موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

التعقيب الجميل على مقابلة الدكتور نبيل (٢)

1 صفر 1433 |

الحمد لله رب العالمين، و العاقبة للمتقين و لا عدوان إلا على الظالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فهذا المقال الثاني في التعقيب على مقابلة الدكتور نبيل العوضي - غفر الله له ولوالديه - التي لم يوفق فيها إلى الصواب فيما طرحه، فأقول و بالله أستعين وعليه أتوكل وإليه أنيب:

التعقيب الرابع

قال الدكتور نبيل عفا الله عنه:

«أعجب ما في الأمر يا شيخ من يدعي الديمقراطية ومن يدعو للحرية لاختيار الشعب لمن يحكمه هذا أكثر من يؤمن بهذا الآن يكفر فيها، إن كان من صالحهم ازداد إيمانهم، لكن لو كانت النتيجة ليست من صالحهم كفروا بالديمقراطية ولعنوها، ليش يا أخي؟ فقط إذا كانت من صالحك تشجعها وتؤمن بها وتدعو إليها؟!»

فلما رد عليه المحاور بقوله:

طيب نفس الفكرة الإسلاميين أيضاً بدأوا يمدحون الديمقراطية يوم فازوا!!

قال الدكتور نبيل:

«لا لا قبل ما يفوزون، دخلوا الديمقراطية وهم يعلمون سيفوزون ولا لن يفوزوا، دخلوا لأنه الخيار الوحيد بالنسبة لهم وهم أسلم من الخيار الأول بالنسبة لهم وأفضل طبعا، ما في مقارنة بينه وبين الديكتاتورية السابقة، لكن ما كانوا يعلمون بالنتائج الله وفق، الشعب اختار يا أخي الناس تميز الليبرالية أو العلمانية كانت لهم أجهزة إعلام وجرائد وصحف - ما أبي اسميها الآن - في مصر وغير مصر ستين سنة و قيادات الإسلاميين - حسب المصطلح - في السجون ممنوعين من أكثر اللقاءات يا أخي مع هذا الناس اختارهم أنتم إيش اللي مضايقكم؟!» انتهى كلامه هداه الله لرشده.

فأقول: يا دكتور نبيل لقد تعجبت ممن يدعي الديمقراطية فلما جاءت النتائج ليست لصالحه كفر بها ولعنها، وفي الحقيقة أن أشد من ذلك عجباً ممن كان يكفر بالديمقراطية ويعتبرها شركاً أكبر و عبادة لغير الله بل هي و عبادة الأصنام سواء فلما تفوقوا في الانتخابات واقتربوا إلى سدة الحكم أصبحوا بها مؤمنين ولها شاكرين، فهي الحرية وهي العدالة وهي الكرامة!!

نعم هذه هي الحقيقة التي حاول الدكتور نبيل إخفاءها على الرغم من أن المحاور ذكَّره بها، فقال له: (طيب نفس الفكرة، الإسلاميين بدأوا يمدحون الديمقراطية يوم فازوا»!! لكن للأسف بقصد أو بغير قصد لم يقر بالحقيقة، فلله الأمر من قبل ومن بعد، وإليك أخي القارئ البرهان على ذلك وسأكتفي بذكر مثالين اثنين لرجلين معتبرين عند الدكتور نبيل العوضي وفقه الله للحق والصواب.

المثال الأول

شيخه حامد بن عبد الله العلي فقد قال في فتوى له مثبتة في موقعه الرسمي بعنوان (الفروق بين جعل عمر رضي الله عنه الأمر شورى بعده وعملية الانتخابات) قال فيها:

«الديمقراطية بمفهومها الأصلي لها جانب فلسفي مناقض لعقيدة التوحيد من أساسها، ذلك أنها لا تقيم وزناً لشريعة الله، بل تجعل سلطة الأمة مطلقة لا تقيد حتى بالوحي الإلهي وهذا هو الكفر بعينه ولا فرق بين هذه الفكرة وعبادة الأصنام أصلاً، فاتخاذ المشرعين مع الله الذين لهم حق التشريع ولو خالفت أحكامهم حكم الله تعالى مثل عبادة الأصنام سواء لا فرق بينهما في دين الأنبياء والمرسلين أجمعين» انتهى كلامه.

هذا كلام شيخه حامد العلي الذي كان يقوله وما زال في موقعه، واليوم أصبح من أكثر الناس تأييدا للثورات وأشدهم فرحاً بالانتخابات حتى أنشد بيتين من الشعر فرحاً بتقدم الإخوان المسلمين في انتخابات مصر فقال:

تقدم الإخوان في انتخابات مصر:

يا طيف شعري بشِّر البنا *** في قبرِه بضيائه الأسنى

إن أطلق الإخوانُ دولتهم *** للخيرِ تهدي الإنسَ والجنا

يا دكتور نبيل أسألك بالذي رفع السماء وبسط الأرض ونصب الجبال أليس هذا تناقضاً؟!

إن قليلاً من التقوى مع شيء من التجرد من الهوى يكفي المنصف أن يدرك هذا التناقض الصارخ.

المثال الثاني

شيخه الأكبر عبد الرحمن عبد الخالق غفر الله له ولوالديه وأحسن الله له النية والذرية وختم له بخاتمة خير إذ قال كلاماً مشهوراً ومعلوماً وهو الذي تابع سيد قطب في إبراز ما سماه بتوحيد الحاكمية وهو الذي أطلق أشد العبارات التي لا يفهم منها إلا التكفير المطلق لمن حكم بغير ما أنزل الله ولا يمكن صرف كلامه عن ظاهره إلا بتأويل متعسفٍ. فقد قال في رسالته الموسومة بـ «الأصول العلمية للدعوة السلفية» ما نصه:

«واعتداء سلاطين الأرض وملوكها ورؤسائها على شرعة الله، بتحليل ما حرم وتحريم ما أحل عدوان على التوحيد وشرك بالله، ومنازعة له في حقه وسلطانه جل وعلا، وأكثر سلاطين الأرض اليوم وزعماؤها قد تجرأوا على هذا الحق، وتجرأوا على الخالق الملك سبحانه وتعالى فأحلوا ما حرم وحرموا ما أحل، وشرعوا للناس بغير شرعه، زاعمين تارة أن تشريعه لا يوافق العصر والزمن وتارة أنه لا يحقق العدل والمساواة والحرية وأخرى بأنه لا يحقق العزة والسيادة، والشهادة لهؤلاء الظالمين بالإيمان عدوان على الإيمان بالله سبحانه وتعالى، ونأسف إن قلنا: إن سواداً كبيراً من الناس قد أطاعوا كبراءهم فيما شرعوا لهم من شرع مخالفة لشرعه سبحانه وتعالى وكثير من هذا السواد يصلي ويصوم - مع ذلك - بزعم أنه من المسلمين» انتهى كلامه.

و تأمل يا دكتور نبيل و يا أخي القارئ الكريم ما قاله الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق هذه الأيام في رده على الشيخ حاي الحاي حفظه الله تعالى في جريدة الوطن بتاريخ 9 ذي الحجة 1432هـ الموافق 5/ 11/ 2011، بالحرف الواحد إن صح النقل عنه، قال:

«إن الشيخ الحاي يعلم أنني ومنذ ست وأربعين عاماً عشتها في الكويت كنت أقرر فيها وأدعو أن النظام السياسي والاجتماعي في الكويت من أفضل أنظمة الحكم المعاصرة بل لعله أفضلها من حيث الاستناد إلى دستور واضح المعالم يفصل بين السلطات الثلاث - التشريعية والتنفيذية والقضائية - ويوزع الحقوق والواجبات بين أسرة الحكم والشعب»

انتهى كلامه بالحرف الواحد، ولقد أسندته إلى الجريدة ومن أسند فقد بَرِئ ولم نسمع للشيخ عبد الرحمن عبد الخالق عامله الله بعفوه أي تعقيب على تناقضاته الكبيرة.

والآن يا دكتور نبيل أسألك بالله أن تستعيذ به ثلاثا ثم تنطق بالحق أليس هذا تناقضاً؟ بل انظر إلى تناقض شيخك الأكبر عبد الرحمن عبد الخالق رده الله إلى الحق رداً جميلاً ماذا قال عن عامة المسلمين في كتابه (أضواء على أوضاعنا السياسية) ص 76 ما نصه بالحرف الواحد:

(إن تطبيق حكم المرتد سابق لأوانه جداً، فالمجتمع بكل طوائفه يعيش في ردة حقيقية إلا من عصم الله وهؤلاء المعصومون قلة ولا نكابر) انتهى كلامه.

أقول: يا دكتور نبيل أسأل شيخك الأكبر عبد الرحمن عبد الخالق غفر الله له إذا كان هؤلاء المعصومون من الردة الحقيقية قلة فكيف فاز الإخوان المسلمون بالأغلبية في مصر وتونس؟ الله أكبر كبرت كلمة تفوَّه بها شيخك هداه الله، هل غاب عنه ما رواه ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما» [مسند الإمام أحمد- 5748]، هذا لو قال لواحد فكيف إذا حكم على أغلب المسلمين بأنهم يعيشون ردة حقيقية؟!

التعقيب الخامس

قول الدكتور نبيل:

«دخلوا في الديمقراطية... دخلوا لأنه الخيار الوحيد بالنسبة لهم»

أقول: هذا كلام باطل ظاهر البطلان! إذا جعل الدكتور نبيل الديمقراطية الخيار الوحيد ولست أدري كيف غفل عن طريق الإسلام المستقيم الذي شرَّعه الله لعباده فأكمله لهم وأتم به النعمة ورضيه لهم ديناً، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3]، وقال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: 153]، ولا شك ولا ريب أن الديمقراطية هي من السبل التي على رأسها شيطان يدعو إليها ومع ذلك جعلها الدكتور الخيار الوحيد!!

هل تعلم أخي القارئ لماذا قال ذلك الدكتور نبيل؟

الجواب: لأنهم - و الله أعلم - جعلوا بلوغ سدة الحكم غاية يسعون إليها بأي وسيلة حتى لو ركبوا وسيلةً يرونها كفراً أكبر، والله المستعان.

وما أجمل ما روي عن الشيخ العلامة ناصر الدين الألباني - رحمه الله تعالى - أنه قال:

«طريق الله طويل ونحن نمضي فيه كالسلحفاة، وليس الغاية أن نصل لنهاية الطريق، ولكن الغاية أن نموت على الطريق».

التعقيب السادس

اعتبر الدكتور نبيل هداه الله إلى صراطه المستقيم أن طريق الديمقراطية أسلم وأفضل من الدكتاتورية بينما يرى شيخه حامد العلي خلاف ذلك وإليك نص كلامه وأنت الحكم. قال في مقال بعنوان (كشف المستور في حكم الدستور):

«ثم إنها - أي الديمقراطية - لما انتشرت هذه الفكرة آلت إلى أنها تحصر الوصول إلى السلطة لمن يملك القدرة على شراء أصوات الناخبين سواء بالمال الذي يمكنه به أن يموِّل حملته الانتخابية أو يشتري أصواتهم بطريق مباشر أو غير مباشر عن طريق خدمات يقدمها إليهم أو بانتسابه إلى حزب أو عصبة يمكنها أن تحصد له الأصوات بطريقة ما. فكأن الأمر انتقل من ديكتاتورية الملك إلى دكتاتورية الطبقة الغنية القادرة على الاستفادة من اللعبة الديمقراطية....»

إلى أن قال:

«فيعود الأمر كله إلى ديكتاتورية مبطنة كما هو الحال في أمريكا تماماً كما نراه هذه الأيام....»

إلى أن قال:

«هذه هي الخدعة الديمقراطية التي يغتر بها الجهال وهم لا يشعرون» انتهى كلامه.

أقول: أخي القارئ الكريم هل اختلف الدكتور نبيل مع شيخه حامد العلي؟ أو غيَّر كل منهما مذهبه وعقيدته فكان لهما رأي في الديمقراطية قبل الثورات مختلف تماماً عن رأيهما بعد الثورات؟ الله أعلم ما في قلوبهما.

أخي القارئ الكريم أحمد الله وأشكره أن سلمك من هذه المناهج المتناقضة وأسأل الله تعالى الثبات على الحق، وتابعني في المقالات القادمة إن شاء الله تعالى مع التعقيب الجميل على مقابلة الدكتور نبيل.

شكر و تقدير

جزى الله الشيخ حاي الحاي خيراً الذي ذبَّ عن عرضي مما رماني به بعض الناس من أني أعتقد عقيدة الإرجاء - و العياذ بالله -، ولا أجد ما أجازيه به إلا أن أقول: غفر الله له ولوالديه وأصلح الله له النية والذرية ورزقه حسن الخاتمة.

وأسأل الله تعالى أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها و ما بطن، والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المقالات