رسالة إلى العقلاء في التعقيب على من سمّوا أنفسهم علماء (٢)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
هذا المقال الثاني في التعقيب على من سمّوا أنفسهم علماء الكويت في مقابلة صحافية نشرت في جريدة «الوطن» يوم السبت 13 رمضان 1432هـ الموافق 13/ 8/ 2011م في العدد (12798/ 7244) لشخصين اثنين تجرأ أحدهما على الطعن بالعلماء بالعموم دون استثناء وأقره الآخر.
وليعلم كل من يبلغه كلامي هذا بأنني أتصلت على أحدهما وهو الدكتور (ح.ح.ع) وليس (ح.ع.ع)، حتى لا يحصل الالتباس، فزعم أنه لم يقصد علماء أهل السنة بذلك الطعن القبيح الذي سطره في المقابلة وتلفظ به بصيغة العموم!! فطلبت منه توضيح ذلك ان كان صادقاً وان يتقي الله فيبرئ ساحة علماء السنة أو يصرح بأسماء علماء السوء الذين يقصدهم وأعطيته فرصة أسبوعين وقلت له بأني على استعداد ان انشر كلامه في صفحة الابانة من جريدة الوطن لكن للأسف ما وصلني منه حرف واحد.
وللعلم أيضا الدكتور الذي سبَّ العلماء وطعن بهم ووصفهم بأقبح الألفاظ بل وصفهم بما يستوجب «كفرهم» زعم أنه أراد «العام الذي يراد به الخصوص»، واستدل بقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ ان النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران: 173]، وقد ذكر الله لفظ (الناس) في الآية مرتين، وان المراد بالناس في المرة الأولى «رجل واحد» والمراد بالناس في المرة الثانية «المشركون» الذين حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
أقول: لا شك هذا استدلال باطل من وجوه:
الوجه الأول: ان اللفظ متى ما كان موهماً للبس وجب بيانه رفعاً للايهام أو تجنبه واستبداله بلفظ آخر، والدليل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسمعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)} [البقرة]، وذلك لأن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم راعنا يا محمد ويريدون معنى باطلاً فنهى الله تعالى عباده المؤمنين ان يقولوا «راعنا» وأمرهم ان يستبدلوها بـ «انظرنا».
الوجه الثاني: أنه متى ما حصل لبس في كلام المتكلم وطُلِب منه ايضاح مراده وجب عليه البيان وكذا اذا فهمه الناس على غير مراده وجب عليه أيضاً ان يبين مقصوده بياناً واضحاً والمثال على ذلك ان الله تعالى لما أنزل قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187]، ففهم بعض الصحابة ان المراد بالخيطين عقالان أحدهما أسود والآخر أبيض، فأخذ يأكل ويشرب حتى يتبين له هذا من هذا فأنزل الله تعالى قوله «من الفجر» لبيان ان المراد بياض الفجر وسواد الليل، ومثال آخر ان الصحابة رضي الله عنهم لما فهموا من قوله تعالى {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمانهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) [الأنعام]، فقالوا: «وأيُّنا لم يظلم نفسه» [رواه مسلم كتاب الايمان (124)] فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم ان المراد الشرك وليس مطلق المعاصي.
الوجه الثالث: ان لفظ «العلماء» لفظ عام يشمل علماء السنة وعلماء السوء وعلماء الكفار وعلماء العلوم المادية من طب وتكنولوجيا وفلك وزراعة وأحياء وغير ذلك، فالواجب تخصيص هذا العام بخلاف الدليل الذي استدل به الدكتور وهو قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ ان النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} فلا أحد يفهم ان المراد بالناس «جميع البشر».
الوجه الرابع: ان النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الأشهر الحرم وكان العرب في جاهليتهم يعبثون في تقديم وتأخير الأشهر بما يسمى «النسيئة» قال عليه الصلاة والسلام: «ان الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق السماوات والارض، السنة اثنا عشر شهراً منها اربعة حرم، ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر» [رواه البخاري رقم (1741) في الحج باب الخطبة أيام منى، ورواه مسلم رقم (1679) في القسامة باب تحريم الدماء]، أي حدد شهر رجب الذي تلتزم به قبيلة «مضر» لا غيره مما يطلق عليه «رجب» وهو ليس ب «رجب».
الوجه الخامس: ان علماء العربية من النحاة منعوا تقديم المفعول على الفاعل اذا كان الكلام يوهم السامع بأن الفاعل مفعول والمفعول فاعل.
ومثلوا له بمثال فقالوا: لا يجوز ان يقال: ضرب عيسى موسى، اذا كان الفاعل الضارب «موسى» والمفعول المضروب «عيسى» لأن كلاً من عيسى وموسى يعرب بالحركات المقدرة التي يمنع من ظهورها التعذر بينما أجازوا ان يقال: ضرب عمراً زيدٌ، فعمراً: مفعول به مقدم منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وزيدٌ: فاعل مؤخر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
الوجه السادس: ماذا يضر الدكتور (ح.ح.ع) ان يكتب بياناً واضحا جلياً ويبرئ به علماء السنة ويظهر فضلهم وآثارهم الجميلة ويذبّ عنهم بدلاً من الاصرار على هذا التعميم الأثيم بوصفه على سبيل العموم بكل قبيح؟
مقارنة مهمة جداً جداً
أخي القارئ الكريم تعال معي وقارن بين كلام الدكتور (ح.ح.ع) وبين كلام شيخه وأستاذه (م.س.ز) في وصف كل منهم للعلماء!! قال الدكتور (ح.ح.ع) في مقابلته المذكورة: «ان هؤلاء العلماء لا يحفظون من كتاب الله الا قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} وخالطوهم في مجالسهم وركنوا اليهم ولبسوا الحق بالباطل فأحلوا لهم الدخول في دين الكفار والسير في ركاب اليهود والنصارى والمجوس تحت رايات وشعارات متنوعة وأخرى تحت شعار مكافحة الارهاب وثالثة تحت شعار سماحة الاسلام حتى أصبحت الأمة بلا هوية توالي أعداءها وتسير على خطاهم وتتبنى مناهجهم. وقال: ان العلماء تركوا الأمة تخوض في مستنقعات الأديان الآثمة المعاصرة من ديموقراطية وعلمانية واباحية تتخبط في أوحال الرذيلة والفسق والفجور، وقال: علماء المسلمين المتخاذلون.وقال: انه طول مدة أكثر من 30 عاماً روابط واتحادات هؤلاء العلماء ساكنة لا تتكلم الا باذن ولي الأمر الأمريكي) انتهى كلامه.
ويقول أستاذه وشيخه (م.س.ز) في مجلة السنة عدد ٢٦ والأولى ان تسمى مجلة (الفتنة) يقول: للعبودية طبقات هرمية اليوم:
فالطبقة الأولى: يتربع على عرشها رئيس الولايات المتحدة (جورج بوش) وقد يكون غداً (كلينتون).
والطبقة الثانية: هي طبقة الحكام في البلدان العربية وهؤلاء يعتقدون ان نفعهم وضررهم بيد بوش ولهذا فهم يحجون اليه ويقدمون اليه النذور والقرابين.
والطبقة الثالثة: حاشية الحكام العرب من الوزراء ووكلاء الوزراء وقادة الجيش، والمستشارين، فهؤلاء ينافقون لأسيادهم ويزينون لهم كل باطل دون حياء ولا خجل ولا مروءة.
والطبقة الرابعة والخامسة والسادسة: كبار الموظفين عند الوزراء وهؤلاء يعلمون ان الشرط الأول من أجل ان يترفعوا النفاق والذل وتنفيذ كل أمر يصدر اليهم.
وقال أيضاً: وصنف آخر يأخذون ولا يخجلون ويربطون مواقفهم بمواقف ساداتهم فاذا استعان السادة بالأمريكان انبرى العبيد إلى حشد الأدلة التي تجيز هذا العمل، إلى ان قال: لقد كان الرق في القديم بسيطاً لأن للرقيق سيداً مباشراً، أما اليوم فالرق معقد ولا ينقضي عجبي من الذين يتحدثون عن التوحيد وهم عبيد عبيد عبيد العبيد وسيدهم الأخير نصراني» انتهى كلامه.
و أترك المقارنة للقارئ ليجزم بنفسه ان المشكاة واحدة التي خرج منها هذا الوصف الآثم للعلماء علماء أهل السنة ودعاة التوحيد. وعندي سؤال أخير للدكتور (ح.ح.ع) ما رأيك بكلام أستاذك وشيخك (م.س.ز)؟ هل ستقول لا يقصد علماء التوحيد من أهل السنة؟ سأمهلك عاماً كاملاً لتفكر وترد علينا الجواب وأنت الذي تزعم لنفسك الشجاعة وعدم استعمال التقية!!
أخي القارئ الكريم أما الأول وهو الدكتور (ش.س.ع) والذي يلقب نفسه بالعالم وأمين السر… فسيأتي الرد عليه والتحذير نصرة للحق ونصيحة للخلق!! فانتظرني الأسبوع القادم ان شاء الله تعالى والحمد لله أولا وآخرا وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.