موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

الرد الـ "شافي" بالحجة و الـ "سلطان" على من كثر منه الروغان (٦)

19 ذو القعدة 1432 |

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فهذا المقال السادس في الرد على دكتور الشريعة [ش.س] كتبتها نصرة للحق ونصيحة للخلق أرجو بها الثواب من ربي وأسأله الاخلاص في القول والعمل.

ذكرت لك أخي القارئ الكريم بأني تلقيت رسائل كثيرة بعد كتابتي المقالين الأول والثاني من بعض الاخوة المحبين والمخالفين وأنا اعتبرهم كلهم محبين، فرددت على بعضها فكانت مادة صالحة للنشر فأحببت نشرها للاستفادة منها، واليك أخي القارئ شيء منها:

السائل المحب: لماذا دائما تضع اللوم على الشعوب وتبرئ الحكومة؟

الجواب: لا فرق بين الشعوب والحكومات فكل انسان راع ومسؤول عن رعيته التي استرعاه الله اياها لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، الامام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته» [رواه البخاري (867) ومسلم (3496)]، فالحاكم والمحكوم والحكومات والشعوب والرجال والنساء والكبار والصغار والمسلم والكافر وكل الجن والانس مكلفون بتكاليف شرعية ومطالبون بالاسلام والتزام أحكامه.

وأنت ترى يا أخي الكريم ان بعض أفراد الشعب اليوم محكوم وغداً حاكم والعكس، وأيضا كل انسان مسؤول عن سمعه وبصره وقلبه قال تعالى: {انَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مسؤولا (36)} [الاسراء]، فالحاكم مكلف والمحكوم مكلف فلم ولن اجعل اللوم على الشعوب دون الحكومات ولا العكس، لكن الاصلاح يبدأ من الشعب فإن استقاموا استقام لهم حكامهم، وبهذا تعرف ان بعض الدعاة السياسيين بكل طبقاتهم وانتماءاتهم قد ابتدعوا بدعة التفريق بين الحكومة والشعب وذلك والله أعلم طمعا بالحكم وكسباً لشعبية الشعوب، فتجدهم يركزون على أخطاء الحاكم والحكومة ولا يحمِّلون الشعوب أي خطأ أو تقصير.

ومن الناس من لا يريد ان يتحمل أي تبعة لتصرفاته وأخطائه وذنوبه وسيئاته فتجده دائما يقول من المسؤول؟ من المسؤول؟ من المسؤول؟ ثم يجيب نفسه فيقول: الحكومة فيها وما فيها والحكام فيهم وما فيهم! ومنهم من يقول: هذا كله من أمريكا أو كل ذلك من تخطيط الكفار أو من الصهيونية العالمية، بل حتى لو طلق الرجل زوجته لقال: أمريكا أو الصهيونية هي السبب! ومن الناس من يقول: هذا كله بسبب الاعلام الخبيث! ومن الناس من يقول: هذا كله من الشيطان الرجيم ويبرر لنفسه ولا يتهم نفسه بأي تقصير.

والحق بأن كل انسان مسؤول واقرأ ان شئت قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم: 41]، وقوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)} [الشورى]، وقوله تعالى: {بَلِ الْانْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)} [القيامة]، واعلم أخي الكريم ان تسلط الحكام الظلمة على شعوبهم انما هي عقوبة من الله تعالى بسبب ذنوبهم كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)} [الأنعام] وفي الأثر عن بعض السلف أنه قال: (أعمالكم عمالكم وكما تكونوا يولى عليكم).ومعنى [عمالكم أي المسؤولون عليكم] وقيل أيضا: كل سلطان من طينة رعيته!

واليك هذا الكلام القيم من ابن القيم رحمه الله تعالى من كتابه مفتاح دار السعادة:

قال الامام ابن القيم في كتاب مفتاح دار السعادة (2/177): وتأمّل حكمته تعالى في ان جعل ملوك العباد وأمراءهم وولاتهم من جنس أعمالهم، بل كأن أعمالهم ظهرت في صور ولاتهم وملوكهم، فإن استقاموا استقامت ملوكهم، وان عدلوا عدلت عليهم، وان جاروا جارت ملوكهم وولاتهم، وان ظهر فيهم المكر والخديعة فولاتهم كذلك وان منعوا حقوق الله لديهم وبخلوا بها منعت ملوكهم وولاتهم ما لهم عندهم من الحق وبخلوا بها عليهم، وان أخذوا ممن يستضعفونه ما لا يستحقونه في معاملتهم أخذت منهم الملوك ما لا يستحقونه، وضربت عليهم المكوس والوظائف، وكل ما يستخرجونه من الضعيف يستخرجه الملوك منهم بالقوة، فعمالهم [أي: أمراؤهم] ظهرت في صور أعمالهم، وليس في الحكمة الالهية ان يولى على الأشرار الفجار الا من يكون من جنسهم ولما كان الصدر الأول خيار القرون وابرها كانت ولاتهم كذلك، فلما شابوا شيبت لهم الولاة، فحكمة الله تأبى ان يوَلَّى علينا في مثل هذه الأزمان مثل معاوية وعمر بن عبدالعزيز فضلاً عن مثل أبي بكر وعمر بل ولاتنا على قدرنا، وولاة من قبلنا على قدرهم......).

السائل المحب: هل أنت جاسوس أم استخبارات للحكومة؟ هل أنت محام عن الحكومة؟ لماذا دائما تدافع عن الحكومة؟

الجواب: أخي المحب أنا لست جاسوسا ولا استخباراتيا ولا محاميا عن الحكومة ولا عن غيرها وحسبك من التنابز بالألقاب وتوزيع الاتهامات وحافظ على حسناتك واياك ان تؤذي المسلمين بغير حق والله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَاثْمًا مُبِينًا (58)} [الأحزاب]، واعلم ان هذه الألقاب والاتهامات انما يستعملها بعض الناس بقصد التنفير من كل شخص ربما يكشف عورهم ويحذر من أخطائهم ومن ثم يخافون من التأثير على اتباعهم فينفروا منهم، وفي الحقيقة هكذا يفعل دائما من انقطعت حجته وعجز عن الرد العلمي فتجده يلجأ الى السب والشتم والقذف والصاق الاتهامات والتنابز بالألقاب.والله المستعان.

ولا أريد تضييع وقت القارئ في الخوض بمثل هذه الاتهامات والشتائم والدفاع عن نفسي ولكن الذي أريد ان أخبرك به وأعلنه للناس جميعا وهو الذي أدين الله تعالى به بأني لست ضد الحكومة ولا يشرفني ان أكون معارضا بل ولا أرضى ان أكون خائنا لها فآكل من خيراتها واستظل بظلها وانعم بأمنها وحمايتها- والفضل كله لله عز وجل قبلها وبعدها- ثم اطعن بها وأحرض الناس عليها!! معاذ الله، فهذه خيانة والله تعالى يقول: {انَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58)} [الأنفال]، واعلم بأن موقفي هذا لا ينافي القيام بواجب النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتذكير ولاة الأمر بوجوب تحكيم شرع الله تعالى والتحاكم الى الكتاب والسنة لما في ذلك من سعادة الدنيا والآخرة لنا ولهم، واني بذلك متبع لعقيدة أهل السنة والجماعة في وجوب طاعة ولي الأمر والدعاء له وتأليف قلوب الناس عليه وتحريم الخروج بالكلام والسنان مع تقديم النصيحة والصبر على ظلمه اذا ظلم وأودي حقه الذي علي واسأل الله حقي.

السائل المحب: لماذا دائما تتكلم في اخوانك الدعاة أكثر مما تتكلم عن العاهرات والفضائيات؟

الجواب: الواجب على كل مسلم ان ينكر كل منكر نهى الله عنه ورسوله سواء صدر من صغير أو كبير أو حاكم أو محكوم أم من الدعاة أو العامة أو من القريب أو البعيد حتى لو صدر المنكر من الوالدين كلاهما أو أحدهما وجب علينا ان ننكره لكن هذا الانكار يجب ان يكون بالطرق الشرعية وكل بحسبه ولهذا فقه شرعي لا يجوز تجاوزه وليس هذا موضع تفصيله، ولا يستثنى من ذلك لا اخواني الدعاة ولا غيرهم.

فاذا رأيت من الدعاة منكراً كالانحرافات العقدية أو المنهجية أو الشرعية أو السلوكية أو الأخلاقية فما المانع من الانكار عليهم والتحذير منهم حتى لا يفسدوا على المسلمين دينهم؟ لاسيما اذا كان لهذا الداعي اتباع ومستمعون فبزلته وخطئه وانحرافه يزل عدد كبير من ورائه وتكون العاقبة سيئة له ولهم، أما العاهرات وفساد الفضائيات فظاهر وأنا وغيري ننكره والحمد لله بل لا تكاد تجد خطيبا ولا داعيا الا وينكر ذلك وهذا الظن بكل الدعاة فمن قال لك ان ثمَّ مسلما يقر العاهرات على فواحشهن أو يقر الفضائيات على باطلها؟

الحمد لله الحرام «بيّن» والدعاة القائمون بالانكار على هذه المنكرات كثيرون وقد قاموا بالفرض الكفائي وتحملوه عمن لم ينكره، هذا فيما لو أني ما أنكرته أصلا كما تظن! لكن اذا أنا سكت وسكت غيري فمن يتصدى لدعاة الفوضى ويحذر منهم وينبه المسلمين إلى فساد أفكارهم وانحراف مناهجهم وضلال عقائدهم؟!

السائل المحب: تتكلم في عيوب الناس ألا تخشى ان يتكلم الناس في عيوبك؟ أما قرأت قول الحسن البصري رحمه الله تعالى: أدركت أقواما لم تكن لهم عيوب فتكلموا في عيوب الناس فأحدث الله لهم عيوبا وآخرون كانت لهم عيوب فسكتوا عن عيوب الناس فستر الله عيوبهم؟

الجواب: لا يجوز الكلام على عيوب الناس الشخصية ولا يجوز تتبع عوراتهم بل لو علمت شيئا منها لوجب علي سترها.

أما الانحرافات المنهجية والضلالات العقائدية والمنكرات العلنية فالواجب على كل مسلم ان ينكرها ويقوم بواجب النصيحة وهذا ليس من باب تتبع العورات فأفهم الفرق بين الأمرين حتى لا تلتبس عليك الامور.

السائل المحب: لكنك يا شيخ سالم:

  1. تتهم الدعاة بأنهم يطالبون بالديموقراطية الغربية فمن أين نقلت هذا عنهم؟

  2. وزعمت بأنهم يدعون الى المظاهرات في الجزيرة العربية ويخدمون الدولة الصفوية بذلك من حيث لا يشعرون.

  3. ثم ما نقلته من خطبة دكتور الشريعة (ش.س) كلام قديم قاله قبل أربع سنوات لعله تراجع عنه.

  4. كيف تتكلم على دكتور الشريعة [ش.س] وهو رجل على جانب من الخلق الحسن؟

الجواب: ابشر يا أخي سأجيبك عن كل الأسئلة فاصطبر علي ولا تعجل وتابعني في المقال القادم مع الرد الشافي ان شاء الله تعالى.

اسأل الله ان يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات