الله نزل أحسن الحديث
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أمابعد :
فإن الله تعالى قد أنزل على عبده كتابا عظيما اشتمل على الصدق والعدل، قال تعالى: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [115-الأنعام]. أي صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأحكام، فتعال أخي القارىء الكريم لنقف بعض الوقفات مع بعض الآيات عملاً بقوله تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)) [محمد]، وقوله تعالى( كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)) [ص]
الآية الأولى : قال تعالى (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)) [مريم] فقد اشتملت هذه الآية على ذكر التوحيد بأنواعه الثلاثة فقوله (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) : توحيد الربوبية، وقوله (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ) : توحيد الألوهية، وقوله (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) : توحيد الأسماء والصفات، وبهذا يظهر لك أخي القارىء العزيز ضلال من يقول إن تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام لا أصل له، كلا بل أصله هذه الآية الكريمة، والتي جمع الله تعالى فيها التوحيد بأنواعه-الربوبية والألوهية والأسماء والصفات- فتأمل هذا فإنه نافع.
الآية الثانية: قال تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)) [سورة الشورى]، ففي هذه الآية رد على طائفتين ضالتين -الممثلة والمعطلة-، أما الممثلة فهم الذين يمثلون الخالق بالمخلوق، فقد رد الله عليهم بقوله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، وأما المعطلة وهم الذين ينفون صفات الله تعالى وينكرونها، فرد الله تعالى عليهم بقوله (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) وأهل السنة قالوا الحق وبه ينطقون عملا بقوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)، فقالوا نثبت لله ما أثبت لنفسه من الصفات خلافا للمعطلة وننزه الله عن التمثيل خلافا للممثلة.
الآية الثالثة: قال تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)) [سورة التكوير] ففي هذه الآية الكريمة رد على طائفتين ضالتين وهما الجبرية والقدرية، أما الجبرية وهم الذين يقولون إن الإنسان مجبور على أفعاله مسلوب الإرادة والمشيئة، فرد عليهم أهل السنة بقوله تعالى (وَمَا تَشَاءُونَ) وهذا دليل على أن للعبد مشيئة يختار بها، وقوله (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) رد على القدرية الذين ينفون مشيئة الله عز وجل، فأهل السنة وسط بين هاتين الطائفتين الضالتين، فيثبتون للعبد مشيئة يختار بها طريقه وعمله الذي يثاب عليه أو يعاقب مع اعتقادهم - أي أهل السنة - أن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله تعالى، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يقع شيء في ا لخليقة إلا بعد مشيئة الله تبارك وتعالى.
الآية الرابعة: قال تعالى (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1)) [الكهف]. تأمل وتدبر أخي القارىء، رحمني الله وإياك، فقد جمع الله تعالى في هذه الآية لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بين صفتي الرسالة والعبودية، أما الرسالة فبقوله(الذي أنزل) فهو رسول منزل عليه ومرسل بالوحي، وأما العبودية فبقوله (على عبده)، وذلك ليعلم الجن والإنس بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد لا يُعب،د ورسول لا يكذب، ونظائر هذه الآية آيات كثيرة في الكتاب وأحاديث في السنة، فهو عبدالله ليس له من خصائص الربوبية والألوهية شيء، ورسول الله يُصدق ولا يُكذب ويُوقر ويُحب ويُوالى ويُنصر ولا يحل لبشر أن يشاقه أو يعصيه، ومن أجمل ما قيل في تفسير شهادة «أن محمدا رسول الله» ما ذكره الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى في ثلاثة الأصول فقال: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
الآية الخامسة: قال تعالى: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)) [النجم]. ففي هذه الأية الكريمة ذكر الله تعالى الشفاعتين الممنوعة والمثبتة، أما الممنوعة فهي الشفاعة التي يزعمها المشركون، فتراهم يعبدون الملائكة والأولياء والصالحين والأصنام والأوثان، ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، فبين الله تعالى أن هذه الشفاعات لا تغني شيئا، وقابلها بالشفاعة المثبتة التي يُكرم الله عز وجل بها الشافع والمشفوع له بشرطين اثنين:
١-من بعد إذن الله تعالى. ٢-ومن بعد رضاه عن الشافع والمشفوع له.
أخي القارىء هذه خمس آيات، أوصي نفسي وإياك أن تعتني بها حفظا وتدبراً للاستدلال بها نصرة للحق وإزهاقاً للباطل، فهي ركائز وقواعد كبيرة في عقيدة المسلم، والله أسأل أن يوفقني وإخواني المسلمين إلى معرفة الحق والتمسك به.