موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

«اللَّهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإنَّهُمْ لا يعْلَمُونَ»

25 ذو الحجة 1432 |

الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإن الفتن شرها عظيم يخشى إذا وقعت فلن ترتفع حتى تأتي على الأخضر واليابس، والسعيد من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ به غيره، فإلى متى يظل من يصرُّ على أن ثمَّ مظاهرات أو اعتصامات «سلمية»؟

لا والذي نفسي بيده ما أفتى علماء الهدى ومصابيح الدجى الربانيون العاملون بأن المظاهرات والاعتصامات حرام مطلقاً إلا بعدما نظروا في عواقبها ومفاسدها وفي المقابل ما أجازها وشجع أهلها إلا دعاة الأحزاب الطامعون بالحكم والسلطة!!

وإلى متى لا نعي مقاصد دعاة الفوضى الذين يسمون الحقائق بغير اسمها؟

فالقتل والنهب والتشريد سموه ربيعاً، والخروج والتهييج سموه معارضة، والطمع في السلطة سموه إصلاحاً ومشاركة، وكل ذلك على حساب ذهاب الدين وزهق الأرواح وترويع الآمنين وتبذير الأموال وتمكين الأعداء وإشغال الناس عن دينهم الذي خلقهم الله تعالى من أجله، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾ [الذاريات].

لكن رب ضارة نافعة، فما خلق الله تعالى شراً محضاً، فلعل أعظم درس يستفيده المسلمون، حكاماً ومحكومين، هو سلامة منهج السلف وصفاء طريقتهم وصدق علمائهم، فهم وحدهم من ينصح ولا يفضح، ويعطي ولا يأخذ، ويفون ولا يغدرون، والواقع أكبر شاهد.

فيا ولاة، ويا حكاماً، ويا أمراء، ويا عامة، هل سمعتم في حياتكم أو قرأتم في التاريخ عالماً سنيّاً سلفياً طالب بالمشاركة في الحكم أو طالب بالديموقراطية أو عظّم الدستور وأهمل الشريعة؟!

لا والله ما عهدنا على أحدهم قط فعل ذلك، بل خطّأوا من خرج على أميره كائناً من كان، ونصحوا الراعي والرعية بالتمسك بالكتاب والسُّنَّة وما زالوا ينصحون أمراءهم بتقوى الله تعالى وإقامة العدل، وينصحون الرعية بالسمع والطاعة والصبر على ولاتهم إن قصّروا أو ظلموا وجاروا.

يا قومي، اقرأوا قول الله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)﴾ [النساء]، أي: خير لكم في الحال وخير لكم في المآل، أي المستقبل.

وقال تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10)﴾ [الشورى]، أي: حكمه إلى كتاب الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شخصه في حياته وإلى سننه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.

وقال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)﴾ [المائدة]، وحكم الجاهلية يشتمل على كل حكم غير حكم الله تعالى كالاشتراكية والبعثية والقومية والدكتاتورية والنازية والديمقراطية، وكلها لا خير فيها والله تعالى يقول: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾؟ والجواب: لا أحد أحسن حكماً من حكم الله تعالى؛ فحكم الله تعالى خير للحاكم والمحكوم.

و يا ليت حكامنا يعلمون أن حكمهم في خطر، وربما يذهب من أيديهم في أي لحظة من اللحظات باسم الديمقراطية والحكومة المنتخبة والرئيس من الشعب، و بتحريك المنظمات العالمية، و ربما يدفعون ببعض الأبرياء في وجوه العسكر و الشرطة حتى يقتل بعضهم، ومن ثمَّ تقوم المظاهرات للمطالبة بحكومة ديمقراطية وانتخابات حرة تحت مراقبة دولية طبعاً غربية كافرة وبعد ذلك يرتب الحزبيون صفوفهم و بالعاطفة الإسلامية يكسبون أكبر عدد ممكن ويستولون على الحكم.

أقول مرة أخرى، يا ليت حكامنا يعلمون، فوالله الذي لا إله إلا هو إن هذه الأحزاب والمنظمات يتربصون بكم، وينتظرون الوقت المناسب لينقضوا عليكم وهم الذين لطالما قربتموهم في مجالسكم واتخذتموهم مستشارين وخصصتم لهم ميزانيات ضخمة وربما تكون نهايتكم على أيديهم؛ ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾.

فإن قلتم ما المخرج من ذلك، فأقول: المخرج هو تحكيم شرع الله تعالى على منهج السلف من الحذر الشديد من الأحزاب بجميع أصنافها وانتماءاتها.

والحذر كل الحذر ممن ولاؤه لغير حاكمه وبلده، والحذر غاية الحذر ممن عقيدته على غير عقيدتنا فو الله ليس فيهم صادق ولو أعطوكم من طرف اللسان حلاوة لكنهم يحملون في قلوبهم حقداً أشد من سم الثعابين والعقارب، والله المستعان.

أخي القارئ الكريم أذكر نفسي وإياك بهذا الحديث الذي رواه البخاري -رحمه الله- عن أبي هريرة رضي الله عنه، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، رجل كان له فضل ماء بالطريق، فمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها رضي، وإن لم يعطه منها سخط، ورجل أقام سلعته بعد العصر، فقال: والله الذي لا إله غيره لقد أعطيت بها كذا وكذا، فصدقه رجل»، ثم قرأ هذه الآية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [صحيح البخاري- كتاب المساقاة: باب إثم من منع ابن السبيل من الماء- حديث:‏2251].

‏ويستفاد من هذا الحديث أنه يجب على المسلم السمع والطاعة للحاكم في المعروف سواء أعطاه مالاً أو منعه منه، وإن الذي يطيع الحاكم إذا أعطاه و يعصيه إذا منعه فهذا مذموم و لا ينظر الله إليه و متوعد بالعذاب الأليم.

أسأل الله أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات