التعقيب الجميل على مقابلة الدكتور نبيل (٤)
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذا المقال الرابع في التعقيب على مقابلة أجريت قبل أسابيع مع الأخ الدكتور نبيل العوضي غفر الله له ولوالديه وأصلح له النية و الذرية، وقد غلط في مسائل كثيرة، فتعقبته بهذه التعقيبات نصرة للحق و نصيحة للخلق، فأقول و بالله أستعين و عليه أتوكل و إليه أنيب:
التعقيب التاسع
لما قال المحاور للدكتور نبيل وفقه الله:
”اللعبة الديمقراطية قائمة على التصويت وعلى الأغلبية كيف يصوت على حكم من أحكام الله في داخل البرلمان، هل تقبلون بهذا الشيء؟“
فأجاب الدكتور:
”قلت لك الديمقراطية ليست إسلام، الديمقراطية إذا تريد أن تقننها نعم تصل للإسلام، تمنع منها ما أقر بالشريعة بأحكام قطعية لا يجوز لنا أن نصوت فيها وهذه قليلة بعض الأحكام (إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن) المحرمات الموجودة..... هذه المحرمات ما نتناقش فيها الزنا حلال ولا حرام في الديمقراطية يمكن يصوت عليه لكن نحن بالنسبة لنا أصلا غير جائز نصوت على هذا الأمر لكن لو لم يكن لك بديل إلا هذا الأمر فإنك تلجأ للديمقراطية لمنعه لأن هذا الخيار هو الصحيح“
أقول: انظر أخي القارئ الكريم هذا التناقض العجيب فالدكتور نبيل هداه الله رجع مرة أخرى يقول الديمقراطية ليست الإسلام انظر ولم يقل الديمقراطية (كفر كما كانوا يقولون) حتى لا يحرج نفسه إذ لو قال (الديمقراطية كفر وإذا أردت أن تقنن الكفر نعم تصل للإسلام) فلن يكون ذلك مقبولاً منه وسيفتضح أمره حينئذ فعدل عن هذا فقال: ”الديمقراطية ليست الإسلام وإذا تريد أن تقننها نعم تصل للإسلام.“
أخي القارئ سبق أن نقلت لك في المقالات السابقة أن حامد بن عبد الله العلي شيخ الدكتور نبيل ذكر أن الديمقراطية هي و عبادة الأصنام سواء وهي الدكتاتورية بصورة أخرى، والآن أنقل لك كلاماً لشيخه الأكبر الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق أحسن الله خاتمته مما سطرت يداه كما في كتابه «حوار في المنهج مع فضيلة شيخنا وأستاذنا ناصر الدين الألباني» صفحة 80 من المجلد السادس من سلسلة كتب ورسائل له حيث قال بالحرف الواحد:
”أقر أن النظام الديمقراطي الذي يجعل الحكم للشعب ويجعله مصدر السلطات جميعاً نظام «كافر» يناقض الإسلام في أخص خصوصياته وفي أس أساسه وهو السيادة، فلا حكم إلا لله في الصغير والكبير وكل حكم يعارض حكمه فهو باطل وكل من حكم غير متقيد بأمر الله وشرعه فهو «طاغوت» وكل من رضي بحكم غير حكم الله وهو يعلم مناقضته لحكم الله «فكافر» ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق والأخذ ببعض الدين و ترك بعضه اختياراً «كفر» هذه بحمد الله العقيدة التي أسأل الله أن أحيا وأموت عليها والتي لا أشك أنها الحق وأدلة ذلك معلومة بالكتاب والسنة علماً ضرورياً فمن جحده فقد «كفر».“
وبعد هذا النقل أخي القارئ لعل التناقض ظهر لك جلياً عند أصحاب هذا المنهج لكن بالتلاعب بالعبارة قد يخفى أمرهم على السامع والقارئ، وإنما يفعلون ذلك حتى يروجوا منهجهم كما يشاؤون بينما لو قال الدكتور نبيل مثلاً الديمقراطية «كفر» والذي يحكم بها «كافر» ونحن نريد أن نقنن «الكفر» لنصل به إلى الإسلام لأن هذا «الكفر» هو الخيار الوحيد المتاح لنا لنصل به إلى الحكم ثم نطبق الإسلام، أقول لو قالوا ذلك لما تُقبل منهم و لما حصدوا في الانتخابات أصواتاً كثيرة تؤهلهم لغايتهم و هي الوصول إلى سدة الحكم!!
