التعقيب و البيان على ما قرره الشيخ عثمان
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان الا على الظالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه اجمعين، أما بعد:
ففي مقالي هذا سأعقب على كلامٍ لأحد الاخوة الأفاضل قد جانب الحق - على الاقل في نظري - وهو الأخ الشيخ عثمان بن محمد الخميس - حفظه الله تعالى -، الذي قرر في مقطع صوتي مصور بلغني، فقال فيه بالحرف الواحد: (الاصل في ولي الامر أنه الامير، هذا هو ولي الامر عندنا يقال ولي الامر هو الامير، لكن من جعله الامير آمراً، يقول: فلان يطاع بأمري، فهو أيضا أمره، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم (من اطاع أميري فقد اطاعني، ومن عصا أميري فقد عصاني) فمن أمره الأمير يكون أميراً وهكذا) انتهى كلامه.
ثم نشر كلمة مختصرة عبر الرسائل الهاتفية قال فيها بالحرف الواحد: (الشيخ ناصر المحمد ليس ولي أمري من وجهة نظري، ولكن ولي أمري هو الأمير صباح الأحمد ولكن الانكار لا يكون بهذه الطريقة) انتهى كلامه.
فلما كثر عليه الكلام واستنكر عليه بعض الاخوة ما قد يكون ظاهره التناقض بلغني عن بعض المقربين أنه قال ما معناه: (وكوني قلت ان الشيخ ناصر المحمد ليس ولي أمري فهذا رأيٌ رأيته و ما زلت عليه) انتهى كلامه.
وللتوضيح لغير أهل الكويت الشيخ ناصر المحمد الصباح هو رئيس مجلس الوزراء السابق، وأقول وبالله استعين:
يا شيخ عثمان هذا الرأي الذي رأيته يا ليتك سكت عنه لاسيما في هذه الايام، بل لو لم تصرح به مطلقاً لكان خيراً لك ولغيرك، وأنت - باذن الله - لن تُسأل عن عدم تصريحك به يوم القيامة. بينما لما صرحت به فهم بعض الناس من كلامك القول بجواز الخروج والمظاهرات والاعتصامات من أجل اسقاطه واسقاط غيره ممن بعده لذا اضطررت للتوضيح من جديد فقلت: (ولكني لم أقل أبداً يجوز الخروج أو التظاهر...وهذا ما فهمه البعض، الى ان قلت: وللأسف فهم البعض أني أرى التظاهر والخروج على طاعة الأمير وهذا الفهم غير صحيح).
أقول: لا يخفى عليك يا شيخ عثمان وجوب الأخذ بالسُّنَّة فكان من المنتظر منك ان تقول انصحوا واسمعوا وأطيعوا واصبروا على ما تكرهون، لكن للأسف فاجأتنا بقولك: (اضغطوا على أعضاء مجلس الأمة في مناطقكم حتى لا يعطوا الثقة للشيخ ناصر لم أقصد به ان الأعضاء يتكلمون فيه بل يطرحون الثقة).فأقول: هل هذا هو الموقف الشرعي الذي شرعه الله لنا؟!
أخي الكريم: اذا ولي الامر الأعلى في البلاد عين رئيساً لمجلس الوزراء أو وزيراً أو عاملاً أو سمّه ما شئت وجبت طاعته لأن طاعته من طاعة من أمَّرَهُ، ووجب علينا طاعته ما استطعنا الى ذلك سبيلاً ما لم يأمر بمعصية. وهذا لا ينافي نصيحته وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر مع الصبر على ما قد يصدر منه من ظلم أو فساد كما قرر ذلك أهل العلم. بينما يا شيخ عثمان وجدناك تقول: (اضغطوا على اعضاء مجلس الأمة في مناطقكم حتى لا يعطوا الثقة لرئيس مجلس الوزراء)، فأين تطبيق السُّنَّة في ذلك يا شيخ عثمان؟ وأين الطاعة لولي الأمر؟! فكل من تأمل نصوص الكتاب والسُّنَّة يظهر له جلياً ان الضغط على الأعضاء لطرح الثقة برئيس مجلس الوزراء مخالفة صريحة لولي الأمر، فأرجو ان يكون هذا واضحاً لديك يا شيخ عثمان، وفقك الله لكل خير.
وأما قولك يا شيخ عثمان (الرشوة حرام والراشي ملعون وكذا المرتشي، والحكومة سيئة جداً والله المستعان ولكن لا يمكن ان نصلح الخطأ بالخطأ، الشيعة يخرجون في عاشوراء ويضربون صدورهم ويصيحون حزنا على الحسين وقام بعض جهلة أهل السُّنَّة بالخروج والبكاء والصياح حزناً على مصعب بن الزبير، فقال ابن كثير: وهذا لا يجوز ولا ترد البدعة بالبدعة بل بالسُّنَّة) انتهى.
فأقول: يا شيخ عثمان حفظك الله تعالى لو سلمنا بما تقول بأن الحكومة سيئة جدا وكذا وكذا...الخ فما هي السُّنَّة التي سنَّها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكر لنا الداء والدواء؟ فأين نحن من احاديث الباب مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية» [رواه البخاري (7053) عن ابن عباس رضي الله عنهما]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «انكم سترون بعدي أثرةً وأموراً تنكرونها» قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: «أدوا اليهم حقهم وسلوا الله حقكم» [رواه البخاري عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه]. الأثرة: أي استئثار بالأموال العامة دون غيرهم من أفراد الشعب، والعبث بالأموال بالرشوة وغيرها، وأمور تنكرونها: أي منكرات سيئة جداً.
وروى البخاري في صحيحه [حديث رقم: 6666] عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال: فيما أخذه علينا: ان بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، الا ان تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان)، وروى مسلم في صحيحه [حديث رقم: 107] من حديث تميم الداري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الدين النصيحة» قلنا: لمن؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم»، اذن فما العمل الذي أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ الجواب:
الصبر.
أداء الحق الذي علينا.
النصيحة.
الدعاء.
ألا ننزع يداً من طاعة.
ومما قرره أهل العلم قالوا: ان نحدث توبة ونكثر من الاستغفار ونصلح من أنفسنا. وما أجمل ما قاله ابن أبي العز الحنفي في [شرح الطحاوية ص 381]: (وأما لزوم جماعتهم وان جاروا فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور، فان الله ما سلطهم علينا الا لفساد أعمالنا والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار) انتهى كلامه.
وعلى هذا يتبين لنا ان الموقف الشرعي السُّنّي النّبوي لا يدعو الى المظاهرات ولا الاعتصامات وأيضا لا ضغوطات ولا نقابل الباطل بباطل ولا نقابل البدعة ببدعة، بل نقابل الباطل بالحق، ونقابل البدعة بالسُّنَّة.
وفي هذه المناسبة ادعو اخي الشيخ عثمان حفظه الله وكل طلبة العلم ان يتجنبوا هذه الأحزاب السياسية التي كثيراً ما تنسي طالب العلم الانصاف، وتحرفه عن اتباع السُّنَّة وتدخله في دهاليز مظلمة بتنظيماتها السرية الحزبية حتى ربما دفعوه ليقرر من المسائل ما يوافق مناهجهم وتوجهاتهم.
تنبيه
لا أعلم أحداً سبق الشيخ عثمان في ان ولي الذي تجب طاعته واحد، والغريب أنه قرر بأن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله يقول بخلاف قوله لكن لم يذكر عمن نقل قوله الذي قرره، فان كان رأيه الشخصي فأرجو ان يعيد فيه النظر. ولا يخفى على الشيخ عثمان أن العلماء ولاة أمر فهل يقال انما الطاعة لعالم واحد فقط؟! واقول أيضا: انما فسر العلماء قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} بوجوب طاعة الأمراء والعلماء ولم يقولوا الأمير الذي يطاع واحد، وهو الذي يضرب الظهر دون غيره! فلا أدري لماذا الشيخ عثمان علق حكم الامارة بالأمير الذي يضرب الظهر؟ ومن المعلوم شرعاً وعرفاً ان العلماء لا يضربون الظهر فهل يقال ليسوا أولياء أمور؟! مع انه ليس في الحديث أصلاً الاذن لولي الأمر بضرب الظهر وأخذ المال وانما هذا كقوله تعالى: {وَانْ جَاهَدَاكَ عَلى ان تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ الى ثُمَّ الى مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)} [لقمان]، فليس المعنى ان لم يجاهداك على ان تشرك بالله فلا تصاحبهما في الدنيا معروفاً، وانما المقصود ان تصاحبهما في الدنيا معروفاً حتى لو بلغ الأمر أنهما يجاهداك بأن تشرك بالله جل وعلا، وهكذا المراد من حديث السمع والطاعة لولي الأمر فانه يسمع له ويطاع حتى لو كان ظالما يضرب الظهر ويأكل المال الخاص الشخصي.
ارجو من الله تعالى ان يشرح صدر أخي الشيخ عثمان ويعيد النظر فيما رآه ولتعلم ان كثيرا من المنحرفين قد فرح بتقريرك الذي ذهبت اليه مع اصرارهم على المظاهرات والاعتصامات والتشهير والوعيد ونشر الفضائح والسب والقذف فتنبه لهذا.
فائدة
قال الشيخ العلامة المحدث الفقيه المفتي الامام عبدالعزيز بن باز- رحمه الله تعالى-: (على المؤمن ان يعرف ما درج عليه السلف الصالح وأن يستقيم على ذلك، وأن يدعو لولاة الأمور بالتوفيق والهداية، وأن يناصحهم وأن يبين لهم الخير ويحذرهم من الشر، وأن يدعوهم الى كل ما فيه طاعة الله ورسوله، وأن يحذرهم من كل ما فيه معصية الله والرسول، وأن يكون عوناً لهم لولاة الأمور في الخير وعوناً لهم على ترك الشر، سواء كان السلطان نفسه أو كان مع أمير البلد وأمير القرية وشيخ القبيلة ونحو ذلك، فان السلطان يتنوع، فالسلطان الأعظم هو أمير المؤمنين ورئيس الدولة، ثم يجيء بعد ذلك الأمراء والرؤساء للمدن والقبائل وشيوخ القبائل، كل واحد له سلطان، فالمساعدة على الخير والمعاونة على طاعة الله ورسوله، والمساعدة على ترك ما نهى الله عنه ورسوله، سواء كانت ولايته كبيرة أو صغيرة، لما في هذا من اجتماع الكلمة والتعاون على البر والتقوى وتقليل الشر وتكثير الخير. ولو كان كافرا، يطاع في الخير ولا يطاع في الشر، لو بلي الناس بأمير كافر ولم يستطيعوا بالطرق الشرعية ان يعيّنوا غيره، أطاعوه في الخير لا في الشر). [انتهى النقل من كتاب (التعليقات البازية على شرح الطحاوية) للامام شيخ الاسلام ابن باز، (899/2)].
والله أسأل ان يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.