الرد الـ "شافي" بالحجة و الـ "سلطان" على من كثر منه الروغان (٨)
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فهذا المقال الثامن في الرد على دكتور الشريعة [ش. س] كتبتها نصرة للحق و نصيحة للخلق أرجو بها الثواب من ربي وأسأله الإخلاص في القول والعمل.
ذكرت لك أخي القارئ الكريم بأني تلقيت رسائل كثيرة بعد كتابتي المقالين الأول والثاني من بعض الإخوة المحبين والمخالفين وأنا اعتبرهم كلهم محبين، فرددت على بعضها فكانت مادة صالحة للنشر فأحببت نشرها للاستفادة منها، وإليك أخي القارئ شيء منها:
السائل المحب: افهم من كلامك يا شيخ سالم بأن لا جهاد اليوم فهل فهمي صحيح؟ وماذا نفعل بأدلة الجهاد الكثيرة كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾ وقوله: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾، فهل هذه الآيات منسوخة لا نعمل بها فنترك الجهاد ونجلس نتزوج النساء؟ أجب يا شيخ عن هذا السؤال ولا تتهرب!
الجواب: أخي المحب لن أتهرب كما تظن ولا مناسبة للتهرب أصلا. أخي، مفهوم الجهاد أوسع بكثير مما يفهمه بعض الناس، وأصل الجهاد هو من بذل الجهد وكل من بذل جهداً في سبيل طاعة الله ورسوله فهو مجاهد، ولا شك أن قتال الكفار على الوجه الشرعي هو من الجهاد في سبيل الله تعالى لكن ليس هو الجهاد كله بل هذا جانب من جوانبه. واقرأ قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52)﴾ [الفرقان]، وجاء في تفسير الآية عن غير واحد من أهل التفسير في معنى الآية: أي اجتهد يا رسول الله في الدعوة وأثبت فيها، وجاهد الكفار بالقرآن واتل عليهم ما فيه. فالضمير في قوله «به» يعود إلى القرآن أي جاهد الكفار بالقرآن، وهكذا تجد في الكتاب والسُّنَّة أعمالاً كثيرة سمّاها الشارع الحكيم جهاداً وهي لا يرفع فيها السلاح ولا تراق فيها الدماء.
ولقد كتبت رسالة والحمد لله تجدها في موقعي بعنوان «أنواع الجهاد في سبيل الله تعالى سوى القتال» وذكرت فيها نحو عشرين عملاً من الأعمال الصالحة هي من الجهاد، فارجع إليه تجده نافعاً بإذن الله تعالى. وأما قوله تعالى: ﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾ [العنكبوت: 6]، فقد قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله-: قوله تعالى: ﴿وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾ كقوله: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ﴾، أي: من عمل صالحاً فإنما نفْعُ عمله على نفسه. قال الحسن البصري: (إن الرجل ليجاهد وما ضرب يوماً من الدهر بسيف) [ تفسير ابن كثير: ١٠/ ٤٩٤].
وقال ابن القيم- رحمه الله تعالى- في كتابه الفوائد صفحة (97) الفائدة (42): قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ [العنكبوت: 29]، علق سبحانه الهداية بالجهاد فأكمل الناس هداية أعظمهم جهاداً، وأفرض الجهاد جهاد النفس، وجهاد الهوى، وجهاد الشيطان، وجهاد الدنيا، فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى جنته، ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ما عطل من الجهاد.
قال الجُنيد: والذين جاهدوا أهواءهم فينا بالتوبة لندينهم سبل الإخلاص. ولا يمكن من جهاد عدوه في الظاهر إلا من جاهد هذه الأعداء باطناً، فمن نصر عليها نصر على عدوه ومن نصرت عليه نصر عليه عدوه) انتهى كلامه.
وأما الجهاد الذي هو القتال فله شروطه وضوابطه ووقته المناسب وانظر إلى هؤلاء الذين لم يفقهوا الجهاد ولم يلتزموا أحكامه، تجدهم يجاهدون بقتل وسفك دماء الأبرياء حتى أنَّ كثيراً من قتلى جهادهم المزعوم هم من المسلمين أو من الكفار غير المحاربين! بل قد يقتلون من النساء والأطفال والشيوخ بصورة لا يقرها شرع ولا عقل. وأسوأ من ذلك تشويههم لصورة الإسلام وتحريض وتهييج الكفار ضد المسلمين.
ثمَّ اعلم أن توقف القتال في حال ضعف المسلمين المتنازعين والمختلفين فيما بينهم إنما ذلك من مصلحة المسلمين، لأن مواجهة الكفار في هذه الحالة تعني مزيداً من تسلط الكفار على بلادهم واستحكام قبضتهم عليهم واستنزاف ثرواتهم فافهم هذا فهماً جيدا نفعك الله به وأنار بصيرتك.
أما الزواج فمن سُّنة النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «... وأتزوج النساء وهذه سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني». ولم أجد أوهن من هذا الرد في حياتي قط، فبدلا من أن يقبل الحق أو يرد رداً علمياً فلا يجد سوى أن يعيب على غيره أنه تزوج من النساء ما شاء الله له أن يتزوج! حقا مفلسون.
اسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.