ومن أعجب العجب في منهج هؤلاء هداهم الله تعالى أنهم يكفرون الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله كالذي يحكم بالديمقراطية وغيرها والذي يعطل حدود الله الشرعية فإذا وصلوا إلى الحكم طبقوا الديمقراطية وعطلوا الحدود الشرعية وأخروا منع الخمر والزنى، بل لا ينكرون الشرك والبدع بحجة أن هذا ليس وقته أو سيأتي وقته فيما بعد، ولا بد من التدريج أو التدرج في التطبيق،أو لأنهم مضطرون إلى تطبيق الديمقراطية إرضاء للدول الغربية والأحزاب الأخرى الذين قد يثيرون عليهم الشعب وغير ذلك من الحجج العليلة والتعليلات الباطلة التي لو احتج بها أحد غيرهم لما قبلوا منه ذلك، والله المستعان وأيضاً يعود الدكتور نبيل العوضي للمرة الثالثة في مقابلته فيقول:
”.... الديمقراطية اللي ليست كما قلت الإسلام لكن كل محاسن الديمقراطية يقرها الإسلام“
أقول: سبق التعقيب على قوله ”محاسن الديمقراطية يقرها الإسلام“ و بينت أن ما في الديمقراطية من محاسن - إن وجدت - فهي من الإسلام لأنه هو الأصل و هو دين الله تعالى الذي أكمله و رضيه لنا ديناً، فإن كان في الديمقراطية محاسن لم يأت بها الإسلام فليبينها لنا الدكتور نبيل و نحن له شاكرون.
ومن التناقض بين الشيخ وتلميذه هذا الاضطراب الذي أتركه للقارئ والمستمع ليحكم بنفسه. فالشيخ عبد الرحمن عبد الخالق يقول عن الديمقراطية:
”وقد ذكر بعض الأخوة مفاسد الديمقراطية فبلغت خمسين مفسدة، ونحن نستطيع أن نضيف عليها خمسين أخرى بل مائة أخرى“ انتهى كلامه من رسالة مشروعية الدخول إلى المجالس التشريعية ص 91.
وتلميذه الدكتور نبيل العوضي يقول عن الديمقراطية:
”فيها محاسن كثيرة نعم الديمقراطية و كل محاسن الديمقراطية الإسلام يقرها.“
أقول: افتونا مأجورين الديمقراطية فيها مائة وخمسون مفسدة على قول الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق ومنها مفسدة الكفر وتلميذه الدكتور نبيل يقول الديمقراطية فيها محاسن كثيرة، فهل المحاسن الكثيرة أكبر من المائة وخمسين مفسدة؟! نسأل الله العافية.
أخي القارئ لا يشكل عليك إنكاري على منهج هؤلاء ما قد يورده بعضهم فيقول: «ما أنكرته علينا هو عين ما ثبت عن شيخك محمد بن الصالح العثيمين فقد اشتهر عنه وجوب تحكيم الكتاب والسنة وتحريم التحاكم إلى ما سوى الكتاب والسنة من الديمقراطية وغيرها ومع ذلك اشتهر كلامه بوجوب المشاركة في الانتخابات ودخول المجالس النيابية فما الفرق بين هذا وهذا؟
فأقول: الفرق كبير لمن تأمله فهؤلاء دعوا إلى المظاهرات و الثورات و إسقاط الحكومات ليقيموا الديمقراطية مكان الدكتاتورية كما زعموا وكما بينت آنفاً قالوا الديمقراطية كفر وهي ليست الإسلام وهي والديكتاتورية سواء، بل هي وعبادة الأصنام سواء وزعموا أنهم من خلالها يصلون إلى تطبيق الشريعة.
بينما حاشا لله أن يقول شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله مثل هذه التناقضات، لأنه أولاً: يحرم المظاهرات والثورات لما فيها من مفاسد كبيرة وكثيرة، وثانياً: أفتى للضرورة إن كان في بلد يحكم بالديمقراطية أن يدخل في مجالسها الصالحون و المصلحون ليخففوا الفساد والظلم ولم يدعهم إلى المطالبة بالديمقراطية فأين هذا الذي ذهب إليه شيخنا من ذلك المنهج المنحرف الأعوج الذي يسلكه هؤلاء الحركيون؟!
التعقيب العاشر
قال الدكتور نبيل وفقه الله لهداه:
”نحاسب الحاكم إلى أصغر واحد هذه الديمقراطية. عمر لما كان يتكلم يقول: رحم الله امرءاً أهدى إليّ عيوبي... كانوا يناقشون عمر ويحاسبون أبا بكر رضي الله عنه مع إنهم أصلح الناس في زمانهم إذا تتكلم عن محاسن الديمقراطية بهذه الجزئية نعم الإسلام يقرها“
أقول: للأسف الدكتور نبيل أصلحه الله بعد ما قرر أن الديمقراطية فيها محاسن كثيرة انتظرناه يذكر لنا شيئاً من هذه المحاسن وإلا به يذكر لنا شيئاً من مفاسد ومساوئ الديمقراطية ظاناً أنها من المحاسن التي أقرها الإسلام!! فقال:
”نحاسب الحاكم إلى أصغر واحد“
وأنا أسألك بالله الذي لا إله إلا هو أين لك من الكتاب والسنة أنه من حق الرعية أن يحاسبوا الحاكم؟! لو أنصفت يا دكتور لأدركت أن هذا ليس من الإسلام في شيء بل هذا مما دخل علينا من ملل الشرق والغرب وليس من الكتاب والسنة، و لذا لما حاولت أن تستدل على مشروعية محاسبة الحاكم قلت:
”عمر كان يقول رحم الله امرءاً أهدى إليّ عيوبي“
سبحان الله هل هذا دليل على محاسبة الحاكم؟! ما هذا إلا أثرٌ الله أعلم بصحته عن عمر رضي الله عنه يذكره بعض الكتّاب من غير سندٍ ولا عزوٍ إلى كتاب معتمد!! فكيف يصح أن يكون هو المعتمد؟! ثم على فرض صحته فليس فيه محاسبة للحاكم وإنما غاية ما فيه أن عمر رضي الله عنه طلب النصيحة فحسب. والنصيحة مشروعة للحاكم والمحكوم كما روى مسلم في صحيحه حديث (107) عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ”الدين النصيحة“ قلنا: لمن؟ قال: ”لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم“.
ثم لم يكتف الدكتور نبيل غفر الله له إسرافه على نفسه بما نسبه إلى عمر رضي الله عنه بل قال:
”كانوا يناقشون عمر و يحاسبون أبا بكر رضي الله عنه“
فمن أين لك يا دكتور هذا؟ من أين نقلته؟ و على ماذا الصحابة و التابعون حاسبوا أبا بكر رضي الله عنه؟ ومتى حصل هذا؟ وإني في هذه المناسبة أدعوك إلى أن تتوب إلى الله عز وجل توبة نصوحاً على جرأتك في نسبة هذا القول إلى الصحابة رضي الله عنهم، ولتعلم جيداً أنك نسبت إلى دين الله ما ليس منه وأقول أيضا: يا دكتور نبيل الله يسعدك في الدنيا والآخرة، وهل المحاسبة تكون بما نشاهده اليوم من الاستجوابات وإشهار الفضائح ونشر العيوب والذنوب؟ ثم هل يعقل أن الحاكم يحاسبه جميع أفراد الشعب على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم وأهوائهم وأفكارهم؟! إن هذا لشيء عجاب.
حتماً لا تحتاج يا دكتور أكثر من قليل من التقوى والإنصاف لتدرك هذا الانحراف المنهجي الذي أنت ومن معك قد وقعتم فيه ونسبتموه إلى الإسلام والإسلام بريء منه براءة تامة.
والخلاصة أن محاسبة الحاكم بالطريقة الديمقراطية لا يقرها الإسلام بل هي مخالفة صريحة لنصوص كثيرة من الكتاب والسنة.
التعقيب الحادي عشر
قال الدكتور نبيل أصلح الله له النية والذرية:
”المناقشات اليوم في البرلمانات العربية في الدول العربية غالباً ما تناقش الأمور القطعية. غالباً 99% في الكويت وغيرها تناقش الأمور الاجتهادية اللي يسمح فيها الإسلام بالنقاش أصلا“
أقول: ما شاء الله إذا كان هذا حال الديمقراطية في الدول العربية لا تناقش الأمور القطعية وغالباً 99% تناقش الأمور الاجتهادية فكيف اعتبرتموها كفراً وليست الإسلام وهي وعبادة الأصنام سواء؟ سبحان الله لما رأى الدكتور نبيل ومن على منهجه هداهم الله أن الذين وصلوا إلى سدة الحكم من حزبهم بدأوا يغيرون في وصف الديمقراطية من كونها كفراً والحاكم بها طاغوت إلى أنها 99% تناقش مسائل لا تخالف الإسلام.
التعقيب الثاني عشر
قال الدكتور نبيل أصلحه الله تعالى:
”في نماذج الآن شبه ناجحة في تركياً مثلاً، أنا ما أقولك الإسلام الحقيقي لكن شوف كيف نقل بلد علماني يحارب حتى الحجاب بلد - الحمد لله - حلقات القرآن في كل مكان والحجاب انتشر في كل مكان والحمد لله المراكز الإسلامية عامة، نقل البلاد من خلال الديمقراطية اللي ليست الإسلام كما قلت، لكن كل محاسن الديمقراطية يقرها الإسلام“
أقول: غفر الله لك يا دكتور نبيل تقول نماذج شبه ناجحة في تركيا ثم تقول: ”ما أقول الإسلام الحقيقي“، إذن أي إسلام تقصد؟ لأن كل مسلم يعلم أن الله تعالى أنزل و شرع لعباده إسلاماً واحداً وعند إطلاق كلمة ”الإسلام“ فالمراد به دين الله تعالى الذي أنزله على عبده و رسوله محمد صلى الله عليه وسلم المذكور في قوله تعالى ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3]، فلا نعلم أن هناك في الخارج - أي خارج الذهن - إسلام حقيقي وإسلام غير حقيقي وإن شئت قلت (مزيف - أو مجازي)!!
أما إذا كان قصدك الحجاب وحلقات القرآن فهذا ليس في تركيا فحسب بل حتى في أمريكاً وأوروبا والصين يسمح بالحجاب والمساجد والمراكز الإسلامية وحلقات القرآن ، ولأني زرت سوريا عشرات المرات التي نظامها بعثي قمعي وحكامها علويون باطنيون فلقد شاهدت فيها الحجاب والمساجد وحلقات القرآن أضعافا مضاعفة عما في تركيا.
لكن هل تعلم أخي القارئ الكريم لماذا كل هذا الثناء على تركيا مع أن نظامها علماني؟! سأقول لك في المقال القادم إن شاء الله تعالى فتابعني لتعرف الحقيقة و الحمد لله أولا و آخرا و ظاهراً و باطناً و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين.