موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

بيان الحقائق لما اشتمل عليه منهج عبدالرحمن عبد الخالق (٥)

25 شعبان 1432 |

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فهذا المقال الخامس وقد لا يكون الأخير في بيان الحقائق لما اشتمل عليه منهج عبدالرحمن عبد الخالق من خلال المقابلة التي أجرتها معه جريدة «الوطن» فقط، ولم أتتبع كل كتبه التي اشتملت على كثير من الانحرافات والتناقضات والتي أفسدت فيها طبقة كبيرة من الشباب فلقد خرج على المجتمع من جراء منهج الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق دعاةُ الفوضى والمظاهرات الذين ما زلنا نعاني منهم كفانا الله شرهم من أمثال: (ح.ع) و(ش.س) و(ع.ز) و(ن.ع) و(و.ط) و(ف.خ) و(ح.ع.م) وغيرهم.

أخي القارئ كم آلمني وآلم كثيراً من السلفيين ما سطره الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق في مقابلته عندما وصف السلفيين بأقبح الأوصاف نصرة منه لمنهج الثورات والفوضى!! جاء في عناوين المقابلة «المارد السلفي» الذي يرعب العالم الاسلامي وعنوان آخر «السلفي ثائر بطبعه لكن دون دماء أو سيف» ولما وجه المحاور سؤاله للشيخ عبدالرحمن عبد الخالق والذي نصه: متى يثور السلفي؟ أجاب قائلا:».....السلفيون هم الذين يتمسكون بما عليه السلف الصالح ضد الباطل، وقاموا عليه والكثير منهم سجن واعتقل وعندك الأئمة الأربعة ما في واحد منهم الا عذب وضرب بلا استثناء وهؤلاء سلف الأمة وهكذا تجد لسلسلة أهل العلم ممن ينتمون الى هذا المنهج مواقف ضد الحكام الذين عذبوهم وسجنوهم» انتهى كلامه.

أقول: وهذا الكلام فيه من الباطل شيء كثير فمن أين لك يا شيخ عبدالرحمن عبد الخالق بأن الأئمة الأربعة قاموا ضد الحكام.سبحانك هذا بهتان عظيم.

لو كنت صادقاً بما تدعي فبين لنا أين مصدر كلامك بأن الأئمة الأربعة «ما في واحد منهم الا عذب وضرب وسجن بلا استثناء» فالشافعي رحمه الله تعالى هل عذب وضرب وسجن لأنه كان له «مواقف ضد الحكام» كما تزعم؟ فان كنت تقصد الامام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى فما أصابه من الأذى كان بسبب مسألة عقدية وهي ان القرآن كلام الله تعالى تكلم به وليس مخلوقاً من مخلوقاته كما هو المشهور لا لأنه قام ضد الحاكم، فاتق الله يا شيخ حسبك تلبيساً وتدليساً على الناس.

ثم من قال من علماء الأمة ان كلمة عدل عند سلطان جائر معناها «الثورة ضده» والمطالبة برحيله وازالته ورفع شعارات «يسقط، ارحل...الخ»؟ ومن قال ان كلمة العدل ان تطالب بالديموقراطية والحرية والانتخابات النزيهة؟ هل هذا الحق والعدل الذي يجاهد المسلم في سبيله ويقتل من أجله؟! واليك يا شيخ عبدالرحمن والى كل من تأثر بكلامك هذا النقل النفيس عن شيخ جليل سلفي نحرير محقق متقن وما بدّل تبديلاً، ألا وهو الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى في مجموع خطبه حيث قال:

«فالواجب ان ننظر ماذا سلك السلف تجاه ذوي السلطان وأن يضبط الانسان نفسه وأن يعرف العواقب وليعلم ان من يثور انما يخدم أعداء الاسلام فليست العبرة بالثورة ولا بالانفعال بل العبرة بالحكمة، ولست أريد بالحكمة السكوت عن الأخطاء بل معالجة الأخطاء لنصلح الأوضاع لا لنغير الأوضاع، فالناصح هو الذي يتكلم ليصلح الأوضاع لا ليغيرها» انتهى كلامه.

سبحان الله هذا وقد توفي الشيخ رحمه الله تعالى قبل عشر سنوات من قيام ثورات تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن وألّف كتابه «الخطب» قبل وفاته بكثير!! تدبروا يا ثوار ويا من تساندون الثورات قول الشيخ رحمه الله تعالى «أن يضبط الانسان نفسه» وقوله «وليعلم ان من يثور انما يخدم أعداء الاسلام» بل تدبروا كل جملة من كلامه فوالله الذي لا اله الا هو انها لتصلح ان تكون منهجاً ونبراساً وموعظة للمتقين. حقاً ماذا حققت هذه الثورات سوى الدمار وسفك الدماء والفوضى والخوف والجوع!! وأعداء الاسلام يسلبون خيرات المسلمين وينفقون أسلحتهم المتكدسة ويجربون الحديث منها على رؤوس المسلمين ويقومون بدور الوصي علينا والعجيب ان الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق وتلاميذه فرحون بهذا الثورات ويعتبرونها فتحاً من الله ونصراً قريباً!! والله المستعان.

قال المحاور للشيخ عبدالرحمن عبد الخالق: «كل أدبيات السلفية تكاد تقدس الحكام وتعتبر الخروج عليهم كفراً بواحاً؟ فأجاب قائلاً: هذا غير صحيح، هم يرون أنهم لا يخرجون على الحاكم المسلم بالسيف فحسب، لأن الخروج بالسيف يؤدي الى مفاسد كثيرة أي ان السلفيين يرفضون الثورات الدموية فقط.أما الخروج بالكلمة والتظاهر ورفع المطالب الى الحاكم حتى بتنحيته كما حدث في الثورة المصرية فهذا منهج مقبول ومعقول لأنه تغيير سلمي أما الخروج بالسيف فهذا يؤدي الى فتن كثيرة».قال المحاور: تقصد بـ «الخروج بالسيف» الانقلابات العسكرية أو حمل السلاح في وجه الحاكم؟ فأجاب قائلاً: «الاثنان مرفوضان فالمنقلب عسكرياً يسلب الحكم دون رضا الناس أي يستولي على الحكم بالدبابة ويجبر الناس على هذا الأمر مثلما حدث في ثورة يوليو 1952..الخ» انتهى كلامه.

فأقول: لقد كان السؤال سيئ والجواب أسوأ منه بكثير! فالسؤال يقول: كل أدبيات السلفية تكاد تقدس الحكام وتعتبر الخروج عليهم كفراً بواحاً؟ {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ان يَقُولُونَ الَّا كَذِبًا (5)} [الكهف]، السلفية هي دين الله تعالى الذي أرسل به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وعليها سلف الأمة وهي لا تقدس الحكام ولا تكاد كما يزعمون.والحكام ليسوا بالضرورة يكونون أعداءً للرعية ففيهم المسلمون ولهم على رعيتهم حقوق وواجبات أوجبها علينا رب العباد جل وعلا وطاعتهم من طاعة الله تعالى.

بل ولهم على رعيتهم بعد الله تعالى فضل فالبلاد بلا حاكم يسودها الفساد الديني والدنيوي بلا حدود، فلماذا دائماً هذه المناهج البدعية لا هم لها سوى اشعال العداوة والبغضاء بين الحاكم والمحكومين وبلا استثناء؟ نعم قد يكون من الحكام كفار وظلمة وو وو الخ لكن ليس كل الحكام كذلك.

بل نستطيع ان نجزم ان أصحاب هذه المناهج التي لا همَّ لها الا تحريض الرعية على الحكام قصدهم بذلك اسقاط الحاكم ليتولوا الحكم مكانه كما صرح كثير منهم وذلك لما طالبوا بتداول السلطة واقامة الأحزاب وهذا لم يعد يخفى على كل من له بصر وبصيرة.ومن خالفهم بذلك سارعوا ووصفوه بالعمالة والمداهنة والخضوع والخنوع للحاكم بل وللقداسة والانبطاحية وغير ذلك من الصفات القبيحة.

والعجيب في أمر هؤلاء اذا وصلوا الى منصة الحكم أو مناصب عليا في الدولة فعلوا ما لم يفعله كثير ممن قبلهم!! فالله الموعد وعنده تلتقي الخصوم.

أما الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق فالباطل في جوابه كثير فتدبر جوابه عندما قال: «هم يرون- أي السلفيين- أنهم لا يخرجون على الحاكم بالسيف فحسب» انتهى.

وهذا باطل وافتراء على السلفيين الا اذا أراد السلفيين الاخوانيين من أمثاله وأمثال اتباعه فهذا شيء آخر، لأن السلفيين يحرمون ويمنعون من الخروج على الحاكم بالسيف وبالكلام الذي يؤدي الى السيف قطعاً بلا أدنى شك.واليك أخي القارئ هذا النقل عن الشيخ العلامة السلفي حقاً وهو شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى والذي يبين فيه صراحة ان الخروج على الحاكم يكون بالسيف ويكون بالقول والكلام وأن الخروج بالسيف فرع عن الخروج باللسان والقول خلافاً لما قرره الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق ونسبه زوراً وبهتاناً للسلفية والسلفيين. واليك نص كلام شيخنا العثيمين رحمه الله تعالى:

(فقد وُجِّهت الانتقادات الى أبي بكر وعمر وعثمان وعلي- رضي الله عنهم أجمعين-، بل العجب أنه وجّه الطعن الى الرسول عليه الصلاة والسلام، قيل له: اعدل، وقيل: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «انه يخرج من ضئضء هذا الرجل من يحقر أحدكم صلاته عند صلاته»، يعني مثله.وهذا أكبر دليل على ان الخروج على الامام يكون بالسيف، ويكون بالقول والكلام، لأن هذا ما أخذ السيف على الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه أنكر عليه.

وما يوجد في بعض كتب أهل السنة من ان الخروج على الامام هو الخروج بالسيف، فمرادهم بذلك الخروج النهائي الأكبر، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ان الزنا يكون بالعين، ويكون بالأذن، ويكون باليد، ويكون بالرجل، لكن الزنا الأعظم الذي هو الزنا حقيقة هو زنا الفرج، ولهذا قال: «الفرج يصدقه أو يكذبه»، فهذه العبارة من بعض العلماء هذا مرادهم بها.ونحن نعلم علم اليقين بمتقضى طبيعة الحال أنه لا يمكن خروج بالسيف الا وقد سبقه خروج باللسان والقول، الناس لا يمكن ان يأخذوا سيوفهم يحاربون الامام بدون شيء يثيرهم، لابد من ان يكون هناك شيء يثيرهم وهو الكلام، فيكون الخروج على الأئمة بالكلام خروجاً حقيقة، دلت عليه السنة، ودل عليه الواقع، أما من السنة فقد تقدم ذكره، وأما الواقع فاننا نعلم علم اليقين ان الخروج بالسيف فرع عن الخروج باللسان والقول، لأن الناس لن يخرجوا على الامام بمجرد أخذ السيف، لابد ان يكون هناك توطئة وتمهيد وقدح في الأئمة وستر لمحاسنهم، ثم تمتلئ القلوب غيظاً وحقداً، وحينئذ يحصل البلاء).

اذا عرفت هذا تبين لك بطلان قول الشيخ عبدالرحمن عبد الخالق «ان السلفيين يرون الخروج بالكلمة والتظاهر ورفع المطالب الى الحاكم حتى بتنحيته».وأقول له أيضاً: ما موقف الثوار اذا تظاهروا سلمياً وطالبوا باسقاط الحاكم ثم قام الحاكم عليهم؟ هل سيبقون مكتوفي الأيدي؟ هل سيستمرون بالخروج بالكلمة دون السيف؟ لماذا يا شيخ عبدالرحمن لا تتقي الله تعالى في الشباب وتكف عن مخادعتهم؟ لقد قام المتظاهرون سلمياً كما تزعمون في ليبيا فانتهى الأمر الى حرب الله أعلم كم ذهب وسيذهب ضحيتها، بل وتدخل الغرب وجربوا جميع أسلحتهم على الشعب الليبي وربما اذا انسحب الغرب تفرغوا لتصفية حساباتهم فيما بينهم. وكذلك قام المتظاهرون سلمياً في سورية وأنت تشاهد بأم عينيك وتسمع بأذنيك ماذا جرى عليهم، وقام أهل اليمن بمظاهرات سلمية أدت الى سفك وقتل واغتيالات الله أعلم كم ستستمر؟ فأين هذه المظاهرات السلمية التي تتخيلها في خيالك الواسع الفسيح؟ قليل من التقوى أو شيء من العقل يكفي ان يجعلك ترجع الى رشدك وتتراجع عن عقيدتك وتنقذ هؤلاء الشباب الذين يسمعون لك وربما بكلمة منك ومن أمثالك تجنبون البلاد والعباد من هذه الفتن.

أخي القارئ لم أنته من الرد على طوام عبدالرحمن عبد الخالق التي سطرها في مقابلته بل ومن الصعوبة بمكان ان استوعب في ردي كل ما جاء فيها.لكن أسأل الله تعالى ان يوفقني الى بيان ما مكني فيه حتى يحصل أداء شيء من واجب النصيحة له ولمن انخدع بكلامه والله أسأل ان يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات