موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

لَا اكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ

3 شعبان 1432 |

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فما زلت أكتب رداً علمياً على الدكتور «فهد» دكتور التفسير وعلوم القرآن وعضو في احدى الجمعيات وعضو مجلس الأمة سابقاً، والذي كتب مقالاً بعنوان (وما أرسلناك الا رحمة للعالمين)، بتاريخ 2011/6/13 ولقد غلط فيه أغلاطاً فاحشة ولم يوفق فيه. لذا استعنت بالله في كتابة هذه الردود ونصيحة للخلق وبياناً للحق ولست أعني في ردي هذا الدكتور وحده بل الرد على المنهج الذي يحمله هو وغيره، والذي خطّه لهم الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق الذي يحمل المنهج الاخواني المتدثر بالسلفية.

كما أحب ان أنبه بأني والحمد لله لست على خلاف شخصي مع الدكتور لا قليل ولا كثير ولو قابلته لسلمت عليه بتحية الاسلام وأحترمه بما هو أهلٌ له، بل وأدعو له بالخير دائماً، وانما أقوم بما أوجب الله علي من بيان الحق و رد الباطل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أي جهة كانت، وعلى أي انسان كائناً من كان.

أخي القارئ وبعد هذا أقول: ان الدكتور «فهد» عفا الله عنه قال: (ثالثاً: التسامح والتعايش السلمي في المجتمع سواء مع الأقليات العرقية أو المذهبية أو الدينية حتى يطمئن الجميع على حقوقهم في حرية العقيدة والعبادة مع مراعاة النظام العام «لا اكراه في الدين») انتهى كلامه.

أخي القارئ كما تشاهد وتقرأ بنفسك كلاماً غريباً ما كنا نسمع مثله من قبل يصدر من سلفي عرف السلفية وسار على منهجها فهذا الذي يطرحه الدكتور «فهد» يُسمى حرية العقيدة والعبادة وهو أمرٌ ومبدأٌ مصادم للكتاب والسنة، فان الله تعالى خلقنا لعبادته وحده وأوجب علينا تصديق رسوله واعتقاد الحق وأمرنا ان ندعو كل الناس للاعتقاد الصحيح والعبادة الخالصة لله، وشرّع لنا الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يجوز لنا بحال ان نترك الناس على الباطل حتى يموتوا ويدخلوا النار، وكل من عرف الكتاب والسنة وعنده مقدمات يسيرة في العلم الشرعي يعرف هذا، فكيف يقول الدكتور «فهد»: حتى يطمئن الجميع على حقوقهم في حرية العقيدة والعبادة؟! مع ان من المعلوم من الدين بالضرورة ان كل دين غير الاسلام فهو باطل لقوله تعالى: {انَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْاسْلَامُ} [آل عمران: 19]، وقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْاسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل عمران]، ويقول تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْاسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، فكل دين سوى الاسلام باطل سواء كان كتابياً كاليهودية والنصرانية أو كان من وضع البشر كالمجوسية والبوذية والهندوسية والوثنية وغيرها. فالله تعالى لا يرضى ان يُعبد غيره ولا ان يدين أحد بغير دينه، فلا يجوز لنا بحال من الأحوال ان نغير دين الله وأحكامه وان كان يجوز لنا ان نقتصر على ما نستطيع دون ما لا نستطيع لقوله {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا الَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، أما ان نجامل ونخفي حقيقة ديننا وأحكام شريعة ربنا فهذا من أكبر الكبائر.

ولقد استدل الدكتور «فهد» عفا الله عنه بقول الله تعالى (لا اكراه في الدين) على حرية الاعتقاد والعبادة، وهذا لا شك أنه باطل ولو كلف نفسه قليلاً وقرأ تفسير الآية لاتضح له معناه، ولَما غلط هذا الغلط الفاحش الذي لا يقوله طالب علم مبتدئ، فضلاً عن ان يقوله دكتور في تفسير القرآن وعلومه!! وبعد قراءة تفسير الآية من سورة البقرة من ثلاثة تفاسير سلفية وهي تفسير القرآن العظيم للحافظ ابن كثير وتفسير القرآن العظيم للحافظ ابن أبي حاتم، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي، رحمهم الله تعالى، وخلاصة كلامهم: ان الله تعالى يقول (لا اكراه في الدين) أي لا حاجة لاكراه أحد على الدين، فالاسلام قد تبينت محاسنه وترسخت أحكامه فهو الدين القويم والصراط المستقيم، فمن أراد الله هدايته وتوفيقه اذا نظر اليه أدنى نظر آثره واختاره، أما من كان له قصد سيئ ومعرض عن دين الله وآثر الباطل على الحق فهذا لا فائدة من اكراهه على الدخول في الدين ولو دخله وهو مكره فلن ينفعه دخوله اذ لابد له من الايمان واليقين والانقياد الظاهر والباطن، وقوله تعالى (لا اكراه في الدين)، كقوله تعالى {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197]، أي لا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا، اذن (لا اكراه في الدين) أي لا تكرهوا أحداً على الدين، وللآية سبب نزول يعين على فهم الآية فهماً صحيحاً ذكره الحافظ ابن أبي حاتم بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله (لا اكراه في الدين) قال: كانت المرأة من الأنصار لا يكاد يعيش لها ولد فتحلف: لئن عاش لها ولد لتهودنه، قال الأنصار: يا رسول الله أبناؤنا فأنزل الله هذه الآية (لا اكراه في الدين)، قال سعيد بن جبير: فمن شاء لحق بهم ومن شاء دخل في الاسلام. انتهى.

ولا تدل الآية الكريمة على ترك قتال الكفار المحاربين وانما فيها ان حقيقة الدين من حيث هو موجب لقبوله لكل منصف قصده اتباع الحق، وأما القتال وعدمه فلم تتعرض له. كما فهم الدكتور «فهد» منها بأن الآية تدل على عدم قتال الكفار ولكل كافر ان يعتقد ما شاء، متجاهلاً أو غافلاً، عن النصوص الدالة على فرض القتال والجهاد كقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)} [التوبة]، وقوله: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [النساء: 91]، وقوله: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة: 193]، ويستدل في الآية الكريمة (لا اكراه في الدين) على قبول الجزية من غير أهل الكتاب كما هو قول كثير من العلماء.

ولا أدري ما علم الدكتور بقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة]، ولا أعلم موقف الدكتور «فهد» من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما- ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت ان أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا اله الا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فاذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم الا بحق الاسلام، وحسابهم على الله» [رواه البخاري- 25]، فيا دكتور هل هذه النصوص منسوخة؟! وهل تظن أنك إن أخفيتها عن الكفار فلن يعلموا بها؟! بل أنا أجزم بأن الكفار يعرفون هذه الآيات والأحاديث والأحكام معرفة تامة، لذا تجدهم يفرضون على المسلمين ديموقراطيتهم ويدعمون المناهج التي تنادي بالمساواة والحرية وتحرير المرأة ووحدة الأديان، ويحاربون الاسلام وأحكامه وأهله، بل ويجتهدون في تشويه سمعة الاسلام ويحصرونه بالجهاد المزعوم الذي يقوم به الارهابيون والمجرمون هنا وهناك!!

ثم يا دكتور «فهد» ماذا لو ارتد مسلم في مجتمعنا المسلم فهل نطالب بقتله كما هو حكم الله ورسوله في المرتدين؟ أم يحق له حرية العقيدة والعبادة كما سبق في مقالك؟ لقد ذكرتني بما قرره الدكتور محمد عبد الغفار في ندوة نشرتها جريدة «الوطن» في يوم الخميس 20 رمضان 1427هـ الموافق 2006/10/12 العدد 5478/11032 اذ قال بالحرف الواحد: «للمسلم ان يدخل المسيحية وللمسيحي ان يعتنق الاسلام» انتهى كلامه، يعني الدكتور ألغى حكم الردة الذي لا يخلو منه كتاب في الفقه!! والظاهر باسم الحرية.

وذكرتني أيضاً بما سطره الكاتب عبد اللطيف الدعيج في مقاله المنشور بتاريخ 2011/2/15 في جريدة القبس بعنوان «فعلا لا يستوون» لما قال: «أعتقد أنه آن الأوان لنقول للسيد الطبطبائي ولبقية الشلة المتشددة والمتزمتة دينياً انه بالفعل لا يستوي من يسب الصحابة مع من يسب رئيس مجلس الوزراء ووزراء دولة الكويت...الى ان قال: أما من تزعم أنت وبقية المتشددين بأنهم صحابة وذاتهم مصونة فهم جميعاً توفاهم الله، وليسوا من رعايا دولة الكويت ولا حتى من المقيمين فيها...الخ» انتهى.

وذكرتني يا دكتور فهد أيضاً بما قاله الدكتور شملان العيسى في برنامج «في ضيافتهم» عندما سأله المذيع: أيهما أفضل ان تكون الأحكام مستمدة من الشريعة الاسلامية أم الأحكام الوضعية من دول أخرى؟ فأجاب بقوله: «أعتقد ان الأحكام الوضعية أفضل لأن الذي وضعها انسان» انتهى كلامه.

فما رأيك يا دكتور فهد هل نقول لهؤلاء وغيرهم: اطمئنوا على حقوقكم في حرية العقيدة والعبادة؟! وماذا لو اجتمع عُبَّاد الشيطان وطالبوا بأن يقيموا معبداً لاقامة طقوسهم، هل نحترمهم أيضاً؟! الله المستعان.

أخي القارئ لم أنته بعد من الرد على ما سطره الدكتور فهد فلعل الله ييسر لي وأتم الرد في مقالات قادمة. هذا والحمد لله أولا وآخرا وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات