بيان الحقائق لما اشتمل عليه منهج عبدالرحمن عبد الخالق (٣)
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، ولا عدوان الا على الظالمين وصلى الله وسلم وبارك على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذا المقال الثالث في بيان الحقائق لما اشتمل عليه منهج الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق، عفا الله عنه وعافاه ومن كل سقم شافاه، وأذكِّر كل قارئ وسامع ان المراد من هذه الردود هو التحذير من المسائل التي غلط بها الشيخ وجانب بها الحق والصواب في مقابلة أجرتها معه جريدة الوطن ولقبه بها المحاور بـ«شيخ سلفية الكويت»، مع ان ما طرحه لا علاقة له بالسلفية لا من قريب ولا من بعيد، وانما وافق بما طرحه منهج الاخوان المسلمين ولبيان ذلك أقول وبالله أستعين، وعليه أتوكل واليه أنيب:
الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق على وجه الخصوص والاخوان المسلمون على وجه العموم عندهم اطلاقات في عباراتهم تدل على تكفير عموم المسلمين أو أكثرهم ولاسيما حكامهم، وبالمقابل نجدهم أسرع الناس وقوعاً وتمسكاً بالأمور التي حكموا عليها وعلى أهلها بالكفر ولست بصدد ذكر ما خطه كبيرهم «سيد قطب» من التكفير الصريح لعموم المسلمين ووصفه المشهور للمجتمعات المسلمة بأنها مجتمعات جاهلية، لكن الذي يعنيني في هذا المقال والمقام بيان مدى تأثر الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق بمنهج «سيد قطب» وطرحه للناس باسم السلفية وهنا تكمن الخطورة وتعظُم البلية. ولكي لا يكون كلامي هذا مجرد ادعاء أطرحه جزافاً سأذكر لك أخي القارئ الكريم من مؤلفات الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق ومما سطره فيها وخطته أنامله ما يؤكد صدق ما قلته عنه.
قال الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق في كتابه (أضواء على أوضاعنا السياسية- ص 76): «ان تطبيق حكم المرتد سابق لأوانه جداً فالمجتمع بكل طوائفه يعيش في ردة حقيقية الا من عصم الله وهؤلاء المعصومون قلة ولا نكابر» انتهى كلامه.
وقال في كتابه (الأصول العلمية للدعوة السلفية- ص 26): «ومن هذه العقبات على طريق المثال لا الحصر: تلك الردة الجماعية الهائلة في الشعوب الاسلامية» انتهى كلامه.
وقال في كتابه نفسه ص 11: «واعتداء سلاطين الأرض وملوكها ورؤسائها على شرعة الله، بتحليل ما حرم، وتحريم ما أحل عدوان على التوحيد وشرك بالله ومنازعة له في حقه وسلطانه جل وعلا، وأكثر سلاطين الأرض اليوم وزعماؤها قد تجرأوا على هذا الحق وتجرأوا على الخالق الملك سبحانه وتعالى فأحلوا ما حرم وحرموا ما أحل، وشرعوا للناس بغير شرعه زاعمين تارة ان تشريعه لا يوافق العصر والزمن وتارة أنه لا يحقق العدل والمساواة والحرية وأخرى بأنه لا يحقق العزة والسيادة والشهادة لهؤلاء الظالمين بالايمان عدوان على الايمان بالله سبحانه وتعالى، ونأسف ان قلنا: ان سواداً كبيراً من الناس قد أطاعوا كبراءهم فيما شرعوا لهم من شرع مخالفة لشرعه سبحانه وتعالى وكثير من هذا السواد يصلي ويصوم- مع ذلك- ويزعم أنه من المسلمين» انتهى كلامه.
أقول: لك الحق أخي القارئ الكريم ان ترجع الى كلام الشيخ عبدالرحمن لتقف بنفسك على صحة ما نقلته لك فكتبه مطبوعة وهي في موقع الشيخ الالكتروني وأيضاً لتتأكد أنني لم أتصرف بالألفاظ أو قطعته عن سياقه. ولاحظ كلام الشيخ في جرأته على التكفير والحكم بالردة على المجتمع بكل طوائفه الا القلة، وأن الشعوب الاسلامية في ردة جماعية هائلة وأن سواداً كبيراً يزعم أنه من المسلمين وللشيخ عبدالرحمن عبد الخالق كلام آخر لم أذكره هنا اختصاراً يدرك كل من وقف عليه بأنه من مشكاة «سيد قطب»!!
على كل حال تعال معي أخي القارئ وقارن بين كلام الشيخ عبدالرحمن الذي نقلته لك مع كلامه في المقابلة التي أجريت معه التي جاء فيها ما يلي:
قال الشيخ عبدالرحمن: شباب مصر قاموا بأنظف وأفضل ثورة وجدت في التاريخ... الى ان قال: الثورة المصرية خرجت لتزيح الحاكم وتنادي بنظام ديموقراطي.
وقال: للأسف فإن الهجمة المضادة للاخوان المسلمين أو السلفيين تركز في دعايتها على ما تقول وتسعى الى تنفير المصريين من التيار الديني الأصيل وبالتالي ازاحة السلفيين والصاق التهم بهم أدع الى مشروعك وبرنامجك والآخر يدعو الى برنامجه والكل يدعون الى أفكارهم بحرية ودعوا الحكم بعد ذلك الى صناديق الانتخابات.
ولما قال المحاور في المقابلة: لو جاءت نتائج الانتخابات برئيس أو عضو برلمان علماني أو ليبرالي أو غير سلفي عموماً فقال الشيخ عبدالرحمن: لابد ان نقبل به فنحن قبلنا بالنظام ولابد ان نرضى بنتائجه ولتعزز صناديق الانتخابات من تفرزه، فالانتخابات عقد وعهد وينبغي ان نفي بهذه العهود والعقود لكن على الأغلبية ألا تلغي الأقلية.انتهى كلامه.
في المقابلة سأله المحاور متعجباً فقال: حقيقة للمرة الأولى التي أستمع فيها الى «سلفي ديموقراطي» فهل أنت سلفي بالفعل؟ قال المحاور: «يضحك الشيخ بشدة ويداعب عصاه ولا يرد».
وقال في المقابلة: الديموقراطية كنظام ليس هو الاسلام ولكننا كمسلمين اذا خيرنا بين الحكم الاستبدادي وبين الديموقراطية سنختار الديموقراطية لأننا سنجد فيها حريتنا في العمل والقول.انتهى كلامه.
وقال في المقابلة أيضاً: النظام الاسلامي مختلف عن الديموقراطية.انتهى.
أقول: حقاً ان القارئ لكلام الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق سيكون في حيرة من أمره! فهو يطالب بالديموقراطية ويدافع عنها ويذمها ويصفها بأقبح الأوصاف لها ولمن حكم بها لاسيما اذا قرأنا قوله في مؤلفات سابقة كقوله في رسالته: مشروعية الدخول الى المجالس التشريعية ص 32: «الشبهات التي تثار حول تولي الولايات والدخول إلى المجالس التشريعية في ظل الأنظمة الديموقراطية وما احتج به من يرى المنع: (1) الديموقراطية كفر: قالوا ان النظام الديموقراطي كفر وبالتالي لا يجوز الدخول اليه واصلاحه من داخله.والجواب: أنه يجب التفريق بين كون النظام كفراً وكون العاملين به والمنضوين تحت لوائه جبراً وقهراً رضى وسخطاً كفار» انتهى.
أقول: فالشيخ هنا لم يقل في رده «كلا الديموقراطية ليست كفراً» بل أقر أنها كفر لكن من أجبر عليها فليس بكافر. وعلى هذا غريب وعجيب ثناء الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق على ثورتي مصر وتونس والتي أكبر دافع لهما المطالبة بالديموقراطية كما نقلت لك ذلك عنه!! ومن اعجب ما قرأته للشيخ عبدالرحمن عبدالخالق في كتابه (مشروعية الدخول الى المجالس التشريعية...) صفحة (91-90): في معرض ذكره لشبهات المانعين من دخول المجالس النيابية فيقول:
الشبهة الرابعة: المفسدة في الدخول أربى من المصلحة: وقد ذكر بعض الاخوة مفاسد الديموقراطية فبلغت خمسين مفسدة. ونحن نستطيع [ القائل عبدالرحمن عبدالخالق ] ان نضيف عليها خمسين أخرى بل مائة أخرى ولا يعني هذا تحريم الدخول الى المجالس البرلمانية لأن الداخل يؤمن بفساد هذا النظام، وما دخل الا من أجل تغييره وتبديله، أو على الأقل الحد من شروره وآثامه وتسلط من يحكم باسمه على شعوب المسلمين وازاحة من يتقلدون المناصب ويتولون ادارة شؤون المسلمين وهم في الحقيقة قلة من اللادينيين وأهل الشهوات والأهواء..) انتهى كلامه.
اقول: سبحان الله كان الدخول للمجالس النيابية والمشاركة في الديموقراطية ضرورة فآل بهم الامر ان جعلوا الديموقراطية غاية ومطلبا!!
فان قال الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق: اذا خيرنا بين الديكتاتورية المتسلطة وبين الديموقراطية لأخترنا الديموقراطية.
فأقول: عندنا اختيار ثالث لا هذا ولا هذا وهو حكم الله تعالى وتطبيق شريعته أليس كذلك؟ ثم انظر الى هذا الاشكال فتارة يقول الشيخ عبدالرحمن بأن النظام الديموقراطي «كون العاملين به والمنضوين تحت لوائه جبراً وقهراً رضىً وسخطاً» لكن في الحقيقة اصبح كثير من الدعاة من أشد الناس مطالبة بالديموقراطية بعدما كانوا يقولون نحن مضطرون اليها ونحن كارهون لها وكافرون بها.
ثم الناس اذا كانوا تحت نظام دكتاتوري ظالم فانهم يدركون بأنهم تحت نظام غير اسلامي ولا شرعي بينما اذا عاشوا تحت نظام ديموقراطي وهو غير نظام الاسلام تجدهم لا يدركون أنهم على غير نظام الاسلام وعلى غير شريعة رب العالمين بل تجدهم يفخرون بالديموقراطية ويفرحون بها ويطالبون بمزيد منها وهذا والذي نفسي بيده لهو أعظم مفسدة والله المستعان. والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.