موقع الشيخ
حفظه الله
سالم بن سعد الطويل

التعقيب الجميل على مقابلة الدكتور نبيل (٦)

7 ربيع الأول 1433 |

الحمد لله وحده والصلاة على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فهذا المقال السادس ولن يكون الأخير إن شاء الله تعالى في التعقيب على مقابلة أجريت قبل أسابيع مع الدكتور نبيل العوضي غفر الله له ولوالديه فقد غلط في مسائل كثيرة فتعقبته بهذه التعقيبات نصرة للحق ونصيحة للخلق، فأقول وبالله أستعين وعليه أتوكل وإليه أنيب:

التعقيب الرابع عشر

قال الدكتور نبيل وفقه الله للخير:

”الشعوب لو تُرِك لها الحرية الاختيار طبيعي لن يختاروا إلا الأصلح في دينه وأمانته... نحن اليوم في عالم التويتر، أترك الانتخابات قبل أيام: العشر الأوائل في عالم التويتر منهم: حاكم وخمسة ستة مشايخ، دين... إلى أن قال: احترِموا رغبة الشعوب.... إلخ“ انتهى كلامه.

فأقول: هذا الذي قرره الدكتور نبيل باطل لمخالفته للكتاب والسنة فلقد قال تعالى: ﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)﴾ [الأنعام]، وقال تعالى: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71)﴾ [المؤمنون]، وقال تعالى: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13)﴾ [سبأ]، وقال تعالى: ﴿وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)﴾ [الأعراف]، وقال تعالى: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6)﴾ [الروم]، وقال تعالى: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61)﴾ [غافر]، وقال تعالى: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (59)﴾ [غافر]، والآيات في ذم الكثرة كثيرة ومعلومة فمنذ متى أصبحت الكثرة هي العبرة يا دكتور نبيل؟!

يا دكتور نبيل هل تعلم أن نبي الله ورسوله وخليله إبراهيم عليه السلام لم يتبعه أحد من قومه سوى لوط عليه السلام كما ذكر الله تعالى في قوله تعالى: ﴿فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26)﴾ [العنكبوت]، ودخل مصر عليه السلام وليس عليها مسلم سواه وزوجته، وهل تعلم يا دكتور نبيل أن من الأنبياء من يأتي يوم القيامة ولم يتبعه أحد، كما روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ”عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلُ وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلَانِ وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ فَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ أُمَّتِي فَقِيلَ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ ثُمَّ قِيلَ لِي انْظُرْ فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ فَقِيلَ لِي انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ فَقِيلَ هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ وَمَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ“ [البخاري: 5420]‏.

أكيد إنك تعرف هذا الحديث لكن لعلك نسيت أو غفلت عنه لذا قلت في مقابلتك ”الشعوب لو ترك لها حرية الاختيار لن يختاروا إلا الأصلح في دينه وأمانته“!! ثم يا دكتور نبيل الله يرضى عليك هل يعقل أنك ما تشاهد الواقع؟! و هل من المعقول قد خفي عليك حال الشعوب؟! إذ منهم المسلم و الكافر و السني و البدعي و البر و الفاجر و التقي و الفاسق و غير ذلك. ألا ترى أن كثيراً ممن يصل إلى الرئاسة والمجالس من ليس صالحاً في دينه وخلقه وأمانته؟ فلماذا هذه المكابرة؟ ثم يا دكتور لا تفرح كثيراً بكثرة المتابعين لك في التويتر والمشاهدين لبرامجك التلفزيونية وغيرها فإن الرجل إذا زاد رضا الناس عنه فقد يكون ذلك دليلاً على مداهنته ومجاملته للناس على حساب دينه، كما قرر ذلك غير واحد من أهل العلم فتنبه لذلك.

التعقيب الخامس عشر

قال الدكتور نبيل العوضي هداه الله للصواب:

”لما رسب في الانتخابات وطبيعي هذا، انتخابات في النهاية ما ينقص من قدره شيء إن شاء الله... وقف (أي مرشح حزب النور) مع مرشح الإخوان الفائز يداً بيد وفي كل مدينة ينجح إخوان أو ينجح سلفيين (الصواب: سلفيون) الكل يحتفل وهذا يدل على وعي الشعب المصري، الشعب المصري مرَّ في مراحل كثيرة وعلماء مصر قد احنا (نحن) في الخليج يا شيخ ما نسمع فيهم، علماء مصر يا شيخ فيهم فطاحل وفيهم ناس علماء يعني الواحد يستحي أن يتكلم في حضورهم وفي مجالسهم وربوا جيل (جيلاً) الحمد لله، وأنا أرجو الله عز وجل ومتفائل جداً إنه في مصر يكون هناك تنسيق بين بالذات الإخوان والسلفيين في إدارة البلد وليس فقط الأخوان والسلفيين يا شيخ، شويه (أي قليلاً) اروح أبعد من هذا حتى الأحزاب اللي (التي) وصلت بأعداد قليلة يبقون في النهاية مصريين ولهم أيضاً بعض الأهداف الحسنة ولهم برامج جيدة“ انتهى كلامه.

أقول: لا شك أن الدكتور نبيل حفظه الله أراد بالسلفيين من كان على سلفية الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق والتي يليق بها أن تسمى (السلفية الإخوانية) لذا تجد بينهم هذا التعاون والتنسيق و التوافق المذكور، بل لا مانع لديهم من التعاون مع جميع الملل والنحل والمذاهب والأحزاب كما قال الدكتور نبيل بالحرف الواحد: ”حتى الأحزاب التي وصلت بأعداد قليلة يبقون في النهاية مصريين ولهم أيضاً بعض الأهداف الحسنة ولهم برامج جيدة“ انتهى، ولا شك أنه يقصد بالأعداد القليلة العلمانيين والليبراليين وهذا ليس غريباً على منهج الإخوان الذي يقبل كل نحلة و مذهب إلا السلفيين!!

ولا شك أن السبب ظاهر. و ذلك لأن السلفيين ينكرون على كل مبطل و ضال ومبتدع فكل أحد عندهم يؤخذ منه و يرد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مَنْ هؤلاء ”العلماء الفطاحل“ يا دكتور نبيل الذين تستحيي أن تتكلم في مجالسهم؟ اذكرهم لنا ثم كيف لم نسمع بهم في الخليج بينما أنت سمعت بهم؟! فإن كنت قد سمعت بهم دون أهل الخليج فلماذا لا تذكرهم لنا؟ ولماذا لا تستضيفهم في الكويت ليستفيد منهم أهل الخليج؟ فهم أولى من عمرو خالد الذي استضفته أكثر من مرة صاحب عبارة ”إبليس مكفرش“ و النبي صلى الله عليه وسلم ”يهزر مع الستات“ والذي زعم أنه رأى الله تعالى في ساحة التحرير!! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، اتق الله يا دكتور نبيل و الله إن الرجوع إلى الحق خير لك من التمادي في الباطل.

التعقيب السادس عشر

قال الدكتور نبيل وفقه الله إلى التوبة النصوح:

”ميزة السلفيين أنهم لا يجمعهم تنظيم، لا يجمعهم حزب لا تجمعهم جمعية فلسفة الدعوة هكذا، التحرر بل كان أصلاً من بدايتها هو التحرر من المذاهب الفقهية لا تلتزم بمذهب، لا تقول أنا حنبلي أنا شافعي لا ، تحرر خذ من حيث أخذوا كل يؤخذ من قوله ويرد، ارجع للمصادر الأولى الكتاب والسنة والإجماع على فهم السلف ولهذا تجد ما في حتى شيخ يستطيع أن يجمعهم كلهم ولا مدرسة وغيرها وهذا لعله فيه إيجابيات وفيه أيضاً أحياناً سلبيات“ انتهى كلامه.

أقول: الله أكبر لقد أتعبتني يا دكتور نبيل بسبب أخطائك الكثيرة وتخبطاتك بل و تناقضاتك العديدة التي أظهرتها لنا في مقابلة واحدة لا تتجاوز ساعة زمان فكيف لو تتبعنا حلقاتك ومقالاتك بشكل دقيق أظن ستبلغ حمل بعير.

فيا دكتور نبيل - أصلحك الله - تقول: ”ميزة السلفيين أنهم لا يجمعهم تنظيم ولا يجمعهم حزب“، إذن لماذا شيخك عبد الرحمن عبد الخالق غفر الله له، دعا أتباعه في مصر إلى إنشاء حزب؟! كما قال ذلك في جريدة الوطن بتاريخ 12/1/ 2012 في جوابه على سؤال المحاور لما سأله: ماذا قلت للسلفيين في مصر كي يتغيروا كل هذا التغيير؟

فأجاب عبد الرحمن عبد الخالق غفر الله له ولوالديه:

”ألححت على الإخوة في مصر بأن الباب قد فتح لهم، ولا بد أن يدخلوا في هذا المجال الذي أصبح مهيئاً لانتخابات نظيفة. والحمد لله بادروا وكانت هذه النتائج الطيبة وقد تواصلت معهم فكرياً وسياسياً فقرؤوا ما كتبته وقد ناشدتهم بالله أن يشاركوا في الانتخابات وأن يبادروا إلى تكوين أحزاب إسلامية سياسية. وقد فعلوا سواء أكان حزب النور أم بقية الأحزاب السلفية وما زلت أتواصل معهم“ انتهى كلامه.

فهل هؤلاء ليسوا سلفيين لأن السلفيين على حد تعبيرك ميزتهم لا يجمعهم حزب؟ أم أنهم خرجوا من السلفية إلى الإخوانية فابتدعوا حزباً سياسياً من أجل الانتخابات وتحقيق مصالح دنيوية عن طريق الديمقراطية التي كنتم تسمونها كفراً ثم قلتم (ليست الإسلام) ثم اعتبرتم ما أنجزتم عن طريق الديمقراطية نصراً وفتحاً حتى الاحتفال بذكرى الثورة شبهه شيخك الأكبر عبد الرحمن عبد الخالق بيوم بدر، وأن الاحتفال بذكرى الثورة من أيام الله وأنه ”مشروع“!!

لا إله إلا الله، أين السلفية التي قرر نبيل العوضي بأنها الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة؟! فهل في الكتاب والسنة إنشاء أحزاب؟ وهل كان سلف الأمة متحزبين؟ وكيف صار الاحتفال بذكرى الثورة والفرح بالديمقراطية ”مشروعاً“؟ لا إله إلا الله، لله در القائل:

يقضي على المرء في أيام محنته

حتى يرى حسناً ما ليسَ بالحسن

يا دكتور نبيل والذي نفسي بيده لا أعلم لك جواباً بين يدي الله تعالى إذا سألك يوم القيامة فقال: عبدي، علمت فماذا عملت؟

علمت قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)﴾ [آل عمران]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159)﴾ [الأنعام]، وهذا من أشد الوعيد، فالذين تحزبوا وتفرقوا ليسوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الله تعالى في وصف اليهود: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾ [الحشر: 14]، فكيف نسوغ لأنفسنا أن نكون كاليهود نجتمع بأبداننا مع اختلاف قلوبنا وعقائدنا ومناهجنا؟!

ومن أجمل ما قرأته للشيخ العلامة صالح بن فوزان آل فوزان في شرح مسائل الجاهلية عند المسألة الثانية التي ذكرها شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى - وهي (تفرق أهل الجاهلية في عباداتهم ودينهم)، قال:

”هذه حالة أهل الجاهلية من كتابيين وأميين، لا يجمعهم دين، وعندهم حزبيات، قال تعالى: ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾، وهذا من تمام العقوبة والابتلاء، كون الإنسان يفرح بما هو عليه من الباطل، كان الواجب العكس، وأن الإنسان يخاف من الضلال، ويخاف من الانحراف، ويخاف من الهلاك، لكن هؤلاء بالعكس ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾، دون النظر إلى كون ما هو عليه حقاً أو باطلاً، المهم أنها نِحْلَةُ آبائهم وأجدادهم وقومهم وعشيرتهم، ولا يهمهم هل هو حق أو باطل، وهذا من الابتلاء والامتحان، إذا فرح الإنسان بالباطل، فهذه عقوبة، لأنه إذا فرح بالباطل فلن يتحول عنه“ انتهى كلامه.

أقسم بالله العظيم لما قرأت هذا الكلام تذكرت أولئك الذين كوّنواً أحزاباً وفرحوا بها وبوصولهم إلى نتائج الانتخابات في تونس ومصر وغيرهما، فلا إله إلا الله كم هي فتنة قد فُتنوا بها وفَتنوا غيرهم.

يا دكتور نبيل إياك أن تجعل كتاب الله وآياته الواضحة التي ينهى بها عن التحزب وراءك ظهرياً، ولا تغتر بالمفتونين الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً وفرحوا بما عندهم، إني أعظك بقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)﴾ [الحشر]، فلا أملك أن أعظك بأعظم من كتاب الله تعالى، والله يقول: ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45)﴾ [ق].

يا دكتور نبيل هذه آيات من القرآن وليست أبيات شعر وتدبر كثرة أخطائك والله أتعجب كثيرا من زلاتك المتكررة وتناقضاتك التي لا تخفى على صغار طلبة العلم، أعد النظر بكلامك فأنت تذكر منهج السلف والسلفية وميزتها ثم تقول بالحرف الواحد ”وهذا لعله فيه إيجابيات وفيه أحياناً سلبيات“ انتهى. سبحان الله منهج السلفية الذي هو الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة فيه سلبيات؟!

أسأل الله لك الهداية و البصيرة في الحق، اللهم جنبنا الفتن ما ظهر و ما بطن، و الحمد لله أولاً و آخراً و ظاهراً و باطناً و صلى الله وسلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.

المقالات