الرد الـ "شافي" بالحجة و الـ "سلطان" على من كثر منه الروغان (٢)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فهذا المقال الثاني في الرد على دكتور الشريعة ( ش . س ) الذي وضع قانونا وضعيا ليس "شافياً" للبلاد والعباد، وما أنزل الله به من "سلطان"!
وللأسف الشديد إن الدكتور ( ش . س ) يدرِّس في كلية الشريعة وليس في كلية الحقوق وتخصصه علوم شرعية وليس "قانون"، ومع هذا أعرض عن دعوة الحكام والمحكومين إلى تحكيم شريعة رب العالمين، وذهب يضع لهم قوانين وضعية من هواه.
وليس هذا بل هي قوانين تخالف الكتاب والسُّنَّة والدكتور - هداه الله للحق - في السنوات الأخيرة انضم رسميا إلى تنظيم الإخوان المسلمين ويشغل منصب أمين سر رابطة إخوانية بحتة كما أنه يترأس "لجنة اقتراح القوانين التشريعية" في الرابطة نفسها، كما هو معلن عنه في وسائل الإعلام.
وإليك أخي القارئ الكريم نص القانون الوضعي بالحرف الواحد الذي اقترحه الدكتور ( ش . س ) والذي كتبه بنفسه ونشره باسمه حتى لا يظن ظان أنني أتقول عليه ما لم يقل، لا سيما الشباب الصغار المُغرر به والذين يحسنون به الظن، والذين هم في الحقيقة ضحية الفكر الخارجي التكفيري الذي يحمله الدكتور (ش. س)، اسأل الله أن يحفظ أبناء المسلمين منه ومن أفكاره ومنهجه.
[نص القانون المقترح]
يقول الدكتور (ش . س):
(سنبدأ بعون الله عز وجل بكتابة القانون السياسي للثورات العربية لعرضه على أهل العلم والمشورة ليتم الانتفاع به في الثورات العربية، نسأله المعونة، تيسر إلى هذا الوقت كتابة مسودة مبدئية للقانون السياسي للثورات العربية وها أنا أعرض بعض ما تيسر للاعتراض أو التطوير.
أولا: قوانين الحاكم:
يقوم الحاكم بوظيفته خدمة للأمة ورعاية لمصالحها.
شروطه: الأمانة والقوة.
طريقة اختياره الاقتراع العام.
يحكم من ٤ - ٨ سنين.
تصرفات الحاكم منوطة بمصلحة الأمة وليس له أن يتصرف لمصلحته في تجارة أو منفعة ومن خالف عوقب.
ليس للحاكم أن يعدل القوانين أو يقترحها.
ليس للحاكم التدخل في القضاء أو الإعلام أو الأمن.
ليس للحاكم أن يعين رئيس الوزراء لأنه يخضع للاقتراع العام أيضا.
ليس للحاكم فرض الضرائب.
يخضع رئيس الدولة فما دونه للمقاضاة من قبل أي فرد وليس لأحد حصانة.
مسئولية رئيس الدولة في تحقيق مصالح الرعية الضرورية والحاجية والتحسينية.
ليس لرئيس الدولة الحق في تعيين مواطن أو عزله أو الانتفاع من أجهزة الدولة.
يلتزم الرئيس بتقديم تقارير دورية لممثلي الأمة تبين أداءه لواجبه.
يلتزم الرئيس بلقاء الأمة وتفقد حاجاتها.
يخلع الرئيس عند تقصيره في الأمانة أو القوة ولا يخلعه إلا ممثلو الأمة)
انتهى قانونه الوضعي المقترح.
أقول: أخي القارئ الكريم ارجع غير مأمور إلى مقالي الأول فقد علقت على قانون الدكتور بما يسر الله لي من التعليقات التي أرجو أن تكون نافعة مفيدة، وبيّنت أوجه المخالفات الشرعية في قانونه للكتاب والسُّنَّة، أما في هذا المقال فأريد أن أنبه على أمر جدا خطير ومهم بل وفي غاية الأهمية، ألا وهو وجوب تطبيق شرع الله تعالى وتحكيم كتابه وسُّنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذا أمرٌ قد أوجبه الله تعالى على عباده - حكاماً ومحكومين، عرباً وعجماً، رجالاً ونساء، كباراً وصغاراً - في كل عصرٍ ومصرٍ قبل الثورات وفيها وبعدها.
أقول: للأسف الشديد ضَعُفَت المطالبة بتحكيم الشرع إلى درجة أن دعاة الشريعة ودكاترتها ومنهم الدكتور (ش. س) غفلوا عن هذا المطلب الشرعي العظيم، فلم نعد نسمع على المنابر والمجامع والمجالس ووسائل الإعلام آيات ونصوص الكتاب والسُّنَّة التي فيها الأمر بتحكيم شرع الله تعالى، فاسأل نفسك أيها الخطيب ويا أيها الدكتور وأنت يا مدرس ويا معلم ويا واعظ ويا كاتب منذ متى عهدكم بقول الله تعالى (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) [الأنعام: 57]، وقوله (وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) [الرعد: 41]، وقوله (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) [الشورى: 10]، وقوله (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)) [المائدة]، وقوله ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)﴾ [النساء]، وغير ذلك من الأدلة الشرعية الدالة على وجوب تحكيم شرع الله تعالى .
واعلم أخي القارئ الكريم أن الفرق بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية كالفرق بين الله وخلقه؛ لأن الشريعة وحيٌ من الله والقوانين وضع من خلق الله.
ومما يجب علينا- حكاماً ومحكومين- أن ندرك ونتذكر بل ونستيقن بأن ما أصابنا من ذلٍّ وهوانٍ ومصائبَ وتشتتٍ وتسلطِ أعدائنا علينا، وفساد أطعمتنا وأشربتنا وتفشي الأمراض فينا، وقلة البركة وكثرة الحوادث والعقوق والقطيعة، وكثرة الطلاق والاختلاف و و و الخ إنما هو بسبب بعدنا عن شريعة ربنا تبارك وتعالى، والعكس بالعكس، فالخير والبركة والأمن والأمان إنما يتحقق بتحكيم شريعة الرحمن في كل شؤون الحياة، والأدلة على ذلك كثيرة أذكر نفسي وإخواني بشيء منها:
قال تعالى ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [الروم: 41]، وقال تعالى ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)﴾ [الشورى]، وقال تعالى ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)﴾ [طه]، وقال تعالى ﴿يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2- 3]، وقال تعالى ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]، إلى غير ذلك .
اقول: أخي القارئ لو تأملت اليوم - وللأسف الشديد - حال كثير من الدعاة للإسلام - فضلاً عن عامة المسلمين - لوجدت بوضوح ومن غير عناء أنهم في غفلة كبيرة وسبات طويل، بل وربما أعرضوا عن تحكيم شرع الله أو أن الدعوة إلى التمسك بالكتاب والسُّنة ضعيفة!
ومن الدعاة من طال عليه الأمد فبعد ما كان يطالب بتطبيق الشريعة ونبذ القوانين الوضعية أصبح يضع القوانين ويقاتل ويجاهد في سبيل الديمقراطية والحرية وليس للشريعة ذكرُ في طرحه ومطالباته، ليس هذا فحسب بل بعضهم صرح فقال: لا تقولوا نريد تطبيق الشريعة حتى لا يقف الغرب ضدنا! نعم هذه هي الحقيقة المرة، نسأل الله العفو والعافية. وقبل أن اختم مقالي هذا أريد أنبه على أمر في غاية الأهمية ألا وهو أن المطلوب تطبيق الشريعة تطبيقاً سنياً لوجه الله تعالى بعيداً عن المصالح الشخصية والمناصب الدنيوية والمطامع السياسية.
أسأل الله أن يبرم لهذا أمر رشدٍ يُعِزُّ فيه أهل طاعته، ويتوب على أهل معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا ،وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .