الرد الـ "شافي" بالحجة و الـ "سلطان" على من كثر منه الروغان (٣)
الحمد لله وحده والصلاة و السلام على من لا نبي، بعده أما بعد:
فهذا المقال الثالث في الرد على الأخ دكتور الشريعة الإخواني- هداه الله- أضعه بين يدي القراء بيانا للحق ونصيحة للخلق.
فأقول: اخي القارئ الكريم بعد كتابتي للمقالين الأول والثاني وردت عليَّ بعض الأسئلة من الإخوة المحبين وبعضها من الإخوة المخالفين والذين سأعتبرهم محبين أيضا من باب حسن الظن بهم، وقد قمت بالإجابة عنها فوجدتها في النهاية مادة كاملة لتكون المقال الثالث في هذا الرد الذي اسأل الله أن يجعله خالصا لوجهه الكريم نافعا لي ولإخواني القراء.
سائل محب يقول: لقد أنكرت على الدكتور [ش . س] عندما اقترح قانونا وضعيا للحكام والحكومات مع أن الأصل الإباحة في كل شيء فما وجه إنكارك عليه؟
الجواب: الأصل تحريم التشريع مع الله تعالى وليس الإباحة كما تفضلت لقول الله تعالى ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾ [الأنعام: 57]، وهذا أسلوب حصر معناه ما الحكم إلا لله وحده وقال الله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)﴾ [الشورى]، وقال تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: 48]، وأنكر الله تعالى من يشرِّع من دونه تعالى فقال: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى: 21]، فلا يحق لأحد أن يشرِّع القوانين وقد كفانا الله تعالى بتشريعاته، وإنما من الله تعالى التشريع وعلينا العمل والاستقامة.
السائل المحب: وما المانع إذا اقترح الدكتور [ش. س] قوانين تنظم شؤون الحكم والحكام فهذا من جنس قوانين المرور والإسكان ونحوهما؟
الجواب: ما ذكره الدكتور [ش. س] من القوانين يخالف شرع الله تعالى مخالفة ظاهرة على نحو ما بينته في المقال الأول، ارجع إلى قانونه المقترح وتأكد بنفسك. أما لو كانت قوانين وأنظمة في ترتيب شؤون الدنيا كالمرور والإسكان والصحة فلا بأس بها ما لم تخالف الكتاب والسُّنة، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «...أنتم أعلم بأمور دنياكم» [صحيح مسلم - كتاب الفضائل- حديث:4462].
السائل المحب: بيّن لي مخالفتين أو ثلاث للكتاب والسُّنة في اقتراح الدكتور (ش)؟
الجواب: الدكتور [ش. س] هداه الله لم يذكر في قانونه أن الحاكم يجب أن يحكم بشرع الله تعالى المنزل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، لا من قريب ولا من بعيد! لأن الدكتور ومن معه في رابطتهم يعلمون أن الغرب و الذين أيّدوا الثورات ودعموها وشاركوا فيها لا يقبلون الإسلام ديناً يحكم الدول الإسلامية، لذا تجدهم يداهنونهم. بل وقد صرح كثير منهم بأن هذه ثورات شبابية من أجل التغيير والديمقراطية وتداول السلطة عن طريق انتخابات نزيهة وتحسين المعيشة و و و الخ، وليس لتطبيق الشريعة ذكرٌ، لا من قريب ولا من بعيد، والشواهد على ما أقول كثيرة!
لذا لما زار رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان (الاخواني) مصر وليبيا ودعا أصحاب الثورات إلى تطبيق العلمانية -والعياذ بالله- كما هي الحال في دولته هل سمعت أو قرأت كلمة استنكار من الدكتور [ش] أو احد من رابطته الاخوانية أنكر ذلك؟!
السائل المحب: بصراحة عن نفسي ما سمعت الدكتور [ش] ذكر وجوب تطبيق الشريعة بعد سقوط الرؤساء ولعلي اسأله عن قريب، لكن لماذا أنكرت على الدكتور [ش] أن يكون بالاقتراع العام؟ ولو كانت طريقة غربية أليس هذا مباحا؟
الجواب: الاقتراع العام أكبر فساد للبلاد والعباد فقد يظفر بالحكم الكافر والفاجر والمبتدع والراشي والمرتشي والظالم والسفيه والمرأة والشاذ والمزوِّر والمزيف، فكل هؤلاء وغيرهم لا يمنع القانون عن طريق الاقتراع العام أن يتولوا الحكم على رقاب العباد!
بل من هؤلاء مَنْ وصوله أرجح إلى هذا المنصب العام، لا سيما إذا وجد دعماً من بلاد الكفار أو من الصفويين ونحوهم! فالأمر خطير جداً لو كانوا يعقلون.
السائل المحب: وماذا عندك من المآخذ على القانون الذي اقترحه الدكتور [ش]؟
الجواب: اقتراح مدة الحاكم من 4 إلى 8 سنوات فهذا مخالف للكتاب والسُّنَّة، وكما هو معلوم أن الخلفاء الراشدين كل منهم حكم حتى مات أو استشهد ولم يُؤْثَر عن الصدر الأول من الإسلام الذين كمل الدين في عصرهم حتى جاء المنهزمون اليائسون الذين طال عليهم الأمد فتأثروا بالغرب من حيث يشعرون أو لا يشعرون ومنهم الأخ الدكتور [ ش ] فاقترح هذا الاقتراح.
السائل المحب: حال الحكام اليوم تغيّر ووجودهم لمدّة طويلة يفسدهم ويفتنهم وإن الأمانة ضاعت فلا نمكنهم من الحكم مدة طويلة حتى لا يفسدوا البلاد والعباد، فما تعليقك؟
الجواب أقول : قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (64)﴾ [مريم]، فلو كان يحق لنا وضع قوانين عند تغير أحوال الحكام وعند ضياع الأمانة لذكر الله لنا ذلك ولأمرنا أن نفعل كذا وكذا عندما يحصل كذا وكذا أليس كذلك؟
ثم يا أخي الكريم أين كلامهم السابق بأن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان؟ فما بالهم جعلوها اليوم لا تصلح لهذا الزمان؟ بل واختاروا طريقة الغرب على شرع الله تعالى وعلى هدي نبيهم صلى الله عليه.
السائل المحب: أليست الحكمة ضالة المسلم أينما وجدها أخذها؟ فما المشكلة إذا أخذنا من الغرب ما يصلح أحوالنا؟
الجواب: أما الحكمة ضالة المسلم فهذا صحيح ولكن الحكمة في الكتاب والسُّنَّة، ألم تقرأ قول الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)﴾ [المائدة]، وقوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)﴾ [التين]، وأما من زعم أنَّ الحكمة يجدها عند الكفار فهذا إما كاذب أو جاهل، فقوانين الكفار ما نفعتهم حتى تنفعنا!
السائل المحب: لقد أنكرت على الدكتور [ش] القانون الذي اقترحه ولكنك لم تذكر البديل.
الجواب: أما البديل فهو تطبيق شرع الله تعالى، بل الشرع هو الأصل وليس البديل فحسب، وتطبيق الشرع سهل وميسر لكن متى ما وجد من هو صادق في رغبته لتطبيق شرع الله عز وجل فييسر الله تعالى له ذلك ويعينه عليه وليعلم كل مسلم- حاكماً كان أو محكوماً- بأن الله تعالى قال: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، وقال: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 68]، وكل مسلم مطالبٌ بتطبيق ما استطاع من الشرع فقط وما لم يستطع فهو غير مكلف به.
أخي القارئ الكريم لم تكتمل المادة في الرد على الأخ الدكتور الشريعة [ش] هداه الله إلى الحق بإذنه تعالى والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.