النوع السادس: صعود الكلم الطيب إلى الله تعالى، قال تعالى (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر: 10] والصعود يكون من الأسفل إلى الأعلى.

النوع السابع: عروج الملائكة إليه، قال تعالى (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) [المعارج: 14] والعروج يكون من الأسفل إلى الأعلى، ومنه عروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى في ليلة الإسراء والمعراج، والتي لا يكاد يجهلها مسلم.

النوع الثامن: رَفْعُ الله عز وجل لعيسى بن مريم عليه السلام إليه، قال تعالى (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158)) [النساء]، ورفع الله عز وجل عيسى بن مريم، يكون من الأسفل إلى الأعلى.

النوع التاسع: نزول الله عز وجل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حتى يبقى ثلث الليل الآخر يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له» رواه البخاري (1145) ورواه مسلم(758). ونزوله جل وعلا إلى السماء الدنيا دليل على علوه سبحانه وتعالى.

النوع العاشر: ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم «لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي» رواه البخاري(3194) ورواه مسلم (2751) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

هذه بعض أدلة الكتاب والسنة التي تجاوزت ألف دليل، أما الإجماع: فقد نقله غير واحد من أهل العلم، وحسبنا حديث زينب رضي الله عنها، فكانت زينب تفخر على أزواج النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتقول (زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات) رواه البخاري (7420)، وسمع منها ذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وضرائرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليها أحد، فكان هذا إجماعا منهم على علو الله تعالى. وأما الفطرة: فكل إنسان لم تتلطخ فطرته بالبدع والأهواء يجد في نفسه ضرورة عند اللجوء إلى خالقه في الشدة والرخاء بالتوجه بقلبه ووجهه إلى السماء، وأما العقل: فلأن أشرف الجهات عقلًا «العلو» فلا يشك عاقل بعلو الله تعالى.

أخي القاريء إرشدني الله وإياك إلى الحق، أما ما يستدل به أهل البدع والأهواء بإنكار هذه العقيدة العظيمة التي وصف الله تعالى بها نفسه وكرر في كتابه وأعاد؛ فإنها أدلة لا تسعفهم عند الاستدلال بها لأنهم يحمِّلونها ما لا تحتمل؛ كقوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)) [الزخرف] فليس معناها أنه جل وعلا في السماء وفي الارض، ولكن المعنى وهو الذي في السماء معبود، وفي الارض معبود، أي يعبده أهل السماء والأرض، ونظير هذه الآية قوله جل وعلا (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ) [الأنعام:3] أي هو المعبود في السماوات وفي الأرض، فأصل لفظ الجلالة «الله»: الإله، ثم سهلت هذه اللفظة بحذف الهمزة فصارت «الله» ومعناه المعبود واستدل أهل الأهواء بآيات المعية؛ كقوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)) [المجادلة] فلا دليل لذلك، إذ معناها أن الله عز وجل مع خلقه محيط بهم، ويعلمهم ويسمعهم، ولا تخفى عليه منهم خافية، وهذا ما يدل عليه سياق الآية، فقد صدرها الله عز وجل بقوله (ألم تر أن الله يعلم) وختمها (إن الله بكل شيء عليم)، وتأتي المعية بمعنى خاص، وهو معية النصر والتأييد، كما في قوله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46)) [طه : 46] ومعية الله عز وجل مع خلقه لا تنافي علوه، فالعرب يقولون «ما زلنا نسير والقمر معنا» مع أن القمر في السماء وهم يسيرون في الارض، فإذا صح هذا في حق المخلوق مع المخلوق، فما المانع أن يقال إن الله معنا، وهو على عرشه استوى؟

والخلاصة: أن علو الله عز وجل كمال وجلال، فهو في السماء، أي في العلو أو في السماء أي على السماء، وأي المعنيين؟ فكلاهما حق، ولا ينكر هذه العقيدة إلا مبتدع ضال مكابر، فوالله ما قال الله تعالى عن نفسه قط بأنه «في كل مكان» ولا قال ذلك عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، بل هذا القول مخالف للأدلة النقلية والفطرية والعقلية وخلاف الإجماع، لقد أصبح هذا السؤال «أين الله» علامة فارقة بين السني والبدعي، فيؤمن به السني وينكره البدعي، واللهَ أسأل أن يهديني وإياك إلى الحق بإذنه، إنه يهدي من يشاء الى صراط مستقيم.

والحمد لله أولًا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات