موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

لا تُنازع السلطانَ ولا تطْرق بابه

14 ربيع الأول 1428 |

الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأزواجه وصحبه، أما بعد:
 فإن مما أوجب الله تعالى على عباده المؤمنين طاعةَ ولاةِ أمرِهم وتأليفَ القلوبِ عليهم والنصحَ والدعاءَ لهم، وحرم اللهُ تعالى على المؤمنين الخروجَ عليهم ومنازعتهم الأمر والتحريض عليهم والتشهير بهم.

 وهذا كما هو معلوم ومقرر وعليه أدلته الكثيرة المعلومة، وسار عليه سلف الأمة، هو أيضاً ما كان عليه عامة الناس فضلاً عن علمائهم في دول منطقة الجزيرة العربية والخليجية. 

إلا أن بعد قيام بعض الدعوات البدعية والسياسية من هنا وهناك تأثر كثير من الشباب ببعض دعاة الأهواء والسياسة والحركات، فما إن تذهب فكرة نكرة منكرة إلا وظهرت أخرى، ولستُ بحاجة إلى تسميات ولا تحديد لشخصيات، بل أقول كلها على ضلال إلا واحدة، وهي من كانت على ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه. 

وإن كان ضلال هؤلاء متفاوتاً بحسب قربهم وبعدهم عن منهج الكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة. 

وأكثر هذه الدعوات -سواء كانت بدعية أو سياسية أو مذهبية- تسعى سعياً حثيثاً للسلطة ومنازعة الأمر أهله، جاهلين أو متجاهلين أو مغرورين أو مغرّراً بهم أن سعيهم هذا وراءه ما وراءه من الفساد والشتات وضياع الدين والدنيا والفشل والضعف والتشتت وإتاحة الفرصة ليتربص العدو بالبلاد والعباد. 
أخي القارئ الكريم؛ فبينما الأمر كذلك والشتات بازدياد؛ هدى اللهُ تعالى أهلَ السنة وثبت علماءهم فدعوا المسلمين إلى أمر الله تعالى ورسوله بطاعة ولاة الأمر وتأليف قلوب الناس عليهم وعدم منازعتهم والدعاء لهم، فردَّ الله تعالى بدعوة العلماء -وأعني بهم ورثة الأنبياء، وهم علماء الكتاب والسنة- كثيراً من الشباب إلى الجادة، ونبذوا تلك المناهج وراء ظهورهم، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

 نعم، قبل ما يقارب ثلاثين عاماً وفد إلى بلادنا من قاد الشباب إلى أفكار بدعية، وما كنا نسمع من هؤلاء كلمة طيبة تدعو إلى تأليف قلوب الشباب على ولاتهم وتعليمهم النصيحة للأئمة المسلمين وعامتهم، بل كانوا يهيجون الناس ويثيرونهم، وأين؟ على منابر مساجد الدولة! يسبون ويشتمون الولاة ويصفونهم بأقبح الألقاب؛ فهذا كافر وذاك طاغوت، فلان مرتد، وهلم جرا من هذه الأفكار المستوردة الدخيلة والغريبة عن مجتمع المسلمين. 

أما اليوم والحمد لله، فقد كشف الله الغمة وانتشرت السنة وخُذل أولئك وانتشر منهج الحق وعرف الناس العلماء العاملين وميزوهم عن دعاة الضلال والتهييج والتشهير دعاةِ الغيبة والفتنة.
 أخي القارئ -وفقني الله تعالى وإياك لكل خير- لم تنته الفتن ولن تنتهي؛ فلقد توجه كثير من الناس إلى الدنيا ومفاتنها، فالتسابق اليوم أصبح أكثر من السابق.

فقبل ثلاثين عاماً كان الشاب المتدين يظهر عليه سمات التمسك بالسنة شكلاً ومضموناً، أما اليوم فتنافسات وانتخابات وتطلعات حتى أصبحت الدعوة سُلماً لمن أراد الوصول إلى منصب أو كرسي أو مناقصة أو إدارة أو شهرة أو غير ذلك من المقاصد الدنيئة التي لا يجوز بحال من الأحوال أن يمتطي أحدٌ الدينَ والتدينَ والديانةَ والاستقامةَ من أجل الوصول إلى مآربه الدنيوية.
 والحق أخي القارئ الكريم أن الواجب على المسلم ألا ينازع السلطان، ولا يحرِّض الناس عليه ولا يشهّر به، ولا يطرق بابه إلا أن يكون ناصحاً، لا شحاذاً ولا طامعاً ولا متزلفاً كما هو حال كثير من الناس عموماً والدعاة خصوصاً.

وتدبر حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من بدا جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلطان افتتن». رواه الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما السلسلة الصحيحة [1272].
 
واعتبر؛ فإن السعيد من اتعظ بغيره، والشقي من اتعظ به غيرُه. 

واعلم أن السلطان غالباً ما يحتقر الإنسان الذي يتزلف إليه ويمدحه ويثني عليه بما ليس فيه، كما يفعل بعض الشعراء والأدباء.

فالواجب الاعتدال والاقتصاد، فلا خروج واضطرابات ولا نفاق ومجاملات، فكن ناصحاً صادقاً ترجو ما عند الله وحده وتخشى عذابه. 
وفق الله الجميع إلى ما يحبه ويُرضيه، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليماً كثيراً.

المقالات