رسالة لم يحملها البريد إلى أخي الكبير سعود بن مطلق الأزمع
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فهذه رسالة أرسلها إلى أخي الكبير أبي مطلق سعود بن مطلق الأزمع ليستفيد منها خاصة ونشرتها لعل الله ان ينفع بها أكبر قدر ممكن من عباده. أقول فيها:
من سالم بن سعد الطويل إلى أخي الكبير سعود بن مطلق الأزمع حفظه الله ورعاه ومن كل شر حماه، وعلى الخير سدد خطاه، السلام عليك ورحمة الله وبركاته أما بعد:
فلقد قرأت مقالاً لصاحبك وأخيك الدكتور (فهد) بعنوان (وما أرسلناك الا رحمة للعالمين) نُشر في جريدة «الوطن» بتاريخ 11 رجب 1432 هـ الموافق 2011/6/13 م، قد غلط فيه أغلاطاً فاحشة وجانب الصواب فلم يوفق فيه للحق بسبب بعده عن منهج السلف واجتنابه لمصدر التلقي عند أهل السنة ألا وهو الكتاب والسنة، فأحببت ان أكتب لك هذه الرسالة لعلك تنصحه نصيحة ينفعه الله تعالى بها واليك بيان ما غلط فيه صاحبك الدكتور:
قال الدكتور: (الأمة في طريقها نحو الحرية والعدالة والرفاهية ان شاء الله)، فأقول: أي حرية وأي عدالة الأمة تسير في طريقها اليها؟! أسلوب غريب أجنبي ليس له مثيل في الكتاب والسنة وكأن المتكلم لا علاقة له بالعلم الشرعي لا من قريب ولا من بعيد حتى من لم يعرف قائل هذا الكلام قد يظن ان قائله أحد أفراد الضباط الأحرار في ثورة مصر في الخمسينيات من القرن الماضي.
أخي الكريم ان حقيقة دعوة المسلم يجب ان تكون إلى العبودية لله عز وجل، كما في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْانْسَ الَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)} [البقرة]. فالانسان ان لم يكن عبداً لله تعالى صار عبداً لغيره من المخلوقات لذا كانت دعوة الرسل جميعاً {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ الَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59]، فلن تجد رسولاً من رسل الله تعالى قال لقومه أرسلني الله لتحقيق الحرية بل اتفقوا على دعوة واحدة وضحها الله تعالى بقوله {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ الَّا نُوحِي الَيْهِ أَنَّهُ لَا الَهَ الَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)} [الأنبياء]، وقال تعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا ان اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36].
وأما العدالة فلن تتحقق الا بتحكيم الكتاب والسنة كما قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)} [المائدة]، وقال: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: 115]، أي صدقاً في الإخبار وعدلاً في الأحكام.
وأما الرفاهية فتكون بتقوى الله تعالى وشكر نعمه كما قال عز وجل: {ومن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2-3]، وقال تعالى: {وَلَوْ ان أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96]، وقال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [ابراهيم: 7].
أقول: للأسف الشديد الدكتور في سنواته الأخيرة لا تكاد تسمع له كلمة في العبودية لله ولا تحكيم شرعه ولا في تقواه ولا شكر نعمه بل عامة كلامه حول (الحرية والأحرار، الشرفاء، الرفاهية، الدستور، تداول الحكم، المشاركة في الحكم، الديموقراطية، تقسيم الثروات) نسأل الله العفو والعافية.
قال الدكتور: (والإسلاميون والمحافظون يمثلون شريحة عدداً واثراً في الأمة).
فأقول: ماذا يريد الدكتور بقوله (الإسلاميون)؟ هل يريد (المسلمين)؟ ان أراد المسلمين فلماذا يقول (إسلاميون)؟ وعليه ان أراد بالإسلاميين المسلمين فهل غيرهم ليس بمسلم؟ ففي هذا اشكال كبير واصطلاح باطل، فالمحافظون مثلا والذين عطفهم الدكتور على الإسلاميين بقوله (والإسلاميون والمحافظون) أليسوا مسلمين؟ قطعا سيقول بلى هم مسلمون أو على الأقل سيقول معظمهم مسلمون.
اذن لماذا يخص بعض الناس بلقب (إسلاميون)؟! فان قال: أردت بـ (الإسلاميين) المتدينين الذين يطالبون بتطبيق الإسلام، فسأقول له: وما مفهوم التدين عندك وعند غيرك وما ضابطه؟ وهل المحافظون لا يريدون تطبيق الإسلام؟ فاذا كانوا لا يرغبون بتطبيق الإسلام فعلى ماذا استحقوا لقب (المحافظين)؟ وأقول أيضاً أين مطالبة من سميتهم بالإسلاميين بتطبيق الإسلام؟ فلم نعد نسمع منهم مطالبة بالشريعة ولا سعياً لذلك بل بدت عليهم علامات اليأس وأصبحت عامة مطالباتهم بتطبيق الديموقراطية وزيادة 50 ديناراً واقرار كادر المعلمين والعلاج في الخارج، وهذه لا شك حقوق المخلوق لكن أين حق الخالق؟!
يقول الدكتور: (ومن يرد ان يواكب الأمة من الإسلاميين التقليديين وخاصة السلف والاخوان فعليه ان يطمئن الأمة في القضايا الجدلية التي مازالت الجماعات الإسلامية مختلفة حولها بينما الأمة حسمت أمرها).
فأقول: قول الدكتور (من الإسلاميين التقليديين) تسمية جديدة محدثة ونعوذ بالله من المحدثات، ثم يقول (وخاصة السلف والاخوان)، قلت: وما علاقة السلف بالاخوان حتى تجمعهم في تسمية واحدة؟ الا اذا كنت تقصد السلفية الاخوانية التي أسسها الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق فهذا شيء آخر.
وأما قوله (الجماعات الإسلامية) فأقول: أي جماعات إسلامية تقصد؟ اذ ليس في الإسلام الا جماعة واحدة وما خالفها أو خرج عنها فهم (الفرق) وبهذا سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة، واختلفت النصارى على اثنين وسبعين فرقة، وستختلف أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار، الا واحدة قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي» فقال: فرقة، ولم يقل جماعة، وبهذا يُعلم ان تسميتها جماعات من باب تحسين القبيح وستر الحقائق.
ويقول الدكتور: (ومن لا يواكب الأمة في ذلك سيكون خلف الركب أو على قارعة الطريق)، فأقول: أي أمة تقصد؟ فنحن لا نعرف من لقب (الأمة) بالألف واللام عند الاطلاق الا أمة محمد صلى الله عليه وسلم وعلى هذا من كان من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ومتمسكاً بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلن يكون متخلفا عن الركب ولا على قارعة الطريق. لكنها هي الفتنة التي فُتن بها كثير من الناس حتى أصبح الذي يسير في طريق الديموقراطية والسياسة والمطالبة بالحرية المزعومة والطمع بالمشاركة في الحكم هو (الأمة) ومن لا يوافقهم أو يجاريهم فهو المتخلف عن الركب أو على قارعة الطريق!! ان هذا لشيء عجاب.
ثم أخذ الدكتور يبين في مقاله القضايا التي وصفها بأنها (جدلية) ومازالت الجماعات الإسلامية [يقصد الفرق] مختلفة حولها وقد حسمت فقال: (والقضايا هي: أولاً: الشورى الملزمة (وأمرهم شورى بينهم) (وشاورهم في الأمر) فمعلوم اختلاف الفقهاء في الشورى هل هي ملزمة أم معلمة فجمهور المتقدمين على أنها معلمة وجمهور المعاصرين على أنها ملزمة وان كان يرى أنها معلمة فلن تقبل به جموع الأمة لأنه بذلك يعيدها إلى الديكتاتورية مرة أخرى ويلغي دور الأمة ويجعلها حسب مزاج الحاكم ورأيه وهو ما تعانيه الأمة حالياً من استبداد أغلب الحكام بالرأي وظلمهم الرعية) انتهى كلامه.
فأقول: والله المستعان على هذا الكلام الذي ليس عليه نور السلفية بل ولا تظهر منه رائحة السلفية بل هو تخبيط وتضليل فكأنه لا يدري ماذا يخرج من رأسه أو يهرف بما لا يعرف فتدبر قوله بأن الشورى (معلمة) أي غير ملزمة للحاكم ان يأخذ بها ويحكم بما أشير عليه به ثم يقر بأن جمهور (المتقدمين) يقولون انها معلمة والمراد بالمتقدمين يعني العلماء السابقين في العصور الأولى والذين يُعبر عنهم تارة بالسلف وتارة بالمتقدمين وربما تعمد الدكتور استعمال كلمة (المتقدمين) ولم يقل (السلف) حتى لا يظهر للناس بأنه يخالف السلف، فلو قال: (جمهور السلف قالوا الشورى معلمة غير ملزمة) ثم يختار القول الذي خالف قول السلف لظهر للناس أنه خلفي وليس بسلفي وهو الذي مازال يزعم بأنه (سلفي)!!
ثم اعلم بارك الله فيك ان السلف المتقدمين وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون وأئمة الإسلام بوجه عام اختاروا القول بأن (الشورى) غير ملزمة فكيف يتجرأ أحد على مخالفتهم؟! بل الله تعالى يقول في الآية الكريمة التي ذكرها الدكتور وبترها وأرجو ألا يكون قد تعمد ذلك، يقول الله تعالى فيها (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَاذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) أي اذا عزمت على أمر فافعله متوكلاً على الله حتى لو كنت مخالفاً لما أشاروا به عليك، والذي يؤكد هذا ان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعل أموراً بخلاف ما أشاروا به عليه ويفعل أموراً أخرى من غير مشورة.وكذا فعل خلفاؤه من بعده منهم أبو بكر رضي الله عنه وقد سبق ان بينت هذا بياناً شافياً في ردي على الدكتور نفسه ولكن للأسف مازال مصراً على القول بأن الشورى ملزمة.
ثم انظر بمن استدل على كون الشورى ملزمة قال: (جمهور المعاصرين)!! فمن هؤلاء المعاصرون؟ وكيف نقدم قولهم على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى قول سلف الأمة؟ وهل هؤلاء أعلم بالآية من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عليه أُنزل القرآن؟ ولماذا لم يبين الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم بأن الشورى ملزمة؟ ثم لو كانت ملزمة كما تزعم أنت والمعاصرون فهل يقال ان الرسول صلى الله عليه وسلم خالف أمر الله تعالى؟
أخي الدكتور متى تعود إلى رشدك وتتقي ربك؟ المستشار مِن اسمه مستشار وليس بحاكم اذ لو كان المستشار حاكماً لقيل عنه حاكم لماذا يقال عنه مستشار؟ وماذا يفعل الحاكم اذا اختلف المستشارون؟ ان قلت يأخذ بقول الأغلبية فأقول هذه بدعة لاسيما وأن الأغلبية ليست على كل حال يكون الحق معهم.
ثم يا دكتور كيف تجرأت وجعلت قول السلف- انتبه وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة- يؤدي إلى الديكتاتورية والظلم؟ فما علاقة هذا بهذا؟ ثم أرأيت لو ان حاكماً ظالماً اتخذ مستشارين ظلمة مثله يشاورهم في أموره ويصدر عن رأيهم فماذا ستكون النتيجة؟ أسألك بالله أجب عن هذا السؤال هل سيتم الأمن والأمان والعدالة والحرية والرفاهية التي تدندن حولها أو الديكتاتورية ويستمر الظلم؟ أسأل الله تعالى ان يهديك إلى الحق والتمسك به.
قال الدكتور: ثانياً: التداول السلمي للسلطة فأقول: هذا بيت القصيد ومربط الفرس والغاية العظمى التي تسعون لها!! ولعل في المقال القادم ان شاء الله أسلط الضوء على هذه المسألة وأتمم الرد على ذلك المقال.
والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطناً وصلى الله عليه وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